محليات

لاحس ولا خبر!!

كشفت الـ 26 مليون يورو  التي خصصت لاستيراد 30 مليون لتر من زيت عباد الشمس واقع الزراعة في بلدنا، الذي نزعت منه الإجراءات الوزارية  فتيل الإنتاجية وتركته ينازع في متاهة البحث عن الآلية والسياسة التي تمكننا من زراعة كل متر قابل للزراعة, ونعتقد أيضاً أن عملية البحث ستستمر لسنوات قادمة كونها تتلاقى بنتائجها مع خلاصة المثل الشعبي (من كبر الحجر ما صاب)، فلم تفلح الاجتماعات المتتالية حتى الآن بوضع حجر الأساس لأي أجراء تنفيذي يحقق هذا الهدف ويدعم التنمية الزراعية الاقتصادية التي ترسم خرائطها بطريقة تستثني الممكن والمتوفر حالياً، وتلاحق السراب الزراعي، وهو ما كان له ارتدادات كبيرة على ثقة الفلاح بالجهات المعنية المسؤولة التي لم يتقاطع حديثها عن تحديات الواقع مع أي إجراء تنفيذي على ساحة الحلول، وخاصة لجهة إقامة مشاريع صناعية قادرة على استيعاب المنتج الزراعي وتصنيعه محلياً، بل على العكس، فقد تم إدخال الكثير من الأفكار السائرة في ميدان التصنيع الزراعي في معادلات حسابية مستحيلة الحل، وبشكل يحيّد الجدوى الاقتصادية، ويسقط أي مشروع في فخ الخسائر رغم توفر الكثير من مقومات النجاح.

وفي الوقت الذي تنشغل فيه الأسرة الزراعية بالبحث عن حلول ومخارج آمنة للواقع الزراعي، نجد الكثير من المشاريع العالقة إلى الآن في مخاض الولادة، رغم أنها لا تتطلب الكثير من التقنيات أو لرأسمال كبير، وكل ما تحتاجه وضع روزنامة مناطقية لهذه الصناعات ضمن استراتيجية تسويقية وتصنيعية واضحة المعالم تربط ما بين سياسات الإنتاج والتصنيع وفق علاقات تشابكية بين منشآت التصنيع الزراعي والفلاحين، وبشكل يؤدي إلى رفع القيمة المضافة للمحاصيل الزراعية ويقلل الفاقد منها والاستغناء عن ما يتم الآن بشكل استفزازي (التصدير تحت التهريب ).

ولاشك أن صخب الوعود المتساقطة في “دومينو” عدم الإنجاز ومعاناة الفلاحين المستمرة والمستهلكين المحليين والمتفاقمة تفتح الباب أمام العديد من التساؤلات حول مدى الجدية في التعامل مع هذا الملف، ومع مطالب الفلاحين الباحثة عن مستقبل تسويقي ناجح لمواسمهم الزراعية. ولاشك أن بيادر الإنتاج التي تواجه في كل عام تبعات وتداعيات استراتيجية “لاحس ولا خبر” تنتظر إقلاع مشاريع تصنيعية متكاملة تمد يد العون للفلاح وتحقق عائدية اقتصادية دائمة للاقتصاد الوطني، وخاصة في هذه الظروف. وبقراءة الواقع الزراعي الحالي بأرقامه وأهدافه المستقبلية، وبتحدياته المناخية والمائية، تتزاحم الأفكار والتساؤلات، الباحثة عن مصلحة الفلاح والمستهلك المغيبة إلى الآن، بالقطيعة ما بين الاقتصاد الصناعي وركائزه الزراعية، فهل هناك أمل في انعطافة السياسات الاقتصادية نحو التصنيع الزراعي بشكل جدي، واستثمار كل متر مزروع بعيداً عن الاستراتيجيات الفضفاضة التي جعلتنا من المستوردين لزيت عباد الشمس بدلاً من أن نكون من المنتجين الزراعيين والصناعيين له؟ كما نرى أن وزارة الزراعة وغيرها من الجهات تتحمل المسؤولية في استمرار مناقشات واجتماعات المراوحة على خطوط البداية؟

بشير فرزان