دراساتصحيفة البعث

“قيصر” مسمار آخر في نعش ديمقراطيتها….

سمر سامي السمارة

 

لعل تنفيذ ما تسميه واشنطن تشريع حماية المدنيين في سورية “قانون قيصر”، ما هو إلا مسمار آخر تدقه الولايات المتحدة في نعش ديمقراطيتها المزعومة، لأنه بلا شك انتهاك صارخ للقانون الدولي، ويهدف لتجويع ما يزيد عن 17 مليون سوري، وحملهم على الخضوع للأجندة الأمريكية.

وبالتفاصيل يهدد هذا الإجراء بفرض عقوبات على الدول والكيانات والأفراد الذين يحافظون على علاقات اقتصادية ومالية وعسكرية مع دمشق، أي يهدد حقهم المشروع بموجب القانون الدولي، و”قيصر” لا يستهدف سورية فحسب، بل يستهدف بشكل مباشر أو غير مباشر جميع حلفائها، كما أنه من الناحية العملية يضاعف الحصار الاقتصادي، والإرهاب اللذين تفرضهما الولايات المتحدة على سورية التي تسعى من ورائهما لتقويض ثلاثة قطاعات اقتصادية هي: التجارة الخارجية، الاستثمار المحلي والمشترك الذي يدعم الدولة السورية، وقطاع المال- القروض والتحويلات المالية، وهنا لابد من الإشارة إلى أن هذا الإجراء يستبعد المناطق الخاضعة لسيطرة المسلحين الذين تدعمهم الولايات المتحدة.

إن الإرهاب وحرب العقوبات غير القانونية اللذين تمارسهما الولايات المتحدة على سورية لا يختلفان عن الإجراءات التي تتخذها ضد إيران وكوريا الديمقراطية وفنزويلا ودول أخرى، وهي جميعها تهدف بشكل رئيسي إلى إلحاق ضرر هائل بشعوب هذه الدول، وتعتقد الولايات المتحدة باستخدامها استراتيجية الضغط أنها قادرة على تأليب سكان هذه الدول ضد حكوماتها، وفرض عزلة على الحكومات في الساحة الدولية وإضعافها، لكن إجراءاتها ستنقلب عليها لأن الشعوب المستهدفة بعقوباتها تدرك أنها هي المستهدفة، لذلك تزداد التحاماً مع قياداتها.. إن كافة العقوبات الأمريكية المفروضة على سورية، وإيران، وروسيا، والصين، وكوريا الديمقراطية، وفنزويلا، وكوبا، ودول أخرى من قبل الكونغرس أو من البيت الأبيض هي جزء لا يتجزأ من آفة الامبريالية، وسورية لن تكون دولة تابعة للولايات المتحدة كما يحلم المحافظون الجدد، وخلال الحرب الإرهابية على سورية فرضت الولايات المتحدة جولات متعددة من العقوبات غير الشرعية على البلاد وشعبها، بدورها أدانت سورية عبر الأمم المتحدة العقوبات الأمريكية غير الشرعية على مدى الحرب على سورية، والتي بحسب قوانين المنظمة الدولية تشكّل إرهاباً موصوفاً على دولة ذات سيادة، ومؤخراً ورداً على قانون قيصر أكد وزيرا خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية والاتحاد الروسي في 16‏ من هذا الشهر‏ عبر بيان مشترك حول تعزيز القانون الدولي في المنطقة والعالم، تأكيدهما على الالتزام الكامل بمبادئ القانون الدولي التي وردت في “ميثاق الأمم المتحدة”، و”إعلان عام 1970 حول مبادئ القانون الدولي المتعلق بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفق ميثاق الأمم المتحدة” التي هي أساس العلاقات الدولية العادلة والمتساوية، وتشترك الجمهورية الإسلامية الإيرانية والاتحاد الروسي في أن مبدأ تكافؤ السيادة هو أمر حيوي من أجل الاستقرار في العلاقات الدولية، والذي بموجبه يحق للحكومات المشاركة في إيجاد وتنفيذ القوانين الدولية بصورة متساوية، ويؤكدان على مبدأ ضرورة امتناع الحكومات عن التهديد أو اللجوء إلى القوة ضد وحدة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أخرى خلافاً لميثاق الأمم المتحدة، كما يدعمان مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية أو الخارجية للدول بهدف التغيير المزيف للحكومات الشرعية، والأهم التأكيد على الحق السيادي وغير المنقوص للدول في تحديد نظامها السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي، وممارسة السيادة الدائمة على مواردها الطبيعية وفق إرادة شعوبها ودون تدخل خارجي أو إطاحة أو إكراه أو تهديد بأي شكل.. إن فرض الإجراءات القسرية الأحادية التي عُرفت أيضاً باسم “العقوبات الأحادية”، مثال على هكذا سياسة، حيث تستهدف الإجراءات القسرية الأحادية، وخاصة التي تكون على شكل إجراء قسري اقتصادي، الفئات التي تكون أكثر عرضة للضرر اقتصادياً واجتماعياً، وعليه، يجب على جميع البلدان أن تمتنع عن إعلان أو فرض أي إجراء قسري أحادي لأن هذا الإجراء يعيق التحقيق الكامل للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي ستكون لها آثار سلبية على التمتع بجميع حقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في التنمية والتجارة والاستثمار.

إن الالتزامات الدولية المتعلقة بحصانة الدول وممتلكاتها وسلطاتها يجب أن تحترم دائماً من قبل الدول، لأن انتهاك هذه الالتزامات يتعارض مع مبدأ المساواة في سيادة الدول، ويمكن أن يؤدي إلى زيادة التوترات، ولذلك فإن مواجهة التوجهات الأحادية غير القانونية لحل الأزمات العالمية لابد أن تكون عبر تعزيز التوجهات الجماعية متعددة الأطراف المنصفة القائمة على المبادئ والقواعد العامة المعروفة للقانون الدولي لحل القضايا الإقليمية العاجلة والضرورية.

أخيراً لابد للقاصي والداني من الاعتراف بأن الولايات المتحدة دولة خارجة على القانون، وتعمل خارج نطاق القضاء حسب قوانينها الخاصة، وتشكّل حروبها التي لا تنتهي على الإنسانية في الداخل والخارج أكبر تهديد للجميع في كل مكان.