تحقيقاتسلايد الجريدةصحيفة البعث

مع كثرة الأعباء.. سوريات تخلين عن أناقتهن وتنازلن لصالح الأولويات الأسرية!

في عالم الموضة والأزياء لم تكن سورية يوماً إحدى الوجهات الرئيسية للمصممين أو لأصحاب الماركات العالمية المعروفة، كما هو الحال في بعض البلدان العربية كلبنان أو المغرب العربي، ولكن لطالما عرف عن السيدات السوريات تميزهن بجمالٍ خاص وجاذبية متفردة جعلت منهن أجمل النساء في العالم لما يتمتعن به من جمال طبيعي وأنوثة من دون الاضطرار إلى المبالغة، سواء في مستحضرات التجميل أو اللباس.. هذا الكلام كان صحيحاً ومنطقياً قبل أن تسيطر وسائل التواصل الاجتماعي وتغير أنماط وأساليب حياتنا. ولكن الأمر اختلف كلياً مع الزمن. وبعيداً عن تأثير تلك الوسائل على أسلوب حياتنا سواء بشكل سلبي أو إيجابي سنتحدث اليوم عن تأثير الأزمة الاقتصادية الخانقة وضعف قدرة المواطن الشرائية على السيدة السورية التي باتت تلاقي صعوبة بالغة بالاحتفاظ بأناقتها والظهور بمظهر أنيق.

تغيّر الظروف

قد يعتقد البعض أن هذا الأمر ثانوي وربما لا يشكل أي أهمية إذا ما قارناه بما يجري حولنا من مشكلات وأمور تعتبر أهم بكثير مما نتحدث عنه، ولكن الاهتمام بالمظهر الخارجي والعناية بجمال المرأة هو أمرٌ ينبع من طبيعة المرأة ولا نبالغ إذا قلنا أن أي إنسان مهما كان سواء امرأة أو رجل يتوجب عليه أن يولي مظهره الخارجي اهتماماً كبيراً لأنه – وكما يقال – “الله جميل ويحب الجمال”، حسب ما أوضحت السيدة ريما صافي التي تعمل “مصففة شعر”، مضيفةً أن الجمال لا يعني فقط أن نرتدي ثياباً جميلة أو أن نضع مساحيق تجميل، بل هو كُلٌ متكامل.. الجمال، بدايةً، يعني النظافة الشخصية، وبرأيي الخاص هو الظهور البسيط وغير المتكلف.

تضيف السيدة ريما: خلال عملي لسنوات في هذا المكان، قابلت مئات السيدات ومن مختلف الطبقات الاجتماعية، واليوم ومع ما نمر به من أزمة اقتصادية خانقة، تراجعت أعداد السيدات اللواتي كنَ يحرصن على التواجد مرتين في الشهر على الأقل، والسبب طبعاً ارتفاع الأسعار، فالكثير من سيدات اليوم لم يعد بمقدورهن ارتياد محلات تصفيف الشعر.. إلخ، وأصبحن يعتمدن على أنفسهن في ذلك رغم صعوبة الأمر عند الكثيرات. وبالطبع الأمر لا يتعلق بالعناية بالشعر فقط، بل أيضاً بالثياب التي وصل سعر القطعة الواحدة منها إلى أكثر من نصف الراتب، وهذا ما أكدته أحلام خضور، وهي ممرضة في إحدى قرى ريف حمص.

تقول أحلام: أنا متزوجة ولدي ثلاثة أطفال وعملي لا يتطلب مني أن أتواجد بشكلٍ يوميٍ في مستوصف القرية وعلى الرغم من ذلك أواجه صعوبة كبيرة بسبب عدم قدرتي على شراء ما يلزمني من لباس أظهر به بمظهرٍ جيد أمام الناس، مضيفةً: معاناتنا نحن الأمهات العاملات أكبر لأننا وأمام متطلبات الحياة الكثيرة، خاصةً تلك المتعلقة بالأطفال، تمنعنا من مجرد التفكير بشراء الثياب التي بتنا نراها عبئاً ثقيلاً علينا، فاليوم لا يوجد فرق كبير بين السيدة العاملة والسيدة التي لا تملك عملاً، لأن كلا منهما لم تعد تستطيع الاعتماد على نفسها أو تشعر بأنها مستقلة مادياً.. هذا من وجهة نظري!! مؤكدةً أن الكثيرات من معارفها أصبحن يفكرن بأخذ إجازات غير مأجورة ليجلسن في المنزل لأن تكلفة الذهاب إلى العمل أصبحت أكبر بكثير مما تتقاضاه تلك السيدات على حد قولها.

أولويات

“أنا اليوم كسيدة عاملة ومعيلة وحيدة لأسرتي الصغيرة المكونة من فتاتين في مقتبل العمر، الأولوية لدي أصبحت تأمين لقمة العيش لعائلتي، أما موضوع الاهتمام بمظهري الخارجي وأناقتي فقد أصبح أمراً ثانوياً على الرغم من أن ذلك يؤلمني كثيراً. ولا أخفيك سراً إذا قلت أنه ربما يقلل من ثقتي بنفسي بعض الأحيان!!

بهذه العبارات أفصحت السيدة كاميليا عن شجونها وهي خريجة علم الاجتماع، والأقدر على معرفة وفهم أحاسيس المرأة وحالتها النفسية التي تؤثر على تصرفاتها وقدرتها على العطاء والتميز لإثبات ذاتها، مضيفةً: الإنسان الذي يتمتع بمظهرٍ جميل ومرتب بالتأكيد سيكون لديه الكثير من الثقة العالية بالنفس، فالجمال عنصرٌ ضروريٌ لا يمكن أن نتجاهله أو نتخلى عنه، ولكن – وكما يقال – هناك المهم والأهم، مع العلم أن الكثير من التفاصيل المهمة جداً لا بد من الاهتمام بها كالنظافة الشخصية والصحة الفموية، والتي أصبح ضرباً من الخيال المثابرة على الاهتمام بها بسبب تكلفتها العالية.. “أنا اليوم سيدة فقدت اثنين من أضراسها ولم أتمكن من الذهاب إلى عيادة طبيب الأسنان لمعالجتهما لأن هناك أموراً ملحة جداً منعتني من ذلك، منها الأجور الخيالية لجلسات المراجعة التي أدفعها لابنتي التي تحضر لامتحان شهادة التعليم الأساسي!”.

الألبسة المستعملة!

لوقتٍ طويل تمكنت محلات الألبسة المستعملة، أو كما تسمى بالعامية “البالة”، من حل مشكلة ارتفاع أسعار الألبسة الجاهزة، حيث باتت معظم الشرائح الاجتماعية، ومن كافة المستويات تقريباً، تعتمد عليها، أما اليوم فقد أصبحت حتى تلك الأسواق تعتمد تسعيرةً مرتفعة تفوق طاقة تحمل المواطن.. هذا ولم نتطرق إلى أن الكثير من بضاعتها قديم جداً ولا يستحق المبالغ التي يطلبها أصحابها، فتلك الأماكن كان ملاذ الكثير من طلاب الجامعات وأصحاب الدخل المحدود – الذي بات معدوماً وليس محدوداً.

رؤى وتماضر طالبتان في كلية الهندسة المدنية تحدثتا عن الصعوبة البالغة وعدم القدرة على التوفيق، بأي شكلٍ من الأشكال، بين مستلزمات الكلية التي لا بد من شرائها والارتفاع الجنوني في أسعارها التي تخضع لبورصة أسعارٍ تختلف حتى بين بداية اليوم الواحد ونهايته، وبين متطلباتهما الأخرى كالطعام والشراب.. واللباس الذي كانتا تعتمدان في الكثير منه على محلات الألبسة المستعملة، فقد كان لا بد من زيارة تلك المحلات مرةً كل عشرة أيام تقريباً، حيث في الكثير من الأحيان كانتا تحصلان على طلبهما، أما اليوم فتقف الشابتان حائرتان في أمرهما خاصةً، وأنهما تسكنان المدينة الجامعية في دمشق. تضيف الفتاتان: الأمر لا يقتصر على الطعام والشراب، فنحن لدينا أمور أخرى لا يمكننا التخلي عنها، كالأمور الشخصية الخاصة بنا كـ “صبايا”، والتي إذا لم نولها اهتماماً كبيراً ستجعلنا عرضةً للأمراض كالمحارم بكل أنواعها والشامبو ومواد التنظيف الأخرى والتعقيم والكمامة التي أصبحت مصروفاً آخر لم يكن في الحسبان، حيث يصل ثمنها في بعض الأحيان إلى ألف ليرة سورية.

في حقيقة الأمر، لا يخفى على أحد معاناة السيدات السوريات من كل النواحي، ولا يمكن تجاهل كل ما ذكر بحجة أنه ثانوي وغير ضروري، وهناك ما هو أهم، لذلك سلطنا الضوء على جزء صغيرٍ جداً من تلك المعاناة التي لن تتوقف، بل ستزيد وتتفاقم، إذا لم تتحسن الظروف الاقتصادية.. هذا ولا يمكن أن نغفل أن السيدة السورية لطالما كانت مبتكرة الحلول ومبدعة في التأقلم مع ظروفها، وهذا ما نأمله اليوم أيضاً.

لينا عدرة