دراساتصحيفة البعث

أمريكا وألمانيا.. علاقات تفرضها المصالح

 

ترجمة وإعداد: عائدة أسعد

قال الدبلوماسي الأمريكي السابق هنري كيسنجر ذات مرة: “إن ألمانيا الغربية القديمة لديها عدم توافق كامن بين أهدافها الوطنية وعلاقاتها الأطلسية”. والآن يقول الصحفي الألماني ميودراك سوريك: “يبدو أن دونالد ترامب يغيب عن تلك الأوقات”.

هل يمكن أن تتابع ألمانيا مصالحها الخاصة؟ يبدو أن جواب واشنطن على هذا السؤال واضح وبمباركة الحكومة الأمريكية التي تهدد بفرض عقوبات على الشركات الأوروبية المشاركة في استكمال خط أنابيب “نورد ستريم 2” والذي انتهى الآن بنسبة 96٪ لنقل الغاز الطبيعي على طول قاع بحر البلطيق من روسيا إلى ألمانيا متجاوزاً جميع البلدان الأخرى، ومن هناك إلى دول الاتحاد الأوروبي الأخرى.

إن ألمانيا تعتمد على الصادرات وتحتاج صناعاتها إلى أمن الطاقة، وهذا هو السبب في أن الحكومة والشركات الألمانية تدعم بناء خط الأنابيب، مع الأخذ بعين الاعتبار التحفظات التي عبرت عنها دول معينة حول المشروع، خاصة بولندا وأوكرانيا.

لكن البيت الأبيض لا يهتم بكل هذا والرئيس ترامب عازم على إيقاف خط الأنابيب بغض النظر عما يتطلبه الأمر، وأحد الأشخاص الذين حثوه على ذلك الإجراء هو ريتشارد جرينيل السفير الأمريكي السابق في برلين هذا الدبلوماسي غير الدبلوماسي إلى حد ما الذي قدم مساهمة كبيرة في العلاقات الثنائية واستقال في 1 حزيران وغادر ألمانيا.

أيضاً تيد كروز السيناتور الجمهوري اليميني المتطرف من تكساس هو خصم صريح لخط الأنابيب هذا، وهو الرجل الذي يطلق عليه بعض أعضاء حزبه “الشيطان المتجسد” ويقول آخرون: إنه إذا كان كروز يعاني من إصابة خطيرة في الكونغرس فلن يتصل أحد برقم 911 لإسعافه.

وشركة صناعة التكسير الهيدروليكي أو الغاز الصخري الأمريكية التي ترعى كروز منذ سنوات ترغب بدورها في بيع غازها في أوروبا، لكن المشكلة هي أن الغاز الأمريكي الذي يتم إنتاجه أغلى من الغاز الروسي.

وفي هذه الحالة تبتعد واشنطن التي كانت مناصرة قوية لاقتصاد السوق الحر عن فكرة المنافسة ووجدت من الأسهل لها التهديد بالعقوبات، تلك السياسة التي يسميها ترامب “أمريكا أولاً” ومن خلال القيام بذلك يخاطر ترامب بإتلاف العلاقات مع أحد حلفائه الأكثر ولاء.

في العلن يمتدح ترامب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، لكن وسائل الإعلام وممثلي الحكومة يلمحون إلى أنه كانت هناك محادثات ساخنة بين الاثنين والمستشارة شخصية مختلفة عن رئيس حكومة الجبل الأسود “مونتينغرو” الذي يمكن لرئيس الولايات المتحدة أن يتخلى عنه ببساطة.

الآن يريد أن يعاقبها على تمردها بسحب ما يقرب من 10000 جندي أمريكي من ألمانيا هذا العام، وهذا الأمر لن يزعج الألمان كثيراً طالما أن بلدهم ليست معرضة لأي تهديد عسكري من الخارج. علماً أن الأمريكيين موجودون في ألمانيا لأن ذلك في مصلحتهم الخاصة، حيث يتم التحكم في جميع مهام العراق وأفغانستان من الأراضي الألمانية ومن أجل مصلحة الناتو، وإذا قام ترامب بسحب مجموعة كبيرة فهو سيؤذي الولايات المتحدة في المقام الأول ويعزلها عن أوروبا بشكل أكبر، وستكون الصين هي المستفيدة فكل نزاع بين الدول الغربية يقوي يد بكين ضد واشنطن، ومع مثل هذا السلوك لا يمكن للأمريكيين الاعتماد على دعم الاتحاد الأوروبي في النزاع التجاري مع الصين بل على العكس تماماً.

على أية حال ستتولى برلين رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي في تموز القادم ولاتزال ميركل تخطط لاجتماع ما بين رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي مع الرئيس الصيني شي جين بينغ حتى لو تم إلغاء الموعد الأصلي المقرر في منتصف أيلول المقبل بسبب جائحة الفيروس التاجي. ومثل هذا الاجتماع الذي يعقد مباشرة قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية سيكون بالطبع استفزازاً دبلوماسياً لترامب.