سلايد الجريدةصحيفة البعثكلمة البعث

حين تكون الديمقراطية خياراً واختباراً

د. عبد اللطيف عمران

تعرّض المرشّحون البعثيون إلى مجلس الشعب إلى تجربة لا شك مفيدة، فيها دروس وعِبر للواقع والمستقبل، وكانت مسألة الاستئناس البعثي خياراً واختباراً في آن معاً، صادمة إلى حد ما للمرشّحين، وللمستأنسين، نظراً إلى ما أحاط بها من شكوك ونقد ومتابعة في الوقت نفسه في سبيل الوصول إلى خيارات قريبة من الدقة والموضوعية، ليخلص قسم كبير من البعثيين والرأي العام إلى التسليم طواعية بالمثل: إرضاء الناس غاية لا تُدرك، وهذا ما عدّه البعض هروباً من المسؤولية يصب في خانة أن الاختبار كان صعباً، وكان البعثيون فيه قساة على أنفسهم – كالعادة-.

لا شك في أن المرشّحين المستقلين يترقبون هذه التجربة، ويستخلصون منها العبر والديناميكية وإعادة النظر في الواقع الانتخابي العام في /19/ الجاري، ويبدو أنهم قادرون على الإفادة منها مثلهم مثل البعثيين، وقد يكونون أقل قسوة على بعضهم، على أية حال علينا أن نترقب قادم الأيام، وندرس تجربتهم بدقة من خلال القياس والمقارنة، وألا نهمل نتائجها دون نقد ومراجعة، فالمسألة بمطلق الأحوال مسألة وطنية تهم الجميع.

تهم الجميع ليس كاستحقاق ديمقراطي وطني في هذه الظروف الصعبة، بل لينتقل السؤال من المسألة الانتخابية الديمقراطية، إلى مسألة الأداء حين الوصول إلى تحت قبة مجلس الشعب، فهل نهض المجلس بالدور المنشود منه في الدور التشريعي الثاني؟ وما هي المعايير التي سيقيّم على أساسها أداؤه في الدور التشريعي الثالث؟ ولا سيما الكتلة البعثية التي لم يصل واحد منها إلى عضوية المجلس إلا بعد اختبار حقيقي، ونقد، ومنافسة، وترقّب يجب أن يستمر، ويكون لكل رفيق منهم ملف أداء في قيادة الحزب، فتقييم تجربة الاستئناس يجب ألا ينقطع بعد الفوز، بل يجب أن يستمر، ويقترن بالأداء مستقبلاً، لأن هناك تساؤلات ليست خافتة حول دور المجلس، وهي قد تكون ليست أقل من التساؤلات حول أداء الحكومة. فالوصول إلى موقع (المسؤولية الوطنية) في السلطات الثلاث وفي الحزب أيضاً مسألة ليست صعبة جداً، لأن الأصعب منها هو النجاح بتحقيق الهدف الوطني من موقع المسؤولية في واقع يتجه فيه الرأي العام إلى طفو الحس النقدي التفكيكي التشريحي على حساب ضآلة القدرة على تقديم المقترح البنّاء، إلى أن تكون الظاهرة أشبه ما تكون (بتصفية حسابات) على حساب المواطنين الأعزاء، والوطن العزيز أيضاً.

  • وعلى أية حال: فقد كان استئناس البعثيين في بدايته تجربة مهمة وضرورية كان يُخشى خلال بدايتها إطلاق حكم النجاح عليها ليتبين فيما بعد أنها نجحت إلى حد كبير بسبب قدرة رفاقنا على تحقيق التوازن بين الخيار والاختبار.
  • هذا من جهة ومن جهة ثانية كانت قيادة الحزب مطالبة من حيث تدري أو لا تدري بتحقيق التوازن في النتائج بين متطلبات رأي البعثيين والرأي الوطني العام، بحيث لا يُفرض خيار البعثيين على الرأي العام، فلعضو مجلس الشعب مسؤولية وطنية عامة أكبر من الانتماء إلى شريحة: اجتماعية – مهنية – جغرافية – حزبية.
  • كان بعض البعثيين يطمح إلى أن يخلص التشويش على الاستئناس إلى نحو ما خلص إليه انتخاب البعثيين سابقاً لقياداتهم من حيث إعادة النظر في النتائج وفي القرار، بهدف وضع القيادة أمام خيارين (أحلاهما مر)، ولحسن الطالع لم يتحقق هذا الطموح.
  • أفادت تجربة الاستئناس من اتجاهات نقدها العديدة، وأنصتت مؤسسات الحزب إليها باحترام وثقة، ولا سيما تلك التي تناولت أثر المال والهدايا والانتماءات الضيّقة، ويبدو أن هذه المؤسسات في طريقها لمطالبة كوادرها بتقديم مقترحات لمنع ذلك مستقبلاً من خلال القدرة على وضع ضوابط لها، ومشاركة الكوادر والمؤسسات في هذه المسؤولية.
  • كان هناك تفاوت في الرأي مفاده أن الخيار الديمقراطي الحر لا يفرض على الناخبين ضرورة الالتزام القطعي بانتخاب الشباب والمرأة مقابل إسقاط حق الانتخاب سابقاً، والاستئناس اليوم، ورأى بعض رفاقنا أن هذا الفرض يتناقض من استراتيجية (التمكين للمرأة والشباب) من منطلق أن.. ما يُعطى يُسترد، وعليك أن تنتزع حضورك انتزاعاً.

… وكثير من هذا القبيل، مما يوضح أننا شعب وحزب يعرف معنى الديمقراطية، ويتمسك بها، وهو ينعم إلى حد كبير بها، رغم وطأة معتركه المصيري الذي يستمر صامداً شامخاً في مواجهته.