رأيصحيفة البعث

“سيزر”: حرب الاستنزاف.. وظلم ذوي القربى

أحمد حسن

في جوهره ومغزاه، لا يخرج “قانون سيزر” -الإرهابي بتوجهاته وأهدافه، والإبادي في مآله الأخير- عمّا ألفناه من وقائع مهولة في أطوار الحرب المركبّة التي نعيشها منذ سنوات عدة، وإن كان يتميّز عمّا سبقه بكونه أكثر شمولية وفجوراً وبالتالي تأثيراً وضرراً.

وعلى غرار التجارب السابقة، لا يبدو أن هناك فائدة – سوى تلك الحقوقية بعيدة المدى – من إيضاح فقدان القانون، بشكله ومضمونه وأهدافه ونتائجه، لأي شرعية دولية، أو كونه تعدّياً سافراً عليها، فذلك خطاب لا طائل منه ولا نتيجة – الأمم المتحدة ذاتها تتفاوض مع الأمريكي لإعفاء قافلات مساعداتها إلى سورية من تبعات هذا القانون وما سبقه من إجراءات أحادية – فما يهمّ، ويفيد، معرفة أهدافه ونتائجه وتحديد كيفية مواجهته وسبل التعامل مع مندرجاته وتبعاته.

ويمكن في هذا السياق الحديث عن وظيفتين للقانون: الأولى إعلامية بحتة تتعلق بإشهار “غيرة” واشنطن الدائمة على الإنسان وحقوقه أينما وحيثما كان، كما تقول السيرة المؤسسّة للحلم الأمريكي المزعوم، وهذه الوظيفة تفيد بعض أبناء جلدتنا، السوريين والعرب، الذين يغطون عمالتهم، ومشاريعهم التقسيمية، بها متجاهلين أن “الحصار الاقتصادي بحد ذاته هدر سافر لحقوق الإنسان”. أما أس القانون وجوهره فيتمثّل بالوظيفة الثانية له، أي الوظيفة السياسية الطامحة إلى تثبيت قواعد محدّدة للجولة القادمة من الصراع في الإقليم، والعالم، وهي جولة يريد الأمريكي أن تُلعب على أرضية الوضع المفتوح على الفوضى والخراب لتعوّض التوازنات التي هزّت ركائزها التغيرات الميدانية في السنوات السابقة، وصولاً إلى لحظة تفاوضية اجبارية تفيد هدف الحرب الأول: “الاركاع والاستتباع”، وذلك تحديداً ما قالته نصوص القانون ذاته قبل أن تعلنه تصريحات جيمس جيفري المبعوث الأمريكي إلى سورية، كما تشي وظيفته الرسمية، والمندوب السامي على بعض مناطقها كما تقول تصرفاته فيها وطريقة انصياع قوى الأمر الواقع “الحرة..!!” هناك لأوامره وفرماناته.

بهذا المعنى فإن “سيزر” يقول- لسورية وحلفائها – بوضوح تام: إما قبول “عرض الاستسلام”، وإما الخضوع لمرحلة استنزاف طويلة سلاحها “إرهاب اقتصادي” هادف إلى رفع تكلفة المواقف والسياسات على جميع من تعتبرهم واشنطن في الصف المناوئ لسياساتها ومشاريعها.

والحال فإن عرض الاستسلام الأمريكي لا يشمل بنية الدولة السورية وطبيعة نظامها الحاكم وشكل مؤسساتها الدستورية فقط، بل، وهذا الأهم، دورها السياسي والوطني في المنطقة والإقليم بأسره عبر فك تحالفاتها مع أطراف حلف المقاومة، دولاً وأحزاباً، لكنه لا يقتصر عليها فهو يراهن بالنتيجة على إبعاد إيران عن الحدود الجيوسياسية لـ “اسرئيل”، وعلى منع روسيا من استثمار انتصارها العسكري في سورية والاستفادة منه سياسياً واقتصادياً، كما على تحديد خطوط حمر، اقتصادية وسياسية، للصين لا يمكن لها تجاوزها في الشرق الأوسط.

لكن، وإضافة إلى الوظيفتين الإعلامية والسياسية، فإن للقانون وظيفة أخرى لها طابع الإبادة الجماعية، وهذا ما يمكن ملاحظته بالمقارنة مع العقوبات الأوربية، وهي أقل شمولاً منه، فهي تطال، بحسب، خبراء ألمان 14 قطاعاً حيوياً “ما يشكّل عقوبة جماعية للسوريين ويعيق حصولهم على الكهرباء والأدوية والطعام .. إلخ”، وذلك نقطة في بحر “سيزر”، كما تقول نصوصه المعلنة.

بيد أن المؤسف في الأمر أن يرى بعض السوريين “القانون” فرصة لمزيد من تجميع الثروات عبر احتكار ونهب موارد معيشة إخوتهم في الوطن، وأن تراه قوى “أمر واقع” في الداخل مدخلاً لمزيد من الاستزلام للخارج، ظناً منها أنه فرصة لمشاريعها التقسيمية، فتكون أولى خطواتها منع قمح السوريين عنهم مساهمة منها في “التجويع للتركيع” في ظل هذا الحصار الخانق، وفي الحالتين تلك مشاركة علنية في جريمة الإبادة الأمريكية، وهذا ليس الجانب الصحيح، وطنياً وأخلاقياً، من التاريخ.. وحتى أنه ليس الجانب الصحيح سياسياً منه، فكما هو قرار واشنطن بالاستنزاف الطويل هناك قرار مقابل بالمواجهة المستمرة وسد الثغرات.. لكن ما أكثر العبر وأقل الاعتبار!!