دراساتصحيفة البعث

هل يرى أردوغان في ليبيا طريقاً لإحياء الامبراطورية العثمانية ؟

ترجمة وإعداد: علاء العطار

عن موقع “أميريكان هيرالد تربيون” 28/6/2020

على الرغم من أن أوباما قد أعلن في خطاب ألقاه في أكرا، عاصمة غانا، في عام 2009، أن “مستقبل أفريقيا بيد الأفارقة”، كانت السياسة الأمريكية تجاه أفريقيا، وغيرها، وراء إزالة الزعماء السياسيين الذين اعتبرتهم الولايات المتحدة “مزعجين”. وأصبح من عارض أو اختلف مع الخطط الأمريكية، كالاشتراكيين والشيوعيين، أصبحوا أهدافاً مشروعة للأسلحة الأمريكية.

في 19 آذار من عام 2011، بدأ أوباما الحرب على ليبيا دون إذن من الكونغرس، كما رفض أن يحيط الكونغرس بأن القوات الأمريكية شاركت في عمليات قتالية تنتهك قانون صلاحيات الحرب، الذي اعتمد رداً على الإجراءات المتهورة وغير الدستورية التي اتخذت أثناء الحرب على فيتنام.

ما السبب؟ كانت حكومة القذافي اشتراكية لديها أعلى مؤشر نوعية حياة في أفريقيا بأسرها، ووفرت تعليماً مجانياً ورعاية صحية مجانية وقروض إسكان بلا فوائد، كما أراد القذافي إقامة اتحاد إفريقي تترأسه ليبيا. وفي 20 تشرين الأول عام 2011، قُتل معمر القذافي وانهارت حكومة ليبيا، وكذا الفوائد التي أمنتها لشعبها.

ليبيا الآن بلد محطم تنهش جسده الحرب الأهلية وأنظمة تتنافس على أجزائه. وفي كانون الأول عام 2015، وقع مندوبون من الفصائل المتناحرة في ليبيا الاتفاق السياسي الليبي، وهو اتفاق تقاسم للسلطة توسطت فيه الأمم المتحدة، ولكن حكومة الوفاق الوطني لا تزال تحارب خليفة حفتر- قائد الجيش الوطني الليبي- على وجه الخصوص لتعزيز سلطتها في نصفي البلاد الشرقي والغربي الغني بالنفط.

تركيا في ليبيا

أمست تركيا مشكلة كبيرة في ليبيا، واستناداً إلى المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري، “إن الخطر الذي يشكله الإرهابيون والمتطرفون بقيادة أردوغان ومجموعاته في ليبيا يهدد السلام في المنطقة، إذ إنهم فاقموا الأوضاع عبر إيصالها إلى المستوى الحالي”. علاوة على ذلك، قيل: إن تركيا رفضت المشاركة بمبادرة مصرية تقترح إبرام اتفاق جديد بين حكومة الوفاق والجيش الوطني الليبي مع وقف إطلاق نار يبدأ اعتباراً من 8 حزيران.

الباب المفتوح

بدأ الأمر ببراءة كافية، ففي أواخر كانون الأول عام 2019، ناشدت حكومة الوفاق الوطني، التي تتخذ من طرابلس مقراً لها، تركيا للتدخل في ليبيا. واستجابة لذلك، عقد البرلمان التركي جلسة طارئة في 3 كانون الثاني عام 2020، وصوت لتفويض رجب طيب أردوغان بنشر القوات التركية في ليبيا، وبعد فترة وجيزة، نُشرت القوات، وليس القوات العسكرية التركية فحسب، بل الإرهابيون من شمال سورية أيضاً. إن الأنشطة العسكرية التركية، مثل ترحيل اللاجئين السوريين إلى تركيا للقتال في ليبيا تشكل مخاطر كبيرة تؤذن بالتصعيد في المنطقة.

يبدو أن تركيا تريد أن تنتهز هذه الفرصة لإحياء الامبراطورية العثمانية، التي كانت ليبيا يوماً جزءاً منها. على سبيل المثال، تصف شركة سادات، وهي شركة أمن تركية خاصة مقرها اسطنبول، تصف نفسها بأنها الشركة الأولى والوحيدة في تركيا التي تقدم خدمات استشارية وتدريب عسكري على المستوى الدولي في قطاعي الدفاع والأمن الداخلي، ومضى على وجودها في ليبيا منذ عام 2013. واستناداً لمصادر مطلعة، إن جنرالات هذه الشركة مسؤولون عن عمليات حكومة الوفاق الهجومية الرئيسية. وشوهد جنود هذه الشركة في طرابلس قبل تشرين الثاني عام 2019 بوقت طويل. وتدعي الشركة أنها ذهبت إلى ليبيا لتحديد احتياجات القوات المسلحة الليبية الجديدة وللبحث عن إمكانات تقديم الاستشارة والتدريب والذخيرة لليبيا. وفي بداية التدخل العسكري التركي في ليبيا، جاء في مطبوعات الحكومة التركية “عادت قواتنا إلى المنطقة بعد مضي 100 عام”.

وإضافة إلى المشكلة، قيل إن مؤسس شركة سادات، عدنان تانفردي، وأحد كبار مستشاري أردوغان، ينادي علناً باسترجاع “الخلافة العثمانية”. وبحسب تصريحاته، يجب أن تتألف الامبراطورية “العثمانية”، وعاصمتها اسطنبول، من 61 دولة، فتجمع قسماً لا بأس به من العالمين العربي والإسلامي.

سيشكل هذا تهديداً خطيراً للشرق الأوسط وأوروبا، وقد تترتب آثار كارثية على اتصال تركيا بليبيا وقربها الجغرافي من سورية، حيث تدعم الإرهابيين أمثال هيئة “تحرير الشام” وغيرها من الجماعات الإرهابية البغيضة. كما أن غزو تركيا للعراق بذريعة محاربة حزب “العمال الكردستاني” سيزيد الأمر سوءاً. وإذا واصلت تركيا سياساتها الدموية في المنطقة، فقد تتسبب بمأساة جديدة قد تمتد إلى خارج المنطقة. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ما الذي سيحدث لأمن المنطقة وأمن أوروبا إذا استمر كل هذا؟ من المؤكد أن تدفق المهاجرين سيزيد، الأمر الذي سيزعزع استقرار المنطقتين، وليس بإمكان أوروبا التعامل مع سيول المهاجرين، مع ما يستتبعه من مشكلات سياسية واقتصادية وإنسانية.