دراساتصحيفة البعث

الغرفة التي شهدت الأحداث

هناء شروف

أثار كتاب جون بولتون مستشار الأمن القومي السابق للرئيس الأمريكي دونالد ترامب “الغرفة التي شهدت الأحداث” جدلاً واسعاً في الولايات المتحدة الأمريكية والعالم، وهذه ليست المرة الأولى التي يخرج بها كبار المسؤولين في البيت الأبيض بتأليف ونشر الكتب التي تروج لحياتهم وخدمتهم، فقد سبقه كثيرون أمثال جيمي كارتر، وبيل كلينتون، وهيلاري كلينتون، والكثير غيرهم.

حجز الملايين نسخهم من كتاب جون بولتون الذي جاء في 592 صفحة يرصد فيها العمل مع ترامب خلال 453 يوماً، يصف الكتاب رئيساً جاهلاً بالحقائق الجغرافية والتاريخية والسياسية ويورد الكثير من المواقف التي تدل  أن الرئيس الأمريكي غبي ولا يعي ماذا يفعل.

أثار الكتاب سخط وغضب ترامب الذي طلب من القاضي الاتحادي رويس لامبرث منع نشره  كونه يمس الأمن القومي ووصفه بأنه عبارة عن مجموعة أكاذيب وقصص ملفقة. لكن الكتاب خرج إلى العلن بعد رفض القاضي طلب ترامب ووزعت عشرات الآلاف من النسخ التي تتضمّن الكثير من الصفات والأفعال غير اللائقة برئيس دولة عظمى.

يكشف بولتون في كتابه عن أحداث ومواقف وقرارات تدينه وتدين رئيسه وإدارته، فقد كشف عن  رأي ترامب السلبي بالصحافيين وبأنه كان يصفهم بكلمات نابية كوصفه لهم بالحثالة وأنه يجب إعدام بعضهم. ويؤكد بأنه هو من حض ترامب على شن هجمات على سورية وهو من حثه على المضي قدماً في الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران وهو من شجعه على تأييد انتقال السفارة الأمريكية في فلسطين المحتلة إلى القدس والاعتراف بها كعاصمة للكيان الصهيوني.

ينقل بولتون في كتابه أيضاً كره ترامب واحتقاره للأكراد في سورية والعراق، حيث قال:” لا أحب الأكراد فهم هربوا أمام العراقيين وهربوا من الأتراك مع أننا نساندهم بالقصف”. كذلك يؤكد بولتون في كتابه الادعاءات التي دفع بها الديمقراطيون حول سعي ترامب إلى وقف المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا من أجل إجبارها على التحقيق في خصمه السياسي (الديمقراطي) جو بايدن، وهو الأمر الذي دفع الديمقراطيين إلى الشروع في إجراءات عزله. وينتقد بولتون في كتابه الديمقراطيين، ويقول: إنهم “أساؤوا إلى عملية العزل” بتركيزهم على أوكرانيا دون غيرها من الأمور. ويقول: إنه لو وسّع الديمقراطيون نظرتهم لاقتنع العديد من الأمريكيين بضرورة عزل ترامب لارتكابه “الجرائم والجنح الكبرى” التي تقتضي إزاحته.

وأشار بولتون في كتابه إلى لقاء جمع بين ترامب ورئيسة الحكومة البريطانية السابقة تيريزا ماي  أظهر فيه الرئيس جهله بأن بريطانيا عضوة في النادي النووي وأنها تمتلك قوة نووية، وهي التي اختبرت السلاح النووي عام 1952 بعد الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي. ومن ناحية أخرى يقول بولتون هناك الكثير من جوانب الضعف في معلومات ترامب فقد تساءل ذات مرة قبل لقائه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين فيما إذا كانت فنلندا شبه تابع لروسيا، ويضيف: إن ترامب في معظم المناسبات كان يتكلم أكثر من الخبراء في أمور لم تكن لها علاقة إطلاقاً بالمواضيع قيد النقاش، خصوصاً في الجلسات الاستخباراتية التي كان يحضرها.

كذلك أبرز بولتون في كتابه العديد من نماذج السخرية من قبل موظفي البيت الأبيض لـ ترامب، أهمها أن البيت الأبيض أصبح مختلاً تماماً تحت إدارته وأن الاجتماعات التي تجري فيه تشبه المعارك الصبيانية، ووصفه وزير خارجيته مايك بومبيو بأنه ينضح بالقذارة.

يظهر بولتون من خلال كتابه هذا أنه من الجمهوريين المتشددين، ويبدو منزعجاً وحاقداً لكون ترامب استبعده بعد أشهر قليلة من تسلمه لمنصبه كمستشار للأمن القومي، ويعتبر العديد من المحللين الأميركيين أن ما فعله بولتون هو بمثابة انقلاب على الحزب الجمهوري وليس فقط على شخص الرئيس. ويذهب البعض بتصنيفه بالمخادع والمتسلق وأنه انقلب على رئيسه وبلاده لتحقيق مكاسب آنية، لذا من الجيد أنه استبعد من منصبه كمستشار الأمن القومي. فهل سيؤثر ما كتبه جون بولتون على جماهيرية الرئيس ترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة في تشرين الثاني؟.