تحقيقاتصحيفة البعث

الأمان الأسري.. بيئة صحية لتماسك العائلة ونمو سليم للشخصية؟!

لاشك أن استقرار العلاقة الزوجية يؤدي إلى تماسك العائلة ويسمح بوجود بيئة تساعد على نمو الأبناء بطريقة سليمة وطبيعية، لذلك يمكننا القول بأن المجتمعات المبنية على تماسك بناءات أسرية يصبح النمو والتطور فيها أكثر فعالية لأنها الدائرة الأولى التي ينتمي إليها الطفل ومن خلالها يتم التواصل مع المجتمع، ناهيك عن أثر الأسرة في تربية الطفل وتنشئته في كافة الصعد النفسية والاجتماعية والعقلية، حيث تعتبر العامل الأهم في رسم ملامح شخصيته وتحديد سلوكه ومبادئه بدا بمراحل طفولته الأولى كما تساهم في إشباع رغباته النفسية وتشكيل كيانه النفسي الذي يستمر معه إلى مرحلة المراهقة والبلوغ وإلى مراحل أخرى متقدمة، لذلك تتكون ردود أفعال على السلوك الذي يتعامل به الشخص مع من حوله أو على الطريقة التي ينظر بها إلى الآخرين والعلاقات الاجتماعية أو الحميمة التي يكون جزءاً منها .

العدوان الصامت
غالباً ماتؤدي المشكلات الأسرية إلى اضطرابات مختلفة، وتؤثر بقوة على مراحل تطور الدماغ والجملة العصبية المرتبطة بالقدرات المعرفية أو الإدراكية وبحسب الأخصائية في علم الاجتماع مها طنوس يؤدي الضغط الشديد إلى التأثير على المخيخ فيعجز عن تنظيم الإجهاد والتعامل مع التوتر والقلق والصعوبات النفسية لذلك ينشأ الاكتئاب عند استخدام الطرق العدوانية بشكل متكرر كالعدوان اللفظي مثل السب والشتم والتهديد أو الاستصغار والتحقير، والعدوان البدني مثل الضرب أو الألم، أما العدوان الصامت فهو يمارس بتجنب الشخص وإهماله والابتعاد عنه، ما يسبب الشعور بانعدام الأمان العاطفي وغيابه بالإضافة للخوف من المستقبل أو القلق حياله، وفي مراحل معينة يبدأ الطفل باكتساب مشكلات سلوكية معينة مثل الغضب والعدوانية والعنف في المنزل أو في المدرسة، أو قد يتطور لاضطرابات في النوم والأكل وبعض المشكلات الصحية والنفسية التي تنعكس على علاقاتهم بالآخرين وعلى قدراتهم التعليمية والأكاديمية في المدرسة، وتشير بعض الأبحاث إلى أن الأطفال الذين تقل أعمارهم عن ستة أشهر يستطيعون تمييز خلافات والديهم والمشكلات الموجودة في العائلة، وذلك يعود لدرجة حساسيتهم واكتشافهم للعاطفة والمشاعر بأنواعها السلبية والإيجابية أكبر بكثير مما نعتقد، وتستمر هذه الحساسية حتى مرحلة المراهقة.

إدراك التغيير
يؤدي التوتر والإجهاد الناتجان عن مشكلات العائلة وعدم استقرارها إلى انتهاء مرحلة الطفولة بوقت مبكر جداً أي أكثر من المعدل الطبيعي المتعارف عليه بين أبناء جيلهم، وتضيف طنوس: تخضع مرحلة بلوغ الطفل للعديد من العوامل النفسية والاجتماعية بالإضافة للعضوية والبيولوجية فالتوتر والإجهاد الناتج عن مشكلات العائلة يسرع في الوصول لسن المراهقة، والبلوغ المبكر خاصة عند الفتيات يكون مرافقاً للعديد من المشكلات النفسية والاجتماعية بما في ذلك الاكتئاب الناتج عن عدم القدرة على إدراك التغير المفاجئ في مرحلة أصغر من اللازم، فالضغط الاجتماعي الناتج من الاختلاف مع الأقران وعدم التوافق معهم يدفع للمقارنة الاجتماعية والتي تؤدي غالباً إلى نشوء القلق وانعدام الثقة في العلاقات مع الأهل والأصدقاء، الأمر الذي يزيد من احتمالية التوتر والضغط النفسي الذي يتعرض له الطفل الناشئ عن المشكلات في العائلة أساساً.

تفريغ الضغوط
إن المشكلات الأسرية المختلفة، والتي تنشأ لأسباب مختلفة أو مشاحنات بين الزوج والزوجة في الغالب صعب إخفاؤها عن الأطفال، حتى وإن كان الطفل داخل غرفته فإنه يستمع لتلك الخلافات والمشاحنات، وتلك المشكلات الأسرية، وهنا يرى الأخصائي علي سلطان أن المشكلات بمختلف أسبابها تؤثر على الطفل سلباً بينما من الممكن أن يظل ذلك التأثير السلبي ملازماً للطفل طيلة حياته، فالتوتر الذي يشعر به نتيجة المشكلات الأسرية يجعله مشتت الذهن والانتباه وغير قادر على التركيز بسبب عدم قدرته على حل المشكلات التي تواجهه بالمنزل، وهناك دراسات أثبتت أن 90 بالمائة من المتأخرين دراسياً يعانون من المشكلات الأسرية، بالإضافة إلى انخفاض درجاتهم في المواد الدراسية خاصة الرياضيات والقراءة، فهم أيضاً أكثر عدوانية ومثيرون للشغب والعنف، ما ينتج عنه ارتفاع مستوى المشكلات التأديبية للطفل وتباطؤ وظائفه الإدراكية.

المدى البعيد
يعتقد البعض أن الأثر النفسي للمشكلات الأسرية على الأطفال ليست كتلك التي تحدث للكبار من توترات وضغوط نفسية، يتابع سلطان إن الطفل الذي يعيش في بيئة مضطربة غير مغلفة بالحب والود يلجأ إلى تفريغ الضغوط النفسية التي يشعر بها من خلال نوبات غضب أو صراخ أو تبول لا إرادي، ومن الممكن أن يصلوا إلى إيذاء أنفسهم أو من حولهم لذلك يجب اتباع الطريقة الإيجابية في تربية الطفل، قد يظهر في بادئ الأمر أن المشكلات الأسرية تأثيرها وقتي ولكنها في الواقع تؤثر على المدى البعيد، فالأطفال الذين عاشوا طفولة مليئة بالمشكلات الأسرية هم الأكثر عرضة لإدمان المخدرات لذلك علينا محاولة إخفاء الخلافات والمشكلات أمام الطفل قدر الإمكان واحترام الزوجين لبعضهما البعض، خاصة أمام الأطفال بالتالي سيحترمهم الأطفال، بالإضافة إلى ترسيخ قواعد سليمة بداخل الطفل ونشأة طفل غير معقد نفسياً وعدم إظهار علامات الغضب والتعصب بين الكبار في حضور الطفل، كما يجب تجنب استخدام الضرب والألفاظ النابية من الأبوين لبعضهم أو للأطفال مع الحرص على تبسيط الأمور وحل المشكلات الأسرية بهدوء دون ضغوط، محاولة استخدام الترفيه وتغيير الجو العام من فترة لأخرى مع الأسرة كاملة حتى يشعر الطفل بالحب والألفة وإشراك الطفل في الحوار والرأي، خاصة إذا كان في موضوع يخصه حتى يشعر بالاهتمام ولابد من محاولة الأبوين فعل ما يمكنهما ليحظى أطفالهما بالمناخ الأسرى الدافئ والاستقرار النفسي.
ميادة حسن