ثقافةصحيفة البعث

كارلوس زافون يرحل من سجن الحياة إلى مهربه الأخير…

لم أكن أدري يوماً من الأيام أن يتمكن الإنسان من زيارة مدينة محببة لديه من خلال صفحات الكتب، كما فعل كارلوس زافون وأمتع الجميع في التجول بين أزقة برشلونة، والتعرف على أشخاصها وقصورها وكنائسها، فبعد أن كانت الاسم المتوارد على لسان الجميع من خلال مباراة كرة قدم لأحد أشهر الفرق الرياضية، إلا أن كارلوس زافون استطاع قبل رحيله أن يسحب كل من قرأ روايته إلى تلك المدينة الرائعة بكلماته وجمله ومقبرة كتبه المنسية.

في روايته الأولى “ظل الريح” من سلسلة المقبرة المنسية، استطاع الكاتب زافون بأسلوبه الجميل والمنمق والساحر أن يلزم القارئ إكمال السلسلة كاملة، والتهام صفحاتها، والعيش مع شخصياتها بشفافية عالية، لكن القدر لعب لعبته، ورحل كارلوس زافون صديق الرحلات الجميلة، غادر الحياة قبل أن يكمل لنا رحلة التعرف على بقية أسرار برشلونة كاملة، اختفى إلى الأبد مثل بطل روايته الكاتب خوليان كاراكاس.

غادر زافون بعد أن أكد أن العالم بأسره سجن ولا منافذ للهرب منها، غادر بعد أن قال لنا مقولة: “لا تثق بأحد، خصوصاً بأولئك الذين يعجبونك، سيكونون أول من يطعنك غدراً”، غادر بعد أن علمنا المعنى الحقيقي لكلمة “السر”، حيث قال: “يُقاس حجم السر بقيمة الشخص الذي نخفيه عنه”، غادر بعد أن كتب: “لن يفنى العالم بسبب قنبلة نووية كما تقول الصحف، بل بسبب الابتذال والإفراط في التفاهة”، وكان يقول: “في هذه الحياة يُغفر كل شيء، عدا النطق بالحقيقة”، وفي النهاية جعلنا ننطق ونعترف برحيله.

تنفّس المترجم السوري معاوية عبد المجيد الصعداء بعد نقل روايات زافون إلى العربية، تنقل بين المدن الأوروبية، وواظب على العمل دون انقطاع، وبعد مغادرة زافون الحياة نعاه معاوية عبر حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”: “زافون الذي رسم برشلونة طولاً وعرضاً، وقدس الكتب وباعة الكتب وقدم لنا أعمالاً روائية لا تنسى، غصة كبيرة ولوعة ملايين القراء عبر العالم لم تكن متوقعة، لكنها تناسب عوالمك الأسطورية أستاذي ومعلمي وملهمي.. كارلوس زافون.. وداعاً”.

 

سيرة ذاتية

ولد كارلوس زافون في برشلونة عام 1964، ونشأ في شقة بالقرب من كنيسة ساغرادا فاميليا، وأثر تصميمها غير التقليدي المبتكر للغاية في روايته، وأصبحت الكنيسة جزءاً منها.

بدأ حياته الأدبية بالكتابة للناشئة، ونشرت روايته الأولى “أمير الضباب” عام 1993 التي فتحت له أبواب الشهرة بعد أن حصلت على جائزة Edebé الأدبية لرواية الناشئين والأطفال، وألّف ثلاث روايات في هذا المجال: “قصر منتصف الليل” عام 1994، و”أضواء من سبتمبر” عام 1995، و”مارينا” عام 1999، وأصدر عام 2001 روايته الأولى للبالغين بعنوان “ظل الريح”، وتم بيع ملايين النسخ من جميع أنحاء العالم، وأكثر من مليون نسخة في بريطانيا وحدها، ونشرت أعماله في 45 دولة، وترجمت إلى أكثر من 40 لغة مختلفة، ومن مؤلفاته أيضاً: “لعبة الملاك”، و”سجين السماء”، و”متاهة الأرواح” التي تشكّل جميعها سلسلة مقبرة الكتب المنسية.

درس زافون تكنولوجيا المعلومات، وكان شغوفاً بالسينما، وحظيت سيناريوهات الأفلام التي كتبها بتقدير كبير، على الرغم من أنه صنع اسمه ككاتب روائي، وفي الـ 19 من حزيران توفي الروائي الاسباني الشهير كارلوس زافون عن عمر يناهز 55 عاماً بعد صراع طويل مع مرض السرطان، وكان قد تم تشخيص مرض الروائي الاسباني بسرطان القولون  عام 2018، ليخوض معركة مريرة ضده انتهت بوفاته.

 

جوائز

توّج الروائي الاسباني الشهير بالكثير من الألقاب والجوائز، أبرزها: جائزة خوسيه مانويل لارا عن الكتاب الأكثر مبيعاً في اسبانيا، وجائزة La Vanguardia القراء، وفي الولايات المتحدة الأمريكية فاز بجائزة الأصوات الأصلية الحدودية، وجائزةGumshoe، وكذلك جائزة مكتبة نيويورك العامة، وفاز أيضاً بجائزة باري، وجائزة جوزيف بيث، وأخيراً جائزة ديفيس كيد للخيال، وحصد في فرنسا جائزة ليفر دي بوشي 2006، وجائزة أفضل كتاب أجنبي، ونال جائزة “دو سكريب”، ومنحته هولندا جائزة القراء، وفي النرويج نال وسام بيورنسون الأدبي للاستحقاق، وحصل في كندا على جائزة كندا “كيبيك” لبيع الكتب، ونال في بلجيكا جائزة Humus لأفضل كتاب في العام، بما صوّت عليه القراء عام 2006، وفاز في المملكة المتحدة بجائزة أوتاكار، وكذلك جائزة نيلسن للكتاب الذهبي.

 

جمان بركات