دراساتصحيفة البعث

صراع تجاري قد يتحول إلى حرب !

 إعداد: عائدة أسعد

يقف العالم حالياً على مفترق طرق فهناك مؤشرات لصعود قوى كامنة وتراجع قوة عالمية امبراطورية كانت لسنواتٍ قليلة ماضية قوة عسكرية اقتصادية عملاقة.

لقد كانت الأوضاع الدولية بحاجة إلى حدث جديد كي تكشف الرماد عن الجمر بعد أن شكّلت الحروب العسكرية أحد شواهدها الواضحة تاريخياً، ولكن ​الأمراض​ والأوبئة شغلت حيزاً واضحاً في إعادة تشكيل المشهد السياسي الدولي فهل نقترب من لحظة الصدام بين القوتين الاقتصاديتين الأكبر اليوم على الساحة الدولية؟ وهل أجبر فايروس كورونا الجميع على اللعب من دون قفازات؟.

يستند أليسون غراهام مدير مركز “بلفِر” للعلوم والشؤون الدولية في مدرسة كينيدي التابعة لـ ​جامعة هارفرد​ في كتابه “حتمية الحرب بين القوة الصاعدة والقوة المهيمنة” إلى نظرية للمؤرخ اليوناني القديم “ثيوسيديديس” والتي تُعرف بـ”فخ ثيوسيديديس” وتقول: “عندما تمثّل قوة صاعدة تهديداً لقوة سائدة تدّق الأجراس منذرة بأن الخطر قادم فالعالم اليوم محشور بين قوتين ​الصين​ التي ارتفع نصيبها من كعكة ​الاقتصاد العالمي​ بسرعة هائلة من حصة كانت 2% في العام 1980 إلى 18% في العام 2016 وهي في طريقها للوصول إلى 30% في المئة من الاقتصاد العالمي في العام 2040 في حين تراجعت حصة الاقتصاد الأميركي من 50% خمسين بالمئة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية إلى 16% بالمئة اليوم، وهذا مؤشر مخيف لقوة مهيمنة كالولايات المتحدة​ الأميركية، وهذا النمو الاقتصادي السريع في طريقه ليحوّل الصين إلى قوة عظمى ومنافس سياسي واقتصادي مرعب للولايات المتحدة فإذا لم تكن الصين مستعدة لخفض سقف طموحها وإذا لم تكن الولايات المتحدة حاضرة لتقاسم التفوق والاعتراف بحضور الصين فإنّ أي صراع تجاري قد يتحوّل إلى حرب كاسحة.

بناء على هذه المقاربة قد تجد الصين والولايات المتحدة نفسيهما في حرب غير مرجّحة الحدوث لكن جوزيف ناي يؤكد في كتابه “نهاية القرن الأميركي” أنّ الناتج القومي وحده ليس المعيار على قوة ​الدولة​ على الساحة الدولية لأنّ الدولة مهما امتلكت من موارد القوة الرئيسة قد تكون فقيرة في قدرتها على تحويل القوة الاقتصادية إلى قوة سياسية على المسرح الدولي وحتى لو تخطت الصين الولايات المتحدة الأميركية في الناتج الاقتصادي الإجمالي فلن نشهد نهاية القرن الأميركي.

ويتساءل روبرت كاجان المؤرخ  وأحد أقطاب المحافظين الجدد حول مستقبل القوة الأميركية في مقال له بعنوان “لم تتلاش” نشر في عدد كانون الثاني 2012 من مجلة The New Republic فهل تواجه أميركا تراجعاً في مكانتها كقوة عظمى؟ وهل يواجه الأمريكيون خطر أن تمارس دولتهم ​الانتحار​ الاستباقي الذي تمارسه القوى العظمى قبل سقوطها؟ والمقال هو إجابة بالنفي على هذين التساؤلين، وبالطبع قبل كورونا من العام 2020.

إن فيروس كورونا​ يستبيح ​الكرة الأرضية​ ويبعثر النظريّات ويخلط الأوراق ويفرمل عجلة الاقتصاد العالمي فالمطارات والحدود بين الدول مقفلة، كما يكشف الفايروس عن مكامن الضعف في النظام الليبرالي وفي الدول التي كانت نموذجاً يحتذى به إلى شهور قريبة مضت. حيث أصيبت الولايات المتحدة بالشلل على مستوى الرعاية الصحية بعد أن تخطى عدد الوفيات المئة ألف شخص واقترب المصابون من المليونين، و​الاتحاد الأوروبي​ يفقد توازنه وكل دولة تقفل حدودها على نفسها وتشرع بمكافحة الوباء منفردة وفي المطارات الدولية أعمال قرصنة للسيطرة على الكمامات والمعدات الطبية وأجهزة ​التنفس​.

​ ويرى ​جوزيف بوريل​ مسؤول العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي أن القرن الآسيوي ربما يشكّل نهاية النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، وهذا يحدث الآن أمام أعيننا ويمكن النظر إلى جائحة كورونا كنقطة تحوّل كبيرة، كما أنّ الضغط على ​أوروبا​ للاختيار بين الولايات المتحدة والصين بدأ يتزايد ويجب على الكتلة الأوروبية أن تتبّع مصالحها وقيمها الخاصة، وعليها أن تتجنّب أي استغلال لها من أي طرف ولا أحد يعرف إلى أي مدى ستأخذ الواقعية ​الجديدة​ الاتحاد الأوروبي لتغيير علاقته الاقتصادية مع الصين. لذا فإن التعمّق في فهم وقراءة مسارات النظام الدولي يظهر تراجع الاتحاد كقوة توازن في النظام الدولي أو حتى بصفته داعماً للحليف الأكبر والشريك الاستراتيجي ​الولايات المتحدة الأميركية​.

والأسئلة الأكثر أهمية حالياً هي هل نحن أمام حرب باردة أم ساخنة بين عملاقي الاقتصاد العالمي؟ وهل تريد الصين فعلاً قيادة العالم لتملأ الفراغ الذي ستتركه الولايات المتحدة الأميركية؟ إنّ تبنّي الولايات المتحدة سياسة ​الحرب الباردة​ مع الصين سيشكّل خطأ استراتيجياً فادحاً لأنّ الصين ليست ​الاتحاد السوفييتي​، وقد تشهد أمريكا تدهوراً على صعيد ​الأمن​ والازدهار وهناك دول مثل ​تايوان​ و​كوريا الجنوبية​ و​سنغافورة​ و​ألمانيا​ تعاملت مع وباء ​الكورونا​ بشكل أفضل بكثير من الولايات المتحدة، والصين لا تسعى إلى تغيير النظام العالمي بل إلى تعزيز نفوذها فيه ولا تسعى إلى فرض نموذجها على الدول الأخرى في العالم أو إلى التحكّم في السياسات الدولية.

‎ ‎إنّ تغيّراً كبيراً بدأ يحصل على مستوى العلاقات الدولية، وهناك تحرك واضح لتشكيل اللوحة الجديدة فهل تقبل الولايات المتحدة بمشاركة العملاق الصيني في قيادة المشهد الدولي؟ وكيف ستوظّف الولايات المتحدة فائض القوة العسكرية لتطويع خصومها اقتصادياً بعدما وفّرت الصين مخرجاً للدول المحاصرة، وهل يستعجل العالم التغيير أم إنّ ذلك أصبح واقعاً؟ الشهور القليلة القادمة تتكفّل بإظهار الصورة ولاسيما قبل ​الانتخابات الأميركية​ أواخر ​السنة​ الحالية.