دراساتصحيفة البعث

النظام العالمي هو المُصاب بالكورونا….

 إبراهيم أحمد

لقد جاءت موجة انتشار هذا المرض والعالم على شفا جرف متصدع سياسياً واقتصادياً، حيث تمكن فيروس لا يرى بالعين المجردة من الاستحواذ على اهتمام العالم متجاوزاً أهمية التطورات الاقتصادية المرتبطة بتباطؤ عالمي محتمل، وتدن مفاجئ لأسعار النفط حتى أصبح هذا الفيروس صانع الأحداث اقتصادياً وسياسياً. وفي وسط هذه التطورات يقف الإنسان الضحية الدائمة لصراعات المال والسلطة، فبينما ينتشر المرض يتضح التباين في أعداد الضحايا ونسبة الفتك بين الدول الفقيرة والغنية، والحكومات المستقرة والمضطربة، وتلك التي تتعامل بشفافية وحرص على مواطنيها وأخرى تحجب المعلومات وتضحي بالمواطن لحماية نظامها.

تعلمنا من أزمة كورونا أنه ليس هناك نظام سياسي يستطيع الاستقلال بنفسه عن المنظومة العالمية، وأننا نحن البشر نواجه مصيراً مشتركاً، لأن فيروس COVID-19 لم يكتف بالانتشار فقط بين صفوف البشر، ولكن عدواه انتقلت إلى البُنى التحتية، والمؤسسات، والنظم الاقتصادية العالمية. وهذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها النظام العالمي لأزمة بسبب انتشار وباء، فالحمى الإسبانية التي انتشرت عام 1918، وفيروس H1N1، كانت له تبعات مشابهة، إلا أننا نعيش في عالم مختلف اليوم، فبالإضافة إلى عامل شراسة عدوى المرض بالمقارنة مع أقرانه، فإن العولمة وسهولة التنقل، والعادات الاجتماعية، كلها ساهمت في انتشار الوباء. وهنا دعونا نستعرض بإيجاز مظاهر العدوى على النظام العالمي.

قطاع النقل الجوي يتعرض حالياً لأزمة مالية حادة، خاصة بعد توقف النقل الجوي في الكثير من الدول. أما صحياً فقد تكشّف قصور الأنظمة الصحية خاصةً في مجال الاستعداد للطوارئ، فعدد أجهزة التنفس الصناعي، وعدد الأسِرة، ومعالجي التنفس، وأطباء العناية الحرجة، لا يوازي عدد الحالات التي قد تحتاج إلى عناية حرجة. أضف إلى ذلك تأجيل كل الحالات غير المستعجلة، وانتقال الكثير من العيادات إلى نظام التواصل عن بُعد، ولا يوجد علاج مؤكد للفيروس. أما النظام الاقتصادي في معظم دول العالم في حالة شبه شلل عام، ففرض الحظر ومنع التجوال، وخلق المسافات الاجتماعية بين الأفراد، وتأخير كل ذلك، كان له أثره على القطاع العام والخاص، لذلك نرى الكثير من الحكومات ضخت أموالاً طائلة في اقتصاداتها المحلية لتجنب سيناريو الأزمة المالية في عام 2008. وفيما يخص التعليم فقد تحول إلى التعليم عن بُعد، وكذلك المدارس والجامعات والمعاهد العلمية، الصفوف كلها تحولت إلى الفضاء الافتراضي، وأصبح معظم تعاملنا مع هذه الشاشة الصغيرة.

يبقى السؤالان المهمان في خضم كل هذا، ماذا سيحدث بعد هذه الأزمة؟ وما الذي تعلمناه في ظل الظروف التي يمر بها العالم الآن؟ لا بد من تضافر الجهود والتعاون من أجل فرض استقرار عالمي لجميع الأنظمة، ومحاولة إيجاد بدائل للوسائل التي عُطلت.

ثلاثية الإنسان والمال والسلطة

 جاءت موجة انتشار هذا المرض والعالم على شفا جرف هار سياسياً واقتصادياً، كان الحديث يدور حول تباطؤ اقتصادي عالمي، ولم تكد تخلو زاوية من زوايا العالم من أزمة سياسية أو إرهاصات أزمة، وكان الفيروس هو القشة متناهية الصغر التي قصمت ظهر البعير الدولي، فبات أهل الاقتصاد يحذرون اليوم من تداعيات خطيرة على الأسواق العالمية مع انهيار البورصات وتراجع أسعار النفط والخسائر المباشرة وغير المباشرة على قطاعات الطيران والسياحة والتكنولوجيا والتصنيع. أما على المستوى السياسي فقد كانت الأزمات السياسية حاضرة في التعامل مع انتشار المرض، فالعدد الكبير للدول الهشة والفاشلة حول العالم انتشر فيها الفيروس بسرعة، وعجزت الحكومات الضعيفة وغير المستقرة عن التعامل معه، حتى في واشنطن التي كانت دوماً عاصمة التصدي لمثل هذه الأمراض وانتشارها عالمياً نجد البيت الأبيض ينشر المعلومات المغلوطة حول المرض لحماية فرص ترامب الانتخابية، ويتحدث المختصون عن تأثير سلبي لسياسات الإدارة في تمويل البحث العلمي والحكومة الفيدرالية على قدرة المؤسسات في التعامل مع الحدث، ويتسبب التعاطي غير الشفاف والمسيس مع الأزمة في عدد من الدول على زيادة انتشار المرض في دول أخرى، ما يعني أن آثار هذا المرض لن تكون قصيرة المدى.

إن سيناريوهات انتشار المرض والتعامل معه لا تبدو واضحة حتى اليوم مع تضارب المعلومات حول سرعة ووسائل الانتشار والمدى الزمني للوصول لعلاج، ومع التحديات الاقتصادية التي رافقت انتشار المرض هناك تساؤلات كبيرة حول تأثيراته طويلة المدى.

من الناحية الإيجابية هناك تراجع في الحالات حول العالم، كما أن الأرقام ما زالت مشجعة حول عدد المتعافين مقارنة بأعداد المصابين، وقد ينجح العالم في كبح جماح الفيروس خلال أشهر قليلة، ولكن آثاره السياسية والاقتصادية والمتشابكة مع ظروف وأزمات غير مرتبطة بالمرض ستبقى خلال هذا العام العسير على البشرية، ولعل أهم التأثيرات سيكون في قطاعات الطيران والسياحة، التي بدأت فيها حالات الإفلاس، وكذلك الدول الهشة اقتصادياً والتي بدأت تترنح في إطار التداعيات المباشرة وغير المباشرة.

العالم اليوم بأمس الحاجة إلى تعاون يتجاوز الخلافات السياسية والمصالح الاقتصادية والأجندات الشخصية لتجاوز هذه الأزمة بأبعادها المختلفة، ولعل رحم هذه الأزمة يلد لنا رؤية مختلفة للعالم تدرك هشاشة النظام العالمي، وحاجته إلى وضع الإنسان في مركز الاهتمام، ولكن التاريخ مع الأسف يؤكد أن صراع المال والسلطة لا يعرف الإنسان إلا كأداة صراع ومصدر إنتاج، ولكن التحدي هذه المرة له أبعاد كبرى تمس وتُعيد نظام حياتنا نحن البشر على هذه الأرض.