ثقافةصحيفة البعث

هل المستقبل إمكانية قاتمة؟

لا حاجة إلى تصديق نبوءات روزنامة “المايا” لكي يشعر المرء بالكآبة: فحتى ولو كان هناك شك أن أي موعد أو أي تاريخ، سيشهد فجأة زوال البشرية بأكملها تقريباً، فإنه سيكون من الصعب ألاّ ننتبه إلى مجمل الكوارث التي تهدّد هذه البشرية نفسها، والعزاء الوحيد هو أنه لدينا خيارات متعددة فيما يخص  “المخاوف والكوابيس”.

تقدّم السينما تجسيداً مؤثراً لذلك: من النيازك العدوانية إلى الأوبئة الهائلة إلى دوّامات العلوم الجينية والروبوتيّة.. وسواء أكان الخطر طبيعيّاً أو نابعاً من التجارب التي يقوم بها البشر، فإن هؤلاء البشر يجدون أنفسهم دوماً على شفير الهاوية، وستحين الساعة الأخيرة لجنسهم. وكانت أفلام الخيال العلمي في خمسينيات القرن الماضي تقترح دوماً وفي عزّ الحرب الباردة النصر على العدو، الذي لم يكن أحمر بكلّ بساطة، بل بغيضاً وما دون الإنسان مطلقاً. ومنذ خمس عشرة سنة، وعلى أساس انتشار الاهتمام بالبيئة والتساؤل حول الحدود البشرية، فإن نوعاً من العقاب الجماعي المتغذي من شيء من عدم الثقة بالعلوم  هو الذي تخرجه الآلات الهوليودية الضخمة. وكما يقول العميل سميث في فيلم “ماتريكس” 1999، الذي يمثّل الآلات التي سيطرت على البشر دون معرفتهم: “إن الكائنات البشرية مرض، إنهم سرطان هذا الكوكب. أنتم الكارثة ونحن العلاج”. ويقدّم كربستيان شيلبرغ، الأخصائي في الأدب الخيالي، قراءة مضيئة جداً لهذه التبدّلات، خاصة في السينما، التي لحقت بخوفنا الجماعي، وعن ميراثها الديني وتورطاتها السياسية: الأفضل هو أن يصار إلى إعادة العمل بالنظام السابق. وكذلك الفيلسوف بيتر تزاندي، مؤلّف الكتاب الصادر “كانط عند الكائنات الفضائية2011″، فهو يهتم بالمتخيّل السينمائي”. لكن من زاوية متميزّة على الأخص يحب السينما، فمن فيلم “الركض وراء الشفرات” ريدلي سكوت 1982 إلى فيلم “جيش الأثني عشر قرداً” تيري جيليام 1995، وهو لايدرس سيناريوهات نهاية الأزمنة بقدر الزوال العام على انه “مكان السينما بامتياز” ويمكن أن نكون أكثر تأثراً باستطراداته حول فيلم blade ranner. أو فيلم “المنهي” (جايس كامرون 1984) منه باعتباراته الفلسفية المستندة على استشهادات من مارتن هايدغر وجان لوك ناتسي، اللذين يتماهيان في إعجابه بفيلم  “السوداوية” من إخراج لارس فون تراير 2011).

إنّ أدب الخيال العلمي، الذي ما يزال دارجاً في أجواء زمننا (السامّة) قد تلمس كوابيسنا المفضّلة، لكن لكي يضيف إليها هاجساً إضافياً على شكل سؤال مكتوم: من الذي يملك فعلاً القدرة على الأذى؟ فمن بابلو باسيفالوبي، الذي تخيّل عالماً لما بعد الطاعون، حيث منتجو السعرات الحرارية هم أسياد كون ٍمنكوب، إلى جان – ميشال ترويونغ، الذي تصوّر عالم ما بعد الطاعون حيث كل واحد في “الغرب” يعيش وفق مبدأ السلامة الأمنية القصوى، معزولاً في قوقعة داخل أهرام  ضخمة، في منأى عن العالم الخارجي، لكن متصل به، نجد الرؤى المعروضة تظهّر النتائج المنطقية لليبرالية الموسومة رسمياً بالنوايا الطيبة. هذا الخيال العلمي هو من نوع الملحمة المتكاثرة، الابتكارية والمشوّشة، إذ إن تحقّقاتها مستقبلاً ليست سوى عملية نشر لما يمكن تنفيذه في الوقت الحالي.

إن مختلف تصوّرات نهاية العالم وما يصير بعدها مما يُذّل البشر يمكن أن تُعتبر على أنها نوع من التحفيز على التفكير في الكارثة، فكما كتب إيمانويل كانط في كتابه (نهاية كل شيء)، فإن “الإشارات المنذرة باليوم الأخير، هي من النوع المرعب، البعض يراها في انتصار الظلم في قمع الفقراء. ويراها آخرون في التغييرات غير المألوفة في الطبيعة، مثل الزلازل والطوفانات والمذنبّات والشُّهب، وعندها يمكن أن نتصوّر أن الاسم الآخر للكارثة قد يكون بروز قوة جماعية ثوريّة”.

إبراهيم أحمد