دراساتصحيفة البعث

سياسة الاستيطان الصهيوني في الجولان والقدس العربية

المستشار رشيد موعد

قاضي محكمة الجنايات سابقاً

 

تشكّل الهجرة، والسطو على الأرض، والاستيطان، التجسيد العملي للصهيونية، فقد أدت حركة الاستيطان الصهيوني في عهد الانتداب البريطاني على فلسطين بتاريخ 24/7/1922 إلى تدمير البنية الاقتصادية والاجتماعية للشعب العربي الفلسطيني عن طريق اقتلاع الفلاحين العرب من أراضيهم، وانتزاع ملكية أكثر الأراضي خصوبة وإنتاجاً من أجل إقامة المستعمرات الصهيونية عليها.

مهدت هذه السياسة لإقامة إسرائيل على جزء من فلسطين عام 1948، ما ساعد بدوره على استمرار حركة الاستيطان الصهيوني بحدودها القصوى بعد هذا التاريخ، كما كان من نتائج عدوان 1967 أن جرى احتلال ما تبقى من فلسطين، علاوة على احتلال أجزاء من أراضي ثلاث دول عربية هي مصر، سورية، والأردن احتلالاً حربياً غير مشروع، ورفضها الانسحاب من هذه الأراضي، ومحاولة زرعها بالمستعمرات بالقوة، منتهكة بذلك قواعد القانون الدولي، رغم إدانة المجتمع الدولي لهذه الممارسات، ومطالبته الكيان الصهيوني بالانسحاب من جميع الأراضي العربية المحتلة.

لقد تأثرت السياسة الاستيطانية لسلطات الاحتلال بعدة اعتبارات أيديولوجية وعملية مختلفة، وكان من نتيجة ذلك اختلاف السياسة الاستيطانية تجاه منطقة القدس عن المناطق الأخرى في الضفة الغربية وقطاع غزة وهضبة الجولان، وفيما يتعلق بهضبة الجولان فإن الاستيطان أخذ فيها منحى معيناً، نظراً لوضعها الديمغرافي والعسكري الخاص.

كان للمستعمرات التي زرعت في الجولان دور استراتيجي، إضافة إلى وظيفة الانتشار السكاني، والاستغلال الزراعي، والواقع العقائدي الأيديولوجي، وتشير المعطيات المتوفرة عن استيطان الجولان حتى عام 1984 إلى وجود 33 مستعمرة، منها مستعمرة مدنية واحدة هي (كاتسرين)، و 12 كيبوتساً، أي (ملكية مشاعة)، و16 موشافاً (ملكية تعاونية)، ومستعمرات الحدود ذات الطابع العسكري، إضافة إلى خمس مستعمرات قيد الإنشاء، وقد ارتفع عدد هذه المستوطنات إلى 55 مستوطنة  وفقاً لتقرير الأمين العام للأمم المتحدة المقدم من قبل اللجنة الخاصة المعنية بالتحقيق في الممارسات الإسرائيلية على الأراضي المحتلة، كما قُدر عدد المستوطنين بـ 15 ألف مستوطن، علماً أن الخطة الصهيونية تتضمن توطين عدد يتراوح بين 30-40 ألف مستوطن في هضبة الجولان.

وحينما احتجت حكومة الجمهورية العربية السورية على هذه المخالفة التي تتناقض مع نص المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، ادعت إسرائيل بأن هذه المستعمرات هي منظمات عسكرية (ناحال)، وليست مدنية، وهذه مغالطة واضحة، لأن القوات العسكرية لا يكون من مهامها الحراثة والزراعة وصيد الأسماك، وإنما القتال وحفظ الأمن فقط، هذا مع العلم أن المصادر الصهيونية نفسها اعترفت بالطابع المدني الاستشاري لهذه المستوطنات.

لم تكتف إسرائيل بإسكان مواطنيها من الصهاينة محل السكان العرب الذين أجبرتهم على الخروج من الأراضي العربية المحتلة خلافاً لأحكام المواد 49-117- 147 من اتفاقية جنيف الرابعة الصادرة في 12/8/1949، وإنما عمدت في كثير من الأحيان إلى جلب أناس عنصريين من الأجانب باسم متطوعين، وإسكانهم في المستوطنات التي أنشأتها.

وقد أبلغت سورية في رسالة وجهتها إلى الأمين العام للأمم المتحدة عام 1991 قالت فيها: إن استمرار إسرائيل في بناء المستوطنات في الأراضي العربية المحتلة يشكّل انتهاكاً جسيماً لأحكام اتفاقية جنيف الرابعة، لاسيما المادة 49 منها، ولقراري مجلس الأمن رقم 465 لعام 1980، و 497 لعام 1981 اللذين نصا على أن قرار الكيان الصهيوني بضم الجولان له لاغٍ وباطل، وليس له أي أثر قانوني، كما جاء في الرسالة أيضاً أن سورية ترى أنه من الواجب التقيد بقرارات الأمم المتحدة وتنفيذها، حيث أصبح تطبيق هذه القرارات السمة البارزة في العلاقات الدولية الراهنة.

أما لجهة الاستيطان الصهيوني في القدس العربية، فنرى معالمه قد ظهرت بعد أيام قليلة على احتلال هذه المدينة عام 1967، حيث بدأت سلطات الاحتلال باتخاذ إجراءات قانونية ومادية لتغيير وضعية مدينة القدس وطابعها العربي.

كانت الخطوة الأولى إقدام هذه السلطات على ضم القدس العربية إلى الكيان الصهيوني، وفرض القانون الإسرائيلي عليها، وتوسيع حدود بلدية (القطاع الإسرائيلي) من القدس، بحيث يشمل القدس العربية، وذلك كي يتسنى لها إنجاز أهدافها في تهويد المدينة المقدسة، والقضاء على طابعها العربي والديني.

لقد أرادت سلطات الاحتلال من تنفيذ هذه الخطط الاستيطانية في قلب القدس العربية تحقيق عدة أهداف:

– تغيير المعالم الحضارية والثقافية للقدس، وذلك بهدم أحياء كاملة، بما في ذلك مساجد وكنائس ومدارس ومعالم حضارية لتبنى عليها مرافق عامة ووحدات سكنية لا تمت إلى طبيعة القدس بصلة.

– هذا العمل يؤدي إلى تغيير في الوضع الديمغرافي، بحيث يتقلص عدد المواطنين العرب لحساب المستوطنين الصهاينة.

– محاصرة القدس العربية بطوق استيطاني بفصلها عن القرى والمدن العربية الفلسطينية الأخرى.

– إحداث طوق يتكون من مجموعة من المستعمرات والوحدات السكنية اليهودية التي أُقيمت خارج حدود القدس لضمها إلى بلدية القدس.

– إضافة لذلك أنشأ الكيان الصهيوني طوقاً آخر يتكون من مستعمرات أُقيم بعضها، ومازال البعض الآخر قيد الإنشاء، وذلك في إطار مشروع القدس الكبرى الذي يمتد إلى مستعمرة (بيت أيل) بالقرب من رام الله شمالاً حتى منطقة (بيت لحم) جنوباً، إذ تنوي السلطات الصهيونية ضمها إلى مدينة القدس لتصبح جزءاً من الكيان الصهيوني.

مازال هذا العدو الصهيوني مستمراً في عمليات التهويد لمدينة القدس العربية رغم صدور قرارات الهيئة العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الأخيرة التي أَلزمت هذا الكيان بوقف الاستيطان، وكذلك بعدم تغيير معالم القدس الأثرية، أو المساس بطبيعتها الإسلامية، ضارباً عرض الحائط بجميع الشرائع الدولية، وتلك القرارات الملزم منها وغير الملزم.