تحقيقات

المشاريع الصغيرة في السويداء.. استثمار في بيئة واعدة وانتظار للدعم !

بعد وفاة زوجها وحفاظاً على أسرتها المكونة من أربع بنات منهم واحدة من ذوي الاحتياجات الخاصة من العوز، اجتهدت السيدة أم علاء لتبدأ مشروعاً صغيراً يعزز عملها السابق في تربية الأبقار مستفيدة من إحدى القروض التنموية متجاوزة الظروف الصعبة هي وبناتها الأربع.
ففي غرفة صغيرة متواضعة وبإمكانات محدودة تبدأ رحلة العمل في صناعة الألبان والأجبان، والاستعانة بمخلفات الوقود وتحويلها لوقود.
تقول أم علاء: إنها “تقوم بتصنيع الأجبان البلدية والألبان الطازجة والسمن العربي والقريشة من الحليب الذي تنتجه أبقارها.”
أم علاء التي تجد نجاح المشروع في استمراريته قامت بتطوير الفكرة على مدار 23 عاماً، حيث بدأت برأس واحد من الأبقار ليتوسع المشروع اليوم ويتحول من فكرة بسيطة إلى مشروع متكامل، ورغم المعاناة الكبيرة من غلاء أسعار الأعلاف والأدوية البيطرية إلا أن مشروعها بإمكاناته الصغيرة حقق نتائج كبيرة أقلها تشكيل درع حصين حمى تلك الأسرة من العوز في زمن الحرب.
وأسرة أم علاء واحدة من مئات الأسر التي وجدت في مثل هذه المشاريع حلاً لمواجهات تداعيات الحرب ومفرزاتها التي انعكست على واقع معظم الأسر السورية.

كسر الجمود

انتعاش المشاريع الصغيرة في السويداء ساهم بكسر حالة الجمود الاقتصادي في المحافظة، والتي كانت تعاني سابقاً من هذا الجمود والافتقار إلى مشاريع حيوية، يقول مهند علبة في قرية “اسعنا” في الريف الشرقي للمحافظة: إن القروض الصغيرة متنوعة حسب كل منطقة من مناطق المحافظة ووفق توفر المادة الأولية الأساسية فيها فهناك مشاريع تعتمد على الزراعة وأخرى تعتمد على الثروة الحيوانية، مبيناً أن نجاح أي مشروع يعتمد على مدى انسجامه مع الواقع واحتياجاته، واعتبر “علبه” أن الورش التي بدأت بمزاولة عملها في المحافظة، خلال السنوات الماضية، ساهمت ولو بالحد الأدنى بكسر الجمود الذي تعاني منه السويداء على الصعيد الاقتصادي، ولاسيما أن المحافظة كانت تفتقر سابقاً إلى المشاريع الصناعية واقتصرت على ثلاثة مشاريع فقط وهي معمل التقطير والأحذية والسجاد، الأمر الذي شل الحركة الاقتصادية فيها.

فرص استثمارية

يقول الدكتور مبارك سلام، وهو مختص في التصنيع الزراعي: إنه يوجد العديد من مقومات نجاح المشاريع الصغيرة في مجال التصنيع الزراعي بمحافظة السويداء، ومنها نوعية المنتج الزراعي المميز الذي تمتاز به المحافظة والتي يأتي تميزها من كونها منتجات بعلية ومعدل استخدام المبيدات الكيميائية والأسمدة منخفض، إضافة إلى بيئة المحافظة النظيفة نسبياً كونها بيئة جبلية تمتاز بمناخ بارد صيفاً ومن المقومات الأخرى التي أشار إليها الدكتور سلام وجود اليد العاملة الباحثة عن فرصة عمل ولديها خبرة في ممارسة مثل هذه الأعمال ويناسبها مثل هذا النوع من الفرص الاستثمارية، ويجد مبارك أن المشاريع الصغيرة لا تتطلب رأسمالاً كبيراً لتأسيسها، وبالتالي يمكن لشريحة واسعة من أبناء المجتمع أن تستثمر في هذا المجال، إضافة إلى توفر المواد الأولية وقربها من أماكن التصنيع
سلام أشار في حديثة عن مقومات الاستثمار في التصنيع الزراعي عن مقوم هام وهو الثقافة السائدة في المجتمع والاعتياد على التصنيع المحلي لهذه المنتجات منذ القدم يجعل هناك خبرات متراكمة تساهم في نجاح هذا النوع من الصناعات.

الافتقار للخبرة
إلا أن التصنيع الزراعي رغم توفر جملة هامة من المقومات الكفيلة بنجاحه إلا أن الطريق أمامه ليست معبدة بالصورة التي يظنها البعض فهناك جملة من المعوقات التي تعترض طريها، وهي حسب د. سلام الربحية القليلة لهذا النوع من المشاريع بسبب محدودية الإنتاج، وعدم استخدام المكننة بشكل واسع في عملية التصنيع وإصباغ العمل في كثير من الأحيان بصبغة الطبيعة الموسيمية.
أما المشكلة الأهم والتي تشكل الهاجس الملح فهي المشكلة التسويقية، حيث لايوجد تصنيف للمنتجات يتناسب مع جودتها ونظافتها من الأثر المتبقي للمبيدات والتعديل الوراثي ومعدل استخدام المواد الحافظة والملونات وغيرها من عوامل تتعلق بالجودة، وبالتالي عدم وجود أسعار تتناسب مع تلك الجودة.
ومن المشكلات الأخرى التسويق بالوسائل التقليدية وعدم استهداف الأسواق الداخلية والخارجية واحتكار التجار لتسويق هذه المواد وحصولهم على أرباح عالية قياساً بربح المصنع الذي يفتقر إلى الخبرة بالأسواق والترويج للمنتج.

إرشاد تسويقي
إذاً المشكلة التسويقية والترويجية تعتبر من أهم المشكلات التي تعترض المشاريع الصغيرة في محافظة السويداء، ومن الحلول التي قدمها د. سلام قيام الجهات المعنية من إرشاد زراعي وصناديق تنمية وبنوك تمويل المشاريع الصغيرة بنشر ثقافة العمل المهني في هذا المجال من خلال مواصفات المواد الأولية اللازمة للتصنيع، وكذلك مراحل التصنيع الصحيحة ومواصفات المنتج النهائي وتنظيم آلية الإرشاد والنوعية المناسبة للوصول إلى تلك الغاية، إضافة إلى تنظيم دورات وحملات توعية تساعد أصحاب المشاريع الصغيرة على الترويج الصحيح لمنتجاتهم وتسويقها بالسلك التسويقي الصحيح الذي يحقق لهم عائداً جيداً، ووضع هدف الوصول إلى الأسواق العالمية بالمنتجات ذات المواصفات العالية كالدبس والزبيب وعصائر الفواكه والمربيات والتي تحوي على تصنيف دقيق لجودة المنتجات التي تحتويها، وبالتالي ستأخذ هذه المنتجات حقها في التسعير المناسب.

نشاط اقتصادي
القصف والدمار الذي لحق بمعظم المدن على امتداد البلاد، بإيقاف الحركة الصناعية في العديد من المناطق، في الوقت الذي رأى فيه بعض أصحاب الورش والمشاريع الصناعية الصغيرة والمتوسطة أن السويداء، والتي تعتبر من المناطق الهادئة نسبياً، هي المكان الأنسب لضمان استمرارية هذه المشاريع وعدم توقفها ونتيجة لذلك شهدت السويداء على مدى السنوات الست الماضية، حركة إنشاء ورش صناعية ومعامل نقلت من عدد من المدن السورية، وعلى رأسها ريف دمشق ودرعا وحماة وحلب، وذلك بعد أن استقر أصحاب تلك المعامل في المحافظة، ونقلوا نشاطهم الاقتصادي وعائلاتهم إليها.
يقول المهندس فراس البعيني: إنه دائما خلال فترة الحروب وما بعدها يبنى الاقتصاد على المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر، وهذه التجربة وجدت في أكثر من مكان تعرض لحروب.
البعيني والذي يعمل مديراً لمكتب التنمية في السويداء يجد أن المشاريع الصغيرة تعطي نتيجة مضافة للمنتج المحلي بحيث يكون النوع أفضل للتسويق فأي منتج محلي يتم تسويقه بالطريقة المعتادة لا يعطي جدوى اقتصادية لكن أعطاءه قيمة مضافة من خلال تصنيعه يفتح مجالات أوسع للتسويق ومثال ذلك تحويل العنب إلى دبس.
طبعاً الحديث هنا يصب في خانة التصنيع الزراعي، والذي يشكل أحد أهم عوامل نجاح المشاريع الصغيرة في السويداء نظراً لتوفر المواد الأولية والخبرات الكافية لنجاح مثل هذا النوع من المشاريع، لذلك اتجهت المحافظة والكلام للمهندس البعيني إلى دراسة مجموعة من المشاريع الصغيرة والمتوسطة لدفع عجلة التنمية في قرى المحافظة في إطار الربط بين تلك المشاريع والتنمية المحلية، حيث تم اختيار مجموعة من المشاريع تتماشى مع الواقع مثل تجفيف الفواكه ومعمل للكونسروة وآخر للألبان والأجبان والنباتات الطبية والعطرية وتصنيع الخل وغيرها من المشاريع التي تم تأطيرها في 13 مشروعاً، ولهذه المشاريع فوائدها التسويقية للمنتج المحلي وتشجيع السكان على البقاء ويعطي الفلاح حقه في المنتج ويلغي الوسيط الذي يأخذ جزءاً من الأرباح.

جمعية تسويقية

السويداء والتي يمكن وصفها بالبكر استثمارياً نظراً لقلة المشاريع فيها مقارنة مع الإمكانات المتوفرة، خاصة في مجال توفر المواد الأولية واليد العاملة الخبيرة ولكن يبقى المهم حل إشكالية تسويق المنتجات، وهنا قد يشكل إحداث جمعية تسويقية خاصة بأصحاب المشاريع الصغيرة حلاً لهذه الإشكالية تكون مهمتها الترويج للمنتجات والبحث عن أسواق تسويقية لها، أما الأهم فهو وجود برنامج حكومي واضح المعالم تكون مهمته التوسع في مثل هذا النوع من المشاريع عبر إطلاق برنامج دعم المشاريع الصغيرة في محافظة السويداء يستهدف كافة التجمعات السكانية، خاصة الحدودية والنائية عبر حالة من التشاركية بين المجتمع المحلي والحكومة، فالأول ينتج والثاني يسوق.. تجربة قد تكون باكورة تجارب تستهدف مناطق أخرى في برامج مشابهة.
رفعت الديك