دراساتصحيفة البعث

خرافة التسامح العرقي

سمر سامي السمارة

في ظل تصعيد الولايات المتحدة لسياسة روسيا الاتحادية، والتي تستند بشكل رئيسي على الأخبار المضللة، حاولت مؤخراً وسائل الإعلام التي تسيطر عليها وكالات الاستخبارات الأمريكية إطلاق حملة دعاية معادية لروسيا زاعمة أنها لعبت دوراً في التحريض على الكراهية العنصرية بين الأمريكيين.

من البديهي أن لا يكون لروسيا- بأي حال من الأحوال- يد في التوتر العرقي الذي عم معظم الولايات الأمريكية فجذوره تضرب بعيداً في السياسة التي تفرضها الإدارة الأمريكية، إذ إن التحريض على الكراهية العنصرية لا يزال أداة واشنطن الرئيسية للتأثير على المجتمع الأمريكي.

ظهر ذلك جلياً من خلال الأحداث المأساوية الأخيرة التي أثارتها الممارسة الوحشية للشرطة في قتل الأفريقي الأمريكي جورج فلويد، واعتقال المئات من المتظاهرين من حركة “حياة السود” من قبل المعنيين بإنفاذ تطبيق القانون يومياً.

حتى إن صحيفة “الغارديان” البريطانية التي تميل إلى اتخاذ موقف مؤيد للإدارة الحالية في واشنطن، سلطت الضوء على استمرارية تفشي العنصرية في الولايات المتحدة، مع ازدياد عدد الذين يصابون بشكل أكبر من البيض بالفيروس التاجي. وزيادة احتمال إصابتهم ضعفي اللاتينيين والآسيويين، على الرغم من حقيقة أن الأمريكيين الأفارقة يمثلون 13 ٪ فقط من سكان البلاد. وبحسب المقال الذي نشرته “الغارديان” مؤخراً، يمكن إرجاع جذور العنصرية الأمريكية الحديثة إلى السنوات الأولى لأمريكا أي منذ وصول المستعمرين الأوروبيين الأوائل، واعتماد مبدأ تفوق العرق الأبيض، حيث كانت تتم معاملة الأمريكيين من أصل أفريقي على أنهم ملكية، وليسوا مواطنين، ويتم حرمانهم من الثروة والموارد، وقد مورست هذه العنصرية العلنية والمتعمدة لفترة أطول من العنصرية اللاواعية أو الخفية. ولكن على الرغم من مرور 70 عاماً تقريباً على إعلان المحكمة العليا في أمريكا بأن الفصل العنصري في المدارس الحكومية غير دستوري، لا تزال الأسس العنصرية الموجودة قبل 400 عام تقسم الولايات المتحدة، ما يؤكد أن خطب النخبة السياسية الحالية عن الحرية والمساواة ما هي إلا حبر على ورق. وبحسب الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية تنخرط وكالات إنفاذ القانون الأمريكية في التنميط العنصري، إذ إنها تراقب بشكل مستمر وتوقف وتحتجز وتفحص وتستجوب وتعتقل عدداً كبيراً نسبياً من الأمريكيين من أصل أفريقي مقارنة بمجموع سكان الولايات المتحدة. ووفقاً للإحصاءات، يمكن أن يواجه واحد من بين كل ألف أمريكي من أصل أفريقي الموت على أيدي الشرطة. في آذار الماضي، نقلت شبكة “فوكس نيوز” عن رئيسة اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري رونا مكدانيل، قولها: إن الديمقراطيين اعتبروا جائحة الفيروس التاجي فرصة “لزرع الانقسام”، وسلطت الضوء على مماطلة الكونغرس في تمرير مشروع قانون مكافحة فيروس كورونا، حيث “حصرها الديمقراطيون في مجلس النواب بأولويات سياسية غير ذات صلة مثل سياسات الهوية التي تثير الانقسام العنصري”. على سبيل المثال، يطلب مشروع القانون أن يتم اختيار موظفين لمحاربة الفيروس التاجي على أساس العرق وحالة الإعاقة، وسيتعين على الشركات التي تتلقى مساعدة  لمكافحة الفيروس التاجي من الدولة إبلاغ الموظفين عن لون البشرة. حين اتهمت الولايات المتحدة بكين رسمياً بتحمل المسؤولية عن العواقب الرهيبة لانتشار وباء “كوفيد-19” ووفاة أكثر من 100 ألف أمريكي، ارتفعت مبيعات الأسلحة بشكل كبير في الولايات المتحدة بسبب المخاوف العامة المتعلقة بالفيروس التاجي والمخاوف الأكثر تحديداً لبعض الأمريكيين من أن يتم استهدافهم بسبب كراهية الأجانب والهجمات العنصرية. وأفادت صحيفة “تريس” أنه في ولاية واشنطن وكاليفورنيا، مواقع تفشي الفيروس مبكراً، زادت مبيعات الأسلحة بشكل كبير من قبل الأمريكيين الآسيويين خوفاً من مواجهة الكره المتزايد ضد الأجانب وعنف عنصري ضد أسرهم، نظراً للادعاء بأن المصدر الأصلي للفيروس التاجي هو الصين.في الآونة الأخيرة، أصبح المناخ السياسي في الولايات المتحدة أكثر سمية، فالأعمال العنصرية والعدائية بين مجموعات مختلفة من الأمريكيين لم تختف بعد، والكثير من الأمريكيين باتوا مستعدين لاستخدام الأسلحة ضد شخص له لون بشرة مختلف أو يحمل معتقدات تختلف عن معتقداتهم، خاصةً أن هناك الكثير من العداء المتبادل في الولايات المتحدة اليوم لدرجة أنه لا يمكن اعتبارها بلد أمن من التطرف وأعمال التمييز العنصري. ويبدو أن الولايات المتحدة لجأت مرة أخرى إلى السياسات العنصرية كمحاولة لحل مشكلاتها الداخلية، للعثور و إيجاد كبش فداء يُلام على إخفاقاتها العديدة، مثل الدب الروسي أو التنين الصيني، الذين تصورهم على أنهم ينتظرون فرصة لتقويض ديمقراطيتها وإضعاف ثقة الأمريكيين بمؤسسات المجتمع المدني الأمريكي. تكمن وراء الواجهة اللامعة التي صورتها دعاية واشنطن حول انتصاراتها على العنصرية وانتصار التسامح صورة قبيحة للواقع الأمريكي، إذ أظهر استطلاع للرأي نشره معهد “غالوب” في 27 كانون الثاني الماضي تناول فيه حالة العلاقات العرقية في الولايات المتحدة، وأن 36٪ فقط من الأمريكيين يشعرون بالرضا عن حالة العلاقات العرقية في الولايات المتحدة، في حين أن 58٪ من المستجيبين غير راضين. كما أظهر مسح “راسموسن” لتقارير هاتفية وطنية حول موضوع مماثل أجري في 24 كانون الثاني أيضاً أن 34 ٪ فقط من الأمريكيين يقيمون حالة العلاقات العرقية في بلادهم على أنها مقبولة. وبالنظر إلى التأثير المتفاوت لوباء الفيروس التاجي على مختلف الأعراق والأحداث التي أثارها قتل الشرطة لأمريكي من أصل أفريقي مؤخراً، فإن الحالة الراهنة للعلاقات العرقية في الولايات المتحدة سوف تعطى بلا شك تصنيفاً أكثر سلبية بكثير لو تم إجراء هذه الاستطلاعات اليوم!. تسير الأمور بشكل أسرع مما كان متوقعاً في الولايات المتحدة مع الأحداث التي  بدأت تفاصيلها تتكشف حالياً. فقد اجتاحت الاحتجاجات وأعمال الشغب فعلياً نصف الولايات الأمريكية، وانتشرت إلى دول أخرى. لذا ينبغي أن لا ننسى أن الثورات لا تحدث فقط عندما يمل الناس من العيش في ظروف بائسة، بل إنها تندلع  أيضاً عندما تحدث انتكاسة مفاجئة لحياة الناس أو عندما يكون لديهم قناعة قوية بأنهم يستحقون أن يعيشوا حياة أفضل. عندما يقترن كل هذا بانهيار الاقتصاد الوطني، وارتفاع كارثي للبطالة، وتزايد العداء العنصري، والانقسام الحزبي بين الجمهوريين والديمقراطيين، فإن مسار الأحداث في الولايات المتحدة سيؤدي إلى نتيجة واضحة.