تحقيقاتسلايد الجريدةصحيفة البعث

قانون سيزر.. حراك شعبي في الداخل والمهجر لمواجهته!

مع بداية الإدارة الأمريكية لإكمال خطواتها البشعة في محاربة الشعب السوري، وبعد فشلهم في تحقيق الانتصار العسكري عليه من خلال مرتزقتهم، ومن لف لفيفهم، ورغبتهم في عدم تكليل نصرنا بالمباركة من خلال عرقلة مشروعات إعادة الإعمار التي تعني النصر الساحق، هاهم يلجؤون لاستخدام سلاح الفقر، والتجويع عبر توقيع، وتفعيل قانون قيصر لتحقيق انهيارات إنسانية، أو اجتماعية، واقتصادية يظنون أنها كفيلة بسلب إرادة الشعب الذي قال لهم لا منذ البداية، فتعالت مواقف وصيحات الرفض التي فاقت التصور وبدأت الفعاليات، والمسيرات المستنكرة في كل مكان.

عريضة للبيت الأبيض
بالطبع هنالك عدة طرق يسمح بها القانون المدني، والاجتماعي للولايات المتحدة الأمريكية للاعتراض على قوانين قد يكون تم إصدارها، أو الموافقة عليها من نواب الولايات في المجلس الفدرالي وفقاً لما أكده عزيز وهبي رئيس الجمعية السورية الأمريكية العمّارية الذي بادر مع أبناء الجالية السورية في أمريكا لتنظيم حملات استنكار واسعة ضد العقوبات على الشعب السوري، وتوقيع عريضة احتجاج على قانون قيصر لما فيه من ضرر لكافة أبناء هذا الشعب، وأوضح وهبي أن هذه طريقة مشروعة قانونياً رغم أنها ليست قوية التأثير، وهذا يعود إلى مجموعة من العراقيل الكبيرة مثل عدم توفّر قنوات المراقبة لهذا المشروع الخطير، ويتوجب متابعة هذه العريضة، ودعمها إما من لوبيات سياسية قوية، أو من مجموعة حقوقية معروفة فالتواصل مع البيت الأبيض له ترتيبات عدة لكنه ليس من الصعب، أو المستحيل الوصول إليه، وخاصة في عمليات قد تخص السياسة الخارجية، ولكن يبقى الحراك الشعبي هو الطريقة الأفضل للتأثير على السياسيين الأمريكيين.
وأكد وهبي أنه على تواصل مستمر مع عدد كبير من أبناء جاليتنا، والناشطين في عدد من الولايات مثل ولايات كاليفورنيا، أوريغون، ونيويورك، ولكن قد يكون لهم دور أقوى في حال تم توحيدهم تحت نشاط مؤسسة اجتماعية تضم الجميع تحت راية واحدة، وهدف وطني واحد، وهذا ما لم يتم القيام به والسبب برأي وهبي يعود إلى عدم التنظيم الواقعي، والمنطقي فجميع المحاولات كان يتم خلالها نسيان دور الجيل الثاني من أبناء المغتربين الذين يمرون بظروف خطيرة، وتخبط في واقعهم الذي لم يعتادوا عليه بعد، ما جعلهم عرضة لنسيان قضاياهم، أو الابتعاد عنها من خلال ما يشبه عملية هروب من معظم الأمور السياسية، ودعا وهبي الجميع لشد الأيادي على أبناء الجيل الثاني من المغتربين لأن صلابة موقعهم على الأرض يعطيهم المزيد من القوة للتأثير على صناع القرار الأمريكيين حول قانون قيصر.
ونفى وهبي توقعه المسبق بأن يتم تمرير، وتنفيذ هذا القانون الأرعن الذي تم إصداره في أيام رئاسة أوباما، بضغط من وزارة الخارجية الممثلة بهيلاري كلينتون، وخاصة مع الوعود الكثيرة والزائفة من ترامب بسحب الجنود الأمريكيين من سورية، والتعاطي مع الشأن السوري بأنه شأن داخلي لا علاقة للولايات المتحدة به، حيث ظهر لوهلة وكأنه ينسف كل ما بنته سياسة الشيطنة الخارجية لهيلاري كلينتون، لتصعق الجالية السورية بموافقة ترامب على هذا القرار، ما حتم النزول إلى الشارع، والتصدي لهذا القانون الذي يبتعد كل البعد عن الحقيقة الواقعية، ويمثل فقط العنصرية السياسية.

ورقة ضغط
ويعتقد وهبي أن عقوبات قيصر هي مجرد ورقة ضغط للحصول على أوراق استثمارية من سورية تعم بالفائدة على الدول الاستعمارية، وللأسف ستستمر هذه العقوبات لفترة ريثما يتم التوصل لتفاهمات، أو تسويات حول تلك الاستثمارات، ويرتبط ذلك أيضاً بمعاداتهم لإيران، واستثمار ذلك في عملية الانتخابات الرئاسية، إضافة لسيطرة اللوبي الصهيوني على سلاح الإعلام، وهو السلاح الأقوى في المجتمع الأمريكي، وعلى اعتبار أن الديموقراطيين هم من خططوا لما يسمى بالربيع العربي، وتحالفوا مع الإخوان المسلمين فإن نجاح ترامب مجدداً، وتقاربه مع المحور الروسي سيكون أقل خطراً من نجاح غيره باعتقاد وهبي، وسيكون بمثابة معجزة لإيقاف مشاريعهم الشيطانية فكما يقول المثل الشعبي (الكحل أفضل من العمى)، ورغم كل مارأيناه من قرارات ترامب حول القدس، والجولان السوري فهي ليست إلا حركة سياسية لإرضاء أعدائه الأقوياء ولم تؤخر، أو تقدم على الأرض، وتم رفضها دولياً في مجلس الأمن.
وأخيراً لفت وهبي إلى أنه وبصفته كأقدم رئيس لمؤسسة خيرية اجتماعية سورية أمريكية في الولايات المتحدة يدافع عن سورية من مبدأ، أو من نفس أمريكي بهدف تغيير سياسة الولايات المتحدة، أو على الأقل الضغط على المجتمع الأمريكي، وتغيير نظرته نحو قضايانا الوطنية، وهذا للأسف مالا يمكن فعله من منطلق النفس السوري.

مساع داخل وخارج أمريكا
للمرة الأولى يجمع الكونغرس الأميركي بمجلسيه على التوافق على قانون، ليتفقا بكل سلاسة على قانون قيصر، وتتسابق وسائل الإعلام الأميركية على التباهي بالإنجاز الذي حققته الحكومة الأميركية من خلال إقرارها لهذا القانون الجائر، وتركز أصوات المحللين، ويهلل المسؤولون الأميركيون لمعاقبة الدولة السورية، دون التطرق إلى المعاناة التي سيتكبدها الشعب من جراء هذا القانون وفقاً لما أكدته شذى عواد، صحفية سورية، مراسلة إذاعة سوريانا في أمريكا، هذه المعاناة تصب زيتاً على قلوب شعب أثقلتها سني الحرب، فالكل يعلم أن الحكومة الأميركية ليست واقعة في غرام الشعب السوري، ولم تشرح لنا كيف سيؤثر هذا القانون على المسؤولين دون أن يطال قوت الشعب، ناهيك عن أن نص القانون لم يتطرق بحرف واحد للإرهاب وداعميه على مدى سنوات الحرب، أو على من غذى تلك الحرب منذ بدايتها، وأوقدها، ولم يفرض عقوبات على أكلة الأكباد، ومغتصبي النساء، وميتمي الأطفال، ومثكلي الأمهات من قطعان الجماعات اللاإسلامية المتطرفة، ليصبح الشعب السوري اليوم (بالع الموس ع الحدين) بين إرهاب في الداخل، وقيصر الخارج، وتبدأ المعاناة من علبة حليب للأطفال إلى دواء ينقذ القلوب.
وأكدت عواد أنها منذ اقتراب دخول قانون قيصر حيز التنفيذ عملت مع أبناء الجالية السورية في أمريكا، والمغترب على رفع عريضة ستقدم إلى مجلس الأمن بغية رفع العقوبات الاقتصادية الجائرة المفروضة على سورية، وهذا النشاط قام به أبناء الجالية السورية دفاعاً عن أهلهم في الوطن الأم، ليقولوا بصوت واحد: إنهم مع أبناء وطنهم على قلب واحد، وهذا النشاط تم نشره على مواقع التواصل الاجتماعي عبر جمع 100ألف شخص، وهو موجه للمقيمين في أمريكا، وخارج أمريكا من حاملي الجنسية الأمريكية بهدف التأكيد أن العقوبات المفروضة على الشعب السوري جائرة، وهذه العريضة رفعت بالتوازي مع نشاطات أخرى كالوقفات الاحتجاجية لأبناء الجالية السورية في بعض الولايات، وتقديم رسالة إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب تدعو إلى حذف قانون قيصر، وتابعت عواد أن هذه المبادرات والنشاطات الشعبية هي محاولة متواضعة للوقوف مع الشعب السوري في الوطن، ورغم ذلك فإنها لا ترقى إلى مستوى تضحياتهم، وصبرهم على سنين الحرب، ولكنها رسالة حب، وتضامن مفادها أن أبناء الجالية السورية بالجسد خارج الوطن، ولكن قلوبهم ما زالت في سورية، وستبقى مهما طال الغياب.

قيمهم زائفة
إن الشعب السوري ليس حديث العهد بالسياسة الأمريكية العدائية، وسعيها المتواصل لتقويض الدولة السورية، واستهداف مقومات صمودها خدمة لمصالح “إسرائيل” التي لطالما شكلت سورية بمواقفها الوطنية، والقومية حجر عثرة في وجه مطامعها، وخططه التوسعية، وفقاً لما أكدته الدكتورة فاتن السهوي، نائب عميد كلية العلوم السياسية للشؤون الإدارية، جامعة دمشق، ومنذ سبعينيات القرن الماضي، مروراً بقانون محاسبة سورية، وصولاً إلى ما يسمى بقانون قيصر، شكلت سياسة الحصار، والعقوبات الاقتصادية أحد أبرز الأدوات الأمريكية لاستهداف سورية، وثنيها عن مواقفها، وتحالفاتها مع قوى المقاومة في المنطقة، وتزامناً مع الانتصارات التي حققها الجيش العربي السوري على امتداد الجغرافية السورية في وجه الإرهاب المدعوم أمريكياً جاء قانون قيصر ليستكمل فصلاً جديداً من فصول إرهابه ضد الشعب السوري، باستهداف لقمة عيشه، ومقومات حياته الأساسية، تحت شعارات زائفة، وذرائع واهية كادعاء حماية الشعب السوري، وحقوق الإنسان، وهذا ما يدركه الشعب السوري الواعي لحجم المؤامرة، وأبعادها، فالمواطن السوري الذي تتشدق الإدارة الأمريكية بحماية حقوقه من خلال هذا القانون الذي يشبه من يخنق أحدهم بحجة إعطائه الحياة، فلقد زاد هذا القانون من معاناة السوريين في تأمين أبسط متطلبات حياتهم اليومية بعد حرب كونية استنزفت معظم مواردهم، بل واستكملتها سياسة حرق المحاصيل الزراعية لاستهداف الأمن الغذائي للسوريين، وزيادة الضغط على الحكومة السورية.
وتابعت السهوي: إن السوريين على امتداد الوطن باتوا على يقين تام أن شعارات الحرية، وحقوق الإنسان التي تتشدق بها الإدارة الأمريكية ما هي إلا محض زيف، ونفاق، فمن يخاف على الشعب السوري لا يسرق نفطه، ولايحرق محاصيله، ولا يجند الإرهابيين لقتله، وأن الأمريكيين ينظرون إلى شعوب المنطقة من باب مصالحهم المتمثلة بحماية أمن إسرائيل، واستهداف كل من يهدد هذا الأمن، وسورية التي نثرت أرضها بأقدس البذور وأطهرها وروت دماء آلاف الشهداء ترابها، هي اليوم أكثر بقاع العالم خصوبة، وعطاء، وكانت على مر التاريخ أرض الخير لن تخذل أهلها، ولن تحرمهم رغيف خبزها المجبول بنكهة الكرامة الذي لن يستبدله السوريون بآخر تفوح منه رائحة الذل والخنوع.

بشار محي الدين المحمد