دراساتصحيفة البعث

ديمقراطية أمريكا الخادعة

ريا خوري

بعد سلسلة القمع الوحشي التي مارسها ويمارسها الجيش الأمريكي، والشرطة الأمريكية FBI على المواطنين الأمريكيين السود في الولايات المتحدة، برعت شرطة نيويورك، وشرطة جمعية الحرَّاس المتطوعين (NYC PBA)، ورجال شعبة مخابرات شرطة نيويورك ومكتب مكافحة الإرهاب والجريمة، برعت في عمليات القمع الوحشي والعنصري ضد المواطنين الأمريكيين السود. وهنا نرى أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية باتت غارقة في خضم عمليات داخلية هامة، وأنَّ ما يحدث الآن من احتجاجات وأعمال شغب وعنف في مدنها قد يكون مجرد بدايات لأحداث ساخنة أكثر مأساوية وبداية لحرب أهلية دامية.

لم تكن تلك الأحداث التي شهدتها وتشهدها الولايات المتحدة الأمريكية هي الوحيدة التي تعبِّر عن بنية هذا النظام المتوحِّش والمتغوِّل في حياة الشعوب والدول، فقد طرحت الولايات المتحدة نفسها الحامي والحارس للديمقراطية في العالم، وأنها الدولة الامبراطورية الكبرى الحامية للقيم الإنسانية وحقوق الإنسان والمعايير الديمقراطية. ولأنها ترى في نفسها الحصن الحصين للديمقراطية في العالم، وجب عليها حق التدخل وفرض سياساتها على العديد من الدول والشعوب والأشخاص، لذلك تفرض الأحكام والعقوبات دون أدنى رادع.

لم تقف الولايات المتحدة عند هذا الحد بل إنها كانت تمارس التستُّر على الجرائم البشعة التي يقوم بها الحكّام  والطغاة الاستبداديون ضد شعوبهم ومواطنيهم، كما تتستَّر على الفساد السياسي والمالي لحلفائها، وتتدخَّل بكل ما تملك من قوة للدفاع عنهم ضد إرادة شعوبهم، ونجدها أيضاً كيف تدخَّلت للقيام بانقلابات لإسقاط حكومات مدعومة من شعوبها، وتدخَّلت لإخماد ثورات  الشعوب.

دخل كل هذا الآن في دائرة الاختبار، وفي ظل الموجة غير المسبوقة من المظاهرات والاحتجاجات التي فجرها القتل البشع جداً الذي قام به شرطي أمريكي أبيض ضد أحد المواطنين الأمريكيين من أصل إفريقي (جورج فلويد). تلك العملية كشفت العنصرية المفرطة الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية عنصرية الأبيض ضد كل من ليس أبيض بسبب لون البشرة، وهذا ما أدى إلى انشطار المجتمع الأمريكي بشكل أفقي وعامودي.

الديمقراطية في الغرب الأوروبي والولايات المتحدة أسلوب عمل يستطيع أن ينتصر فيه الأغنياء وأصحاب الثروات الهائلة، ومن يملكون الصوت العالي، بغضّ النظر عن ثقافته الخاصة المميزة. لقد استطاع “اليهود” وهم قلَّة لا تتجاوز نسبتهم 2% من مجموع الشعب الأمريكي، من السيطرة على الناخب الأمريكي من خلال امتلاكهم لكل وسائل الإعلام التي تعمل على غسيل الأدمغة وقلب الحقائق، وصنع فضائح لإخراج خصومهم من ساحة السياسة الاقتصاد، كما أن عددهم وصل إلى أكثر من الثلث في الكونغرس الأمريكي. وهنا يمكننا القول بأنَّ اليهود قد استغلوا الديمقراطية في الولايات المتحدة وسلبوها من أيدي الشعب الأمريكي، وصاروا من النخبة التي تساهم  في سن القوانين والتشريعات لصالح الكيان.

لقد مارست الولايات المتحدة الأمريكية دبلوماسية المدفع، وسياسة العصا والجزرة ضد العديد من دول العالم، فعلى سبيل المثال تم استخدام الديمقراطية كسلاح قوي ضد الاتحاد السوفييتي السابق، وكانت بعد تفكيك الاتحاد السوفييتي قد انكشفت بكذبتها الديمقراطية أمام تلك الدول والشعوب وحتى الأشخاص النوعيين. وكانت العديد من دول العالم قد أخذت دروساً كبيرة وهامة من فيتنام التي تصدَّت بكل شجاعة وصبر ورفضت الرضوخ للولايات المتحدة التي كانت قد بدأت بالدخول من باب الديمقراطية. كما مارست الولايات المتحدة الأمريكية مستخدمة كل أدواتها من أجل خلع رؤساء تم انتخابهم ديمقراطياً، ومارست اعتداءاتها ضد سورية وإيران وكوريا الديمقراطية وصنفت تلك الدول بما يسمى “محور الشر”، وصنَّفت الدول التي تدافع عن أوطانها بأنها إرهابية.

كما قامت أمريكا بإسقاط نظام حكم سلفادور الليندي في تشيلي المنتخب شرعياً وديمقراطياً، وغزت القوات الأمريكية ليما لإسقاط الرئيس أورتيجا واختطافه وجلبه إلى الولايات المتحدة للمحاكمة لمطالبته بتأميم قناة بنما، واتهمته الولايات المتحدة بالاتجار بالمخدرات قبل ظهور فكرة الاتهام بالإرهاب العالمي أو الإرهاب الدولي.

كذلك قامت الولايات المتحدة الأمريكية بالضغط بقوة على السودان وتحت عمليات الترهيب واستخدام القوة ونفوذها في محكمة الجنايات الدولية لتقسيم السودان، وتم خلق دولة ضعيفة تملك ثروات نفطية هائلة، وخلقت العديد من الدول في جنوب السودان التي تتحكَّم بمنابع نهر النيل، وبالتالي الضغط على السودان الشمالي ومصر بمساعدة الكيان الصهيوني. كما قامت الولايات المتحدة الأمريكية بإقناع تركيا بالتحكُّم بمنابع نهري دجلة والفرات والضغط على سورية والعراق، ومارست سطوتها الاقتصادية والعسكرية على الجيش الفلبيني تحت ذريعة حرب الإرهاب والولايات المتحدة، ووضعت كل ثقلها خلف تقرير المصير لسكان تيمور الشرقية التي تعَدّ جزءاً حيوياً من أندونسيا.

وأخيراً، وقفت الولايات المتحدة الأمريكية مع الكيان الصهيوني الوحشي والإجرامي، واستخدمت حق التصويت الفيتو من أجل حماية وضمان أمن الكيان الصهيوني الغاصب، ضاربة عرض الحائط مفاهيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.

إنَّ هذه الحقائق ومثلها عشرات الشواهد تؤكد أنَ الولايات المتحدة إذا كانت تمارس الديمقراطية على أراضيها فإنها تكيل بمكيالين بينها وبين دول العالم. ولكن الآن تكشَّفت هذه الحقيقة أكثر مع تداعيات ما حصل لـ جورج فلويد، وفشل التصدي لفيروس كورونا، والتعامل الخشن والفظّ مع غير البيض في أمريكا. كل تلك العوامل ستؤدي بالضرورة إلى سقوط أسطورة الديمقراطية.