دراساتصحيفة البعث

” مخاطر تفشي فيروس كوفيد- 19: التوقعات الاقتصادية وتداعياتها “

  ترجمة وإعداد: إبراهيم أحمد

 عن صحيفة لوفيغارو

يتصدر قائمة المخاوف المتوقع حدوثها بعد كوفيد-19 ركود اقتصادي طويل الأمد، وارتفاع في معدلات البطالة، وظهور أوبئة أخرى تضرب العالم، وسياسة حماية اقتصادية جديدة، وذلك وفقاً لما أورده تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي «مخاطر تفشي فيروس كوفيد-19: التوقعات الأولية وتداعياتها»، الذي صدر مؤخراً. وخلص التقرير إلى أن العالم سيشهد خلال الـ 18 شهراً القادمة ضائقة اقتصادية واستياءً اجتماعياً، ما لم تتحد جهود القادة وقطاع الأعمال وصناع القرار لإدارة تداعيات جائحة فيروس كورونا. فمع استئناف اقتصادات العالم أعمالها، تلوح في الأفق فرصة حقيقية لتحقيق مستويات أفضل من المساواة الاجتماعية والاستدامة، ما يفتح الباب أمام عصر جديد أكثر ازدهاراً.

دراسة توقعية:

يستند التقرير الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي بالشراكة مع مجموعة «شركات مارش وماكلينان» و«مجموعة زيورخ للتأمين»، وجهات نظر وآراء حوالي 350 مختصاً وخبيراً في هذا المجال قاموا بدراسة توقعية للأشهر الـ 18 المقبلة وتحديد أبرز المخاوف وفقاً لاحتمالية حدوثها وأثرها على العالم واقتصاداته، ويوضح التقرير أن التداعيات الاقتصادية الفورية لجائحة كوفيد-19 تهيمن على توقعات الشركات في ما يتعلق بالمخاطر المستقبلية، ويتراوح ذلك بدءاً من ركود اقتصادي طويل المدى وصولاً إلى ضعف المكانة المالية للعديد من الاقتصادات الكبرى وقيود أشد على سلاسل الاستيراد والتوريد وحركة الأفراد عبر الحدود وانهيار لأسواق ناشئة رئيسية. ومع التدقيق في أوجه الترابط بين هذه المخاطر، يدعو التقرير قادة العالم لاتخاذ إجراءات من شأنها التصدي للتحديات المستقبلية الكثيرة بما في ذلك أزمة المناخ والاضطرابات الجيوسياسية والارتفاع في معدلات عدم المساواة والضغوط على الصحة النفسية للمجتمع والفجوات في حوكمة استخدام التكنولوجيا والنظم الصحية القابعة تحت وطأة ضغط مستمر. وسيكون لهذه المخاطر طويلة المدى آثار خطيرة على المجتمعات والبيئة ونظم حوكمة التكنولوجيا الحديثة، الأمر الذي يؤكد على الدعوات التي أطلقها تقرير المخاطر العالمية، الصادر في كانون الثاني 2020.

المخاطر البيئية:

أشارت مجموعة من الجهات أصحاب المصلحة في التقرير الصادر في كانون الثاني من هذا العام إلى أن المخاطر البيئية تعتبر بين أكبر خمسة أخطار عالمية تهدد العالم خلال العقد القادم، كما حذّر التقرير من إثقال كاهل نظم الرعاية الصحية. وقدّمت آخر تحديثات التقرير تصوراً مبدئياً ضم عدداً من المخاطر المألوفة، التي ربما يزداد تأثيرها نتيجة للأزمة الحالية، بالإضافة إلى عدد من المخاطر الجديدة التي ظهرت مؤخراً. وأشار ثلثا المشاركين إلى أن الركود العالمي طويل المدى يمثل أبرز مصادر القلق بالنسبة لمجتمع الأعمال، فيما قال نصف المشاركين: إن حالات الإفلاس، ودمج الأعمال، وعدم قدرة بعض القطاعات على استعادة حيويتها، وتأثر سلاسل التوريد تمثل مصادر قلق رئيسية بالنسبة لهم. ومع تسارع أتمتة قطاعات الاقتصاد التي فرضها انتشار الوباء، تبرز الهجمات السيبرانية والاحتيال الإلكتروني كمصادر تهديد رئيسية، وذلك وفقاً لنصف المشاركين، فيما يشكل انهيار الشبكات وأنظمة تقنية المعلومات بواعث قلق رئيسية أخرى، تضاف إلى الاضطرابات الجيوسياسية واحتمال زيادة القيود على حركة الأفراد والسلع. وركز تقرير ثان بعنوان «التحديات والفرص في عالم ما بعد كوفيد-19» على الرؤى والتحليلات التي قدمها صناع القرار والعلماء والباحثون بهدف تحديد الفرص التي يمكن البناء عليها لتشكيل عالم أكثر ازدهاراً وعدلاً واستدامة.

آثار مدمرة:

قالت سعدية زهيدي، رئيسة قسم المجتمع والاقتصاد، والمديرة العامة للمنتدى الاقتصادي العالمي: “تسببت الأزمة الحالية بآثار مدمرة على حياة ومعيشة الكثيرين، ونشأت بسببها أزمة اقتصادية لها آثار بعيدة المدى، كما كشفت عن الكثير من أوجه القصور الموجودة وبالتالي فإن مهمة القادة في جميع القطاعات أن يواجهوا الآثار المباشرة للوباء، وأن يمدوا جسور التعاون ويحرصوا على التمتع بالمرونة اللازمة لإيقاف المخاطر التي أظهرها الوباء والاستعداد لمواجهة المخاطر التي لم تظهر بعد”.

التركيز على المخاطر:

من جانبه، قال بيتر جيجر كبير مسؤولي قسم المخاطر لدى مجموعة زيورخ للتأمين: “لقد أثبت انتشار فيروس كوفيد-19 الضرورة القصوى للتركيز على المخاطر وفي مقدمتها قضايا التغير المناخي. وفي سعينا إلى إعادة بناء وتمتين اقتصاداتنا، أتاحت التغيرات في منهجيات العمل، والتوجهات العامة لقضايا السفر والتنقل والاستهلاك الفرصة لخلق أدوات وأساليب جديدة لتخفيض انبعاثات الكربون وتحقيق مستقبل أكثر أماناً”.

المخاطر السيبرانية:

وقال جون دويل، الرئيس والرئيس التنفيذي لشركة مارش: “واجهت المؤسسات قبيل انتشار فيروس كوفيد-19 مجموعة من المخاطر الكبيرة والمعقدة عالمياً، فمن المخاطر السيبرانية إلى سلاسل التوريد، إلى جانب رفاه وصحة الموظفين، ما يستوجب على قطاعات الأعمال إعادة دراسة الهيكليات والنهج التي كانوا يعتمدون عليها سابقاً. وبهدف تهيئة الظروف والشروط لتحقيق انتعاش أسرع ومستقبل أكثر مرونة، يتوجب على كل من الحكومات والقطاع الخاص العمل معاً بشكل أكثر فعالية”.

السياحة والحرب الكبرى:

يحظى قطاع السياحة بـ «قدرة تكيّف» عالية ستساعده على تخطي أزمة فيروس كورونا المستجد، رغم أنه لم يشهد سابقاً أزمات بهذا الحجم، وفق تقدير المؤرخ المختص، يوهان فنسنت. وينجز فنسنت أبحاث ما بعد الدكتوراه في الدراسات العليا للسياحة والخدمات الفندقية في جامعة أنجيه، وشارك خاصة في تحرير كتاب «السياحة والحرب الكبرى: رحلات على جبهة تاريخية مجهولة (1914-2019)» المنشور عام 2019 عن دار كودكس. وعن كيفية تعامل اقتصاد السياحة مع الأزمات في السابق، يقول فنسنت: حتى الآن، ورغم أن كل شيء نسبيّ، تمكّنت السياحة دوماً من التعافي، لأن الفاعلين في القطاع متكيّفون مع الأزمات، سواء كانت اقتصادية، دبلوماسية، اجتماعية أو صحيّة. ويضيف: مع ذلك، لا يوجد طابع شمولي في أغلب الأزمات الصحية السابقة، سواء تلك المتعلقة بفيروس السارس، أو إيبولا، إذ كانت محليّة أكثر. وتحوي الأزمة الحالية أزمات عدّة في الواقع. والهياكل الدولية الكبرى معتادة على الأزمات، إذ تعاملت مع أربع، أو خمس أزمات صحية منذ مطلع الألفيّة، لكنها شهدت أيضاً أزمات مرتبطة بالإرهاب، والمسائل الاجتماعية.. إلخ. في المقابل، لم يتضرر المستثمر الصغير الذي يملك فندقاً في أنجيه، بالضرورة، من تلك الأزمات، لذلك تبدو له الأزمة الحالية قاسية، إذ لم يختبر مثلها سابقاً. وتظهر مؤلفات فنسنت أن فترات الأزمة تؤدي إلى تغيّرات في قطاع السياحة، ويقول: أثناء الحرب العالمية الأولى، لم يُمنع الناس من التنقل. تنقل الفرنسيون من المنطقة الباريسية مثلاً، إلى السواحل، واستقبلنا عسكريين أجانب، أمريكيين، وكنديين، وأستراليين، تمكنوا من اكتشاف البلاد. وأكسبهم ذلك دراية بالمناطق، وفتح آفاقاً لقدوم سياح مستقبليين. ويضيف المؤرخ بقوله: أدت أزمة عام 1929 التي عشناها، مع فارق زمني بسيط، إلى انهيار السياحة الفاخرة، بينما حوّلت الحرب العالمية الثانية السواحل إلى منطقة نزاع، ما أدى إلى توجه السياحة إلى المناطق الداخلية. وتزامن ذلك مع تبني الدولة الفرنسية خطاباً حول العودة إلى التراث، والبحث عن الجذور. ونلاحظ وجود المزاج نفسه مع انتهاء الحرب، يضاف إليه تحديث القطاع الفندقي في المدن التي تعرضت للقصف، خاصة على السواحل. ويتابع فنسنت: في زمن أقرب، أدى الهجوم على مركز التجارة العالمي عام 2001 إلى تراجع وجيز للسياحة العالمية، في حين كان تشجيع السياحة أحد الإجابات عن الأزمة الاقتصادية في أوروبا عام 2008. ولكن كيف سيكون أثر الأزمة الراهنة في قطاع السياحة؟ يرى فنسنت أن القطاع السياحي التقليدي سيتعافى، لكن قد تؤدي هذه الأزمات إلى تغيّرات. ومن الأمثلة التاريخية على ذلك، ما حصل مع نخب أمريكا الجنوبية، خاصة الأرجنتينية، التي كانت معتادة على قضاء فترة من العام في المنتجعات الساحلية الأوروبية، ولاسيما في دوفيل (شمال غرب)، وبياريتز (جنوب غرب)، الفرنسيتين. ويقول: أثناء حرب الغواصات في الحرب العالمية الأولى، لم يعد بإمكان تلك النخب عبور البحر بالسفن، وصارت تتوجه إلى مار ديل بلاتا (على الساحل الأرجنتيني) ، التي تحولت اليوم إلى منتجع ساحلي ضخم. وبحسب فنسنت، سيظهر الوضع الحالي كامل قدرة القطاع على التكيّف، رغم أننا لا نعلم إن كان كل المهنيين قادرين على التعامل مع الإشكاليات الحالية. ويتطلب الأمر ضخّ استثمارات في قطاع كان يعيش أصلاً تغيّرات مع بروز خدمات مثل «آر بي إن بي»، والاقتصاد التشاركي والتضامني. ويمكن أن يسرّع الوضع الحالي التغيّرات، أو أن يكبحها أيضاً، لكن من يدعي امتلاك الإجابة حالياً، يبدو بالنسبة إلي مخادعاً.

اقتصاد ما بعد كورونا:

من قبل أن تبدأ الإجراءات التي اتخذها العالم للتصدي لجائحة تفشي فيروس كورونا وملامح الانكماش الاقتصادي تخيم على العالم لتأتي هذه الإجراءات لتفاقم من أزمة الاقتصاد العالمي وتقضي على بعض بوادر التعافي من أزمات سابقة لتضع العالم في أزمة غير مسبوقة تراجعت خلالها مؤشرات جميع القطاعات الاقتصادية، ما يضع العالم أمام تحدي إعادة بناء الاقتصاد بعد الإعادة الجزئية أو الكلية للأنشطة الاقتصادية.

فقبل التوسع في الإجراءات الاحترازية شهد الربع الأول من 2020 انكماشاً في الاقتصاد العالمي بـ1.3٪، حيث قاد هذا الانكماش انخفاضاً بنسبة 6.8٪ في الناتج المحلي الإجمالي للصين (باعتبارها مصنع العالم الذي يقود نموه الاقتصادي).

وحتى بعد البدء في استعادة الأنشطة تشير التوقعات إلى تحديات كبيرة تواجهها الشركات التي ستخرج من الأزمة بتراجع في السيولة لتبدأ العمل في ظل تراجع الطلب على منتجاتها وخدماتها مع استمرار التزاماتها من مصروفات تشغيل وغيره مع ضغوطات على سوق العمل جراء كم الوظائف التي تم شطبها خلال فترة الإجراءات الاحترازية.

وتتفاقم الأزمة في منطقة الشرق الأوسط وتحديداً منطقة الخليج، حيث إن هذه البلدان ما لبثت أن تعافت من انهيار أسعار النفط في عام 2014 وما سببه ذلك من ضغط على ميزانياتها واحتياطاتها المالية وتصنيفاتها الائتمانية لتأتي أزمة كورونا لتعيد أسعار النفط إلى التراجع.