سلايد الجريدةصحيفة البعثمحليات

زراعة الأرز الهوائي باتت واقعاً.. وآلات حصاده وتقشيره قيد التطوير!!

 

من المعروف أن الأرز يحتل عالمياً المرتبة الثانية بعد القمح من حيث الأهمية الاقتصادية، ولطالما كانت زراعة الأرز المغمور بالمياه قديمة في بعض مناطق سورية (1948) كالحسكة والرقة وحمص والغاب، لكن مع تزايد الحاجة لمصادر المياه والتغير المناخي وارتفاع تكاليف إنتاجه قياساً بالمستورد، فقد تراجعت زراعته على حساب زراعات أخرى أهمها القطن.

ومع تطور الأبحاث نحو استنباط أصناف لا تحتاج للغمر بالمياه متحملة للجفاف، قامت وزارة الزراعة ممثلة بالهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية وبالتعاون مع منظمة الزراعة والأغذية الدولية FAO في عام 2010 بإدخال 19 صنفاً مختلفاً من الأرز الهوائي (المتحمل للجفاف أو غير المغمور) للتقييم في الرقة، لكن ونتيجة الحرب وللحفاظ على العينات تم نقلها للهيئة ليتم البدء في اختبارها في محطة بحوث زاهد (سهل عكار) التابعة لمركز بحوث طرطوس في عام 2015 بهدف تقدير احتياجات هذه الأصناف المائية وإنتاجها ومدى تأقلمها مع مناخ وظروف المنطقة، وقد تم اختيار سهل عكار كون تربته “غدقة” وذات مستوى ماء أرضي مرتفع، واليوم تستعد سورية لإنتاج أول دفعة من الأرز الهوائي متحدية كل العقوبات الجائرة بهدف تعزيز الإنتاج المحلي والاعتماد على القدرات والكفاءات السورية.

دوافع التجربة

الدكتور منهل الزعبي، مدير إدارة بحوث الموارد الطبيعية في الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية، بيّن في حديث مع “البعث” أن الأرز يزرع بشكل مروي ويحتاج إلى الغمر المستمر – كما هو معلوم – ولكن، ونظراً لوجود مشكلة نقص المياه ومحدودية مصادرها التي تعاني منها دول العالم فقد بدأت مراكز أبحاث الأرز الاتجاه إلى استنباط أصناف أرز جديدة، مبكرة في النضج ومقاومة للآفات وأكثر تحملاً للجفاف، وذلك بالتهجين بين الأرز المروي عالي الإنتاج وأرز الأراضي المرتفعة المتحمل للجفاف، مع الاحتفاظ بمواصفات جودة الطهي والتخلص من الأمراض الناجمة عن زراعة الأرز المروي، وقد سميت الأصناف الجديدة بالأرز المتحمل للجفاف وغير المغمور بالمياه أو “الأرز الهوائي”، يروى على فترات من 12 – 15 يوماً بين الرية والأخرى في الأراضي الطينية الثقيلة، والتي تحتفظ بالرطوبة لفترات طويلة، ونظراً لشح المصادر المائية ومحدودية مصادرها التي تعاني منها معظم دول العالم، فقد تراجعت زراعة الأرز المغمور واتجهت أبحاث الأرز إلى استنباط أصناف جديدة أكثر تحملاً للجفاف، مضيفاً: إنه وفي ظروف الأزمة في سورية والحصار الظالم على بلدنا أصبح من الضروري البحث عن محاصيل بديلة بهدف الاعتماد على الذات من خلال تأمين الأمن الغذائي وتوفير القطع الأجنبي، لذا كان لا بد من العمل على محصول الأرز وزراعته في ظروف سورية وفي مناطق ملائمة لزراعته.

في سهل عكار

الزعبي أشار إلى أنه وبعد أن تم إدخال 19 سلالة من الأرز الهوائي بهدف اختبارها في سورية، تمت زراعته ضمن تجارب في محطة زاهد لبحوث المياه والري في سهل عكار لمدة 4 سنوات، ونتيجة تميز هذا السهل بوجود رطوبة أرضية عالية وأيضاً رطوبة جوية عالية، الأمر الذي أثر إيجاباً على تقليل احتياجه المائي، منوهاً بأن محصول الأرز الهوائي كأي محصول آخر غير مجهد للتربة، وبالتالي احتياجاته من الأسمدة عادي، وكذلك لم يلحظ إصابته بأمراض النبات، ومن خلال دراسة استهلاكه المائي خلال سنوات البحث فقد وجدنا أن احتياجه المائي يصل حتى 8 – 9 م3/ هـ.

أربعة أصناف

أما عن الأصناف المعتمدة والعائد الاقتصادي من زراعة هذا النوع من الأرز يوضح الدكتور شادي فسخه رئيس مركز البحوث العلمية الزراعية في طرطوس أنه بعد سنوات من الاختبار وفي العام الفائت 2019، اعتمدت لجنة الاعتماد في وزارة الزراعة أربعة أصناف من الأرز الهوائي غير المغمور والمبكرة النضج وهي: الجيزة (مصري الأصل قصير الحبة)، الأوكسر (إيطالي متوسط الحبة)، LB (صيني متوسط الحبة) ونيريكا (أفريقي طويل الحبة)، وقد اعتمدت بأسماء محلية متداولة هي: زاهد 1، زاهد2، زاهد 3، زاهد4 على التوالي، وقد بلغ متوسط إنتاجها على مدى سنوات الاختبار 400- 600 كغ / الدونم،  وفي حالة العمليات والظروف المثالية قد يصل الإنتاج 700 كغ/ الدونم، وهي تحتاج لرية كل 10 أيام تقريباً، وبشكل عام هو ليس بديل للقمح وإنما يزرع في مثل هذه الأراضي الطينية الغدقة التي تشكل حوالي 40% من أراضي سهل عكار، حيث يزرع من أواخر أيار ويحصد في أيلول.

وبخصوص التكلفة فيبين فسخه أنه في دراسة عام 2018 قُدرت كلفة إنتاج الكيلو غرام الواحد 70 ليرة سورية، وفي تقدير آخر منذ 5 أشهر قدرت الكلفة بـ 150 ليرة سورية، وبكافة الأحوال ومع فروقات الأسعار فإن كلفة إنتاج الكيلو غرام ستبقى أقل وأوفر من الأرز المستورد.

تجارب موسعة

رئيس مركز بحوث طرطوس أشار إلى أن محافظة طرطوس تخطت مرحلة الانتخاب والتجريب ودخلت المرحلة التالية بعد الاعتماد وهي مرحلة التجارب الموسعة، حيث شكلت لجنة وزارية هذا العام تضم باحثين من الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية ومؤسسة إكثار البذار مهمتها اختيار مساحات لدى بعض المزارعين في سهل عكار، لكن نتيجة الإجراءات الاحترازية لفيروس كورونا تمت الزراعة في محطة البحوث وبمعدل 100 متر مربع لكل صنف بهدف الإكثار وزيادة الكميات لتوزع في العام القادم على المزارعين، أما زراعة الأرز الهوائي في مركز بحوث اللاذقية ومركز بحوث القنيطرة فما زالت في مرحلة التجريب.

ولنتعرف على انعكاس هذا النوع بالإنتاج على الفلاح والمستهلك يشير فسخه إلى أن الأهمية الاقتصادية للأرز تكمن في أنه من أكثر المواد الغذائية استهلاكاً، وبالتالي إن فكرة إنتاجه محلياً قد تقلل من كميات الاستيراد، وبالتالي المساهمة في دعم الاقتصادي الوطني، كما أن زراعة الأرز الهوائي في مثل الترب قد يكون علاجاً لظاهرة الغدق، ويعزز هذه الفكرة الدكتور الزعبي أن هذا المحصول كونه يستورد من خارج القطر ونتيجة للحصار الظالم على سورية لابد من زراعته لتلبية حاجة المواطن السوري منه، وبالتالي توفير القطع الأجنبي الناجم عن استيراده.

آلة التقشير

وحول سؤالنا عن الباحثين ممن قاموا بتنفيذ هذه التجربة، ذكر فسخه أن المرحلة الأولى نُفذت من قبل الكوادر البحثية في الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية، وفي مرحلة التجارب الموسعة انضم للفريق زملاء من مؤسسة إكثار البذار، منوهاً بأن تنفيذ تجارب الأرز الهوائي ونجاحها دفع أحد طلاب الدراسات العليا في مركز بحوث طرطوس، وهو المهندس محمود أسعد،  اختصاص هندسة تقنية، إلى تصميم وتنفيذ آلة لتقشير الأرز حصل بموجبها على الميدالية الذهبية في معرض الباسل للإبداع والاختراع، وحالياً هناك طالب الدكتوراه قيس إبراهيم في طور تنفيذ آلة لحصاد ودراسة الحبوب ومنها الأرز.

ميس خليل