دراساتصحيفة البعث

في ذكرى تحرير القنيطرة: لن يرفرف في سمائنا إلا علم الجمهورية العربية السورية

إبراهيم أحمد

في السادس والعشرين من شهر حزيران عام أربعة وسبعين وتسعمئة وألف، قال القائد المؤسس حافظ الأسد بعد أن رفع علم الجمهورية العربية السورية في سماء مدينة القنيطرة المحررة: “إن الكلمات جميعها عاجزة عن وصف هذه المناسبة، أستطيع أن أقول باختصار إن إرادة الشعب لا يمكن أن تقهر وأن الوطن فوق كل شيء….. وأنا متفائل بالنصر ومتفائل بالمستقبل وواثق أن أي قوة على هذه الأرض لن تستطيع أن تمنعنا من استرجاع حقوقنا كاملة….” نعم يا صانع المجد والفخار في تشرين التحرير، لا توجد قوة في العالم تمنعنا من استرجاع كامل حقوقنا، وسنبقى على عهدك بنا نملك الإرادة والاستعداد للتضحية والعطاء في سبيل كرامة وعزة وطننا بقيادة السيد الرئيس بشار الأسد.

من بين ركام الأبنية المهدّمة يُورق غصن من دالية كانت مقيلاً للأطفال يقول للمجرمين الصهاينة: إن الحياة أقوى من الموت، ويُعلن أن عرائش القنيطرة التي يحميها الأسد الهصور ستورق ثانية وسيلعب في ظلها صغار أبناء عروس الجولان الشامخة شموخ جبل الشيخ الأشم، فالظلام زائل ولن يجني الطغاة إلا الخزي والعار.

ذكرى تحرير القنيطرة تمر هذا العام وبواسل جيشنا يسطرون الفصل الأخير في انتصاراتهم على امتداد ساحات الوطن ضد المجموعات الإرهابية الذين استباحوا كل محرمات الوطن قتلاً وتدميراً وسرقةً وتخريباً في وحشية فاقت وحشية النازيين من تقطيع الجثث وجّز الرقاب بالسواطير وأكل أكباد الضحايا وذبح الأطفال أمام ذويهم – وحشية فاقت وحشية الصهاينة القتلة الآثمين الذين تسللوا تحت ستر الليل وظلامه الدامس إلى مثوى النبي الكريم ومهد السيد المسيح عليهما السلام وعاثوا فساداً وقتلاً وتخريباً واقترف الصهاينة أبشع المجازر بحق أبناء الشعب العربي في فلسطين المحتلة. والمشهد ذاته تكرر بحق السوريين، العدو ذاته لكن بأدوات أخرى وبأسلوب وتفاصيل أكثر قسوة ووحشية من أي تفاصيل أخرى في ذاكرة السوريين.

لقد جاء تحرير القنيطرة عام 1974 بعد سبع سنوات عجاف من الاحتلال البغيض قضتها المدينة أسيرة تحيط بها أسلاك الحقد الصهيوني، ومع خفقات العلم السوري فوق عروس الجولان المحررة غمر الكبرياء والوطنية قلوب أبناء سورية التي هتفت لبطل التحرير وقائد التشرينين فقد غدا يوم السادس والعشرين من حزيران عرساً للمجد والبطولة، عرساً للوطن والعروبة في انتصار الحق والعدل لعودة مدينة القنيطرة بقيادة القائد المؤسس حافظ الأسد.

إن السادس والعشرين من حزيران عام 1974 هو يوم من أيام العرب الخالدات، يوم أطل فيه القائد المؤسس حافظ الأسد على جموع الآلاف من أبناء الشعب السوري، وقد احتضن بقلبه وبيديه علم الوطن ليرفعه في سماء مدينة القنيطرة، فيخفق كما تخفق قلوب الملايين من أبناء سورية بحب الوطن وبحب شهداء الوطن الذين جادوا بدمائهم ليعيش الوطن حراً كريماً أبّياً، فلا راية ستخفق في سماء سورية إلا راية الجمهورية العربية السورية. واليوم ها هم جنودنا البواسل جنباً مع كل المخلصين الشرفاء من أبناء شعبنا العظيم يسطّرون الفصل الأخير في التصدي للأيادي الآثمة التي امتدت لتعبث بوجه سوريتنا الجميلة، ولتقول (لا) لعصابات القتل والإجرام والتكفير، وكما رفّرفت الراية الأغلى ذات يوم عظيم في سماء القنيطرة سترفرف فوق كل شبر من أراضي سورية الحبيبة، وفي مقدمتها جولاننا الغالي و لواؤنا السليب بقيادة السيد الرئيس بشار الأسد.

السادس والعشرون من حزيران عام 1974 يوم أغر نعتز به كواحد من أيامنا المجيدة الغابرة، فقد كان التحرير إنجازاً تاريخياً من إنجازات حرب تشرين التحريرية ملحمة العرب في العصر الحديث، هذه الملحمة القومية كانت إحدى ثمار التصحيح المبارك، وفي ذكرى هذا اليوم الأغر لابد من أن نستذكر بكل الفخر والاعتزاز شهداءنا الأبرار الذين رووا بدمائهم أرض الجولان، إنها أيام مشهودة في سجل النضال العربي قادها القائد المؤسس حافظ الأسد ليصنع بذلك أول نصر في التاريخ العربي الحديث، وليثبت للعالم أن أمة أنجبت عظماء وأعطت للبشرية أول أبجدية هي أمة جديرة بالحياة قادرة عن حماية أرضها وصون كرامتها.

ومع تحرير القنيطرة بدأت رحلة الكفاح من جديد بإعمار هذه المدينة المحررة انطلاقاً من قول القائد المؤسس حافظ الأسد: “إن كل خطوة في طريق البناء.. خطوة في طريق التحرير” وأضحى شعار “التعمير طريق التحرير” عنوان العمل في محافظة القنيطرة خلال السنوات التي سبقت العدوان الحالي والتي تحّولت إلى ورشة عمل في جميع مرافق الحياة عمرانياً وخدمياً واقتصادياً وتربوياً، فتمّ بناء عدد من القرى النموذجية ودار الحكومة، وتمّ تأمين مياه الشرب النقية لأبناء المحافظة وإقامة السدود التخزينية واستصلاح الأراضي وتطوير شبكة الكهرباء، إضافة للرعاية المتميزة في المجال الصحي والتعليمي والخدمي الذي غطّى مختلف مرافق الحياة، وكذلك العمل على إعادة تأهيل القرى التي دمرتها “إسرائيل”. وإن جميع من زار القنيطرة المحررة ومن شتى بقاع العالم أدرك مباشرة هول المشهد التدميري وبشاعة الاحتلال الغاشم ووحشية العدو الإسرائيلي وعبّر عن إدانته واستنكاره الشديد لهذا العمل الإجرامي الإسرائيلي الشائن الذي أقدم عليه، وقد كتب روبرت براون – رئيس برلمان استرالي سابق: “القنيطرة رمز لمعاناة شعب تاق طويلاً إلى السلام الذي يضمن الحقوق الشاملة والعادلة لجميع الشعوب”. كما كتب جلبرتو بونالومي، وهو برلماني ايطالي: “ما شاهدناه في مدينة القنيطرة من دمار وبربرية يعبر عن المكنون السادي للهمجية الصهيونية، ولاسيما عندما لايؤمن بالحق والحرية التي وهبها الله للعالم”.

كل احتلال زائل مهما طال الزمن، هذا منطق التاريخ، ومن لا يؤمن به هو خارج التاريخ. هذه الذكرى تمّر وبواسل جيشنا أكثر عزيمة وصلابة وإصراراً على الاستمرار في حمل راية المقاومة مهما تآمر عرب الردة ومهما تمادوا في الضلال بالتواطؤ مع أسيادهم. إن ذكرى تحرير القنيطرة جسر عبور لمواجهة حاضر فيه الكثير من الغدر والحقد والخيانات، إضافة لما فيه من إرهاب ووحشية فاقت وحشية أولئك القتلة الصهاينة الذين دمّروا القنيطرة.