ثقافةصحيفة البعث

يوسف الخطيب.. صوت شعري بقوة النور

 

تزامن الانتهاء من عرض مسلسل “حارس القدس” ونجاحه الكبير مع ذكرى رحيل الشاعر يوسف الخطيب (16 حزيران2011)، وكان من الطبيعي لكل من تابع المسلسل أن يشعر بروح الشاعر تخيم عليه لحضوره الجلي في شارة العمل التي أنجزها الموسيقي سمير كويفاتي، وغنَّتها الفنانة ميادة بسيليس، من خلال قصيدته “الاعتراف” التي نظمها عام 1974 للمطران ايلاريون كبوجي وهو في سجون الصهاينة، وقد أكد المايسترو سمير كويفاتي في تصريحه لـ “البعث” أنه لم يجد صعوبة في التعامل مع القصيدة رغم جزالتها، بل كانت هي من تقوده، فكان يلحنها بسهولة على الرغم من كلماتها العميقة، وكان الشاعر الخطيب قد وصف فيها المطران بأمير الكنيسة العربية والأب السوري الفلسطيني المقاوم:

أَبَتي..

أَظُنّ غَسُولَ هذي الأَرضِ من دَمِنا/ وأَنَّ يداً تُعَتِّـقُ لِلصباحِ صفاءَ أَدمعِنا/ أَذكُرُ أَنَّ هذا السجنَ.. كان السجنَ../ورأسُكَ شُعلةٌ حمراءُ تطلعُ في دجى كنعانْ..

العندليب

لُقب بعندليب وسندباد وعاشق ومجنون فلسطين التي كانت بوصلته الدائمة لكل ما يكتب كما كانت بوصلة المطران في حله وترحاله وحتى مماته، لذلك كان من الصعب على مخرج العمل الابن وقضيته في المسلسل فلسطين أن لا يستحضر روحه وكلماته، ولا أعتقد أنه كان من باب المصادفة أن يستحضر المخرج اسم أستاذ يوسف الخطيب، خليل سكاكيني، في العمل من خلال أستاذ المطران خليل الذي تعلق به في المدرسة.. يقول يوسف الخطيب في أحد حواراته: “أخذت أتعلم كيف أفك الحرف، ليس من خلال المربي الجليل خليل السكاكيني في كتبه المدرسية الابتدائية فحسب، وإنما من خلال كل ما كان يقع تحت يدي من كتب البيت”.

عربي فلسطيني

حين كان يوسف الخطيب يعرّف عن نفسه كان يقول: “أنا مواطن عربي فلسطيني ولدتُ في السادس من آذار عام 1931 وقد وعيتُ على أصوات الجنود الإنكليز وهم يقتحمون بيتنا بأعقاب بنادقهم بحثاً عن والدي لتعاونه مع الثوار والذي التجأ إلى سورية للإقامة فيها مؤقتاً، وفي سن السابعة عُرفتُ بقدرتي على إنشاد القصائد والأغاني المدرسية ومحاولة تقليدها والنسج على منوالها”، مشيراً في كل حواراته إلى روعة وجمال بلدته دورا في قضاء الخليل التي أسست لديه الملَكة الشعرية قبل سن العاشرة وتأثيرها في دفعه لكتابة الشعر وهي المعروفة بكثرة الشعراء الشعبيين الذين كانت قصائدهم أقرب إلى الشعر العربي الفصيح.. وفي مدينة الخليل أكمل الراحل الخطيب دراسته الثانوية، ثم عمل بعدها لفترة قصيرة في إحدى الصحف المحلية في الأردن، قبل أن يتوجه إلى دمشق سنة 1951 للدراسة في كلية الحقوق في الجامعة السورية، والتي فضَّلها على دراسة الأدب لأنها رديف سياسي للكفاح المسلح في مجال العمل الوطني.

شعلة البعث

في العام 1955 لفت الأنظار إليه بقصيدته الوطنية، فكانت مجموعته الشعرية “العيون الظماء للنور” باكورة أعماله الشعرية، وقد حملت عنوان القصيدة التي فاز بها بالجائزة الأولى في مسابقة مجلة “الآداب” التي نُظمت على مستوى الوطن العربي آنذاك، معلنةً بوضوح عن صوت شعري قادم بقوة النور إلى الساحة الأدبية:

أنا مشعل أنا مارد جبار/ لا الريح تخمدني ولا الإعصار

كان الخطيب من المؤمنين بالقومية العربية، وقد عبّر عن هذا الانتماء عبر انتسابه إلى حزب البعث العربي الاشتراكي أثناء دراسته الجامعية:

يا شُـعلَة البعثِ، رُدِّي حالِكَ الحُجُبِ/ وَقُـمْ، فَأَنـــذِرْ، بـأَصنـــامٍ مُـبَـجَّـلـةٍ

وإثر ملاحقة البعثيين إبان الوحدة السورية المصرية، لجأ الخطيب إلى بيروت، وحينها أصدر مجموعته الثانية “عائدون” (1958)، ومنها تابع ترحاله إلى هولندا حيث عمل في القسم العربي في إذاعة هولندا العالمية، لكنه عاد إلى العراق ومنها إلى سورية حيث استقر فيها سندباد فلسطين بشكل نهائي. وقد ألقى عام 1965 قصيدة “شعلة البعث” في مهرجان وطني نُقل مباشرة من إذاعة دمشق جعلت اسمه يتردد على كل لسان لمضمونها الجريء وقد باعت المكتبات منها آلاف النسخ:‏

آمنت بالشام روح البعث تسكنها/ ما جلق هذه بل كعبة العرب‏

أصدر بعد فترة وجيزة من عودته ديوانه الثالث “واحة الجحيم”، وفي العام 1965 تولى منصب المدير العام للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، لكنه تخلى عن الوظيفة الحكومية نهائياً عام 1966 ليؤسس دار فلسطين للثقافة والإعلام والفنون، والتي أصدر عنها عدداً من المطبوعات، أهمها إصداره للمذكرة الفلسطينية ما بين الأعوام 1967 – 1976، بخمس لغات، حيث قام بتسجيل يوميات القضية الفلسطينية فيها بالاستناد إلى عدد من المراجع الهامة، كما صدر عن الدار عام 1968 “ديوان الوطن المحتل”، وضم مجموعة من قصائد ودواوين شعراء فلسطين المحتلة عام 1948، أمثال محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد، إضافة إلى دراسة بقلم الشاعر عن الحركة الشعرية في فلسطين المحتلة.

العندليب المهاجر

تمثل قصيدته “العندليب المهاجر” جزءاً من ذاكرة الكثيرين منا على مقاعد الدراسة، وكانت بداية نقلة في نتاجه الشعري لعقد الخمسينيات من مرحلة القصيدة الهائجة الثائرة التي تزامنت مع طزاجة الجرح الفلسطيني الساخن ومن ثم غياب أية بادرة جادة لإسعافه، الأمر الذي جعل الشاعر الخطيب يدخل تدريجياً في مرحلة القصيدة المتأملة الهادئة فكانت “العندليب المهاجر” :

لو قشة مما يرف ببيدر البلد/ خبأتها بين الجناح وخفقة الكبد

مجنون فلسطين

كان هاجسه طيلة مسيرته الشعرية التجديد إلى أبعد حد.. من هنا كانت تجربته التأسيسية في ديوان “مجنون فلسطين” السمعي، سنة 1983، فكان أول ديوان سمعي في الوطن العربي صدر بأربعة أشرطة كاسيت ويمثل توجهاً بعيداً عن الطرق التقليدية في نشر الشعر وإيصاله إلى جمهوره، وقد ضمت قصائد لم يسبق أن نشرها، متعمداً أن يضع القصيدة التقليدية إلى جانب القصيدة الحرة لاعتقاده أن الشاعر العربي الحقيقي هو من يقف أمام جمهوره متمكناً من جميع أساليب الأداء الشعري، مختاراً لكل قصيدة من قصائده السمعية ما يناسبها من كنوز المكتبة الموسيقية العالمية، ليصدر عام 1988 ديوانين اثنين، هما: “بالشام أهلي والهوى بغداد”، و”رأيت الله في غزة”، وكانا آخر ما صدر له من دواوين مكتوبة، ليصدر قبل رحيله بوقت قصير أعماله كاملة في ثلاثة مجلدات.

يُذكر أن يوسف الخطيب كان نائباً للأمين العام لاتحاد الكتّاب والصحفيين الفلسطينيين وعضو المجلس الوطني الفلسطيني..شارك في أعمال الهيئة التأسيسية لاتحاد الكتاب العرب في سورية، وأسهم في وضع نظامه الأساسي والداخلي.

أمينة عباس