دراساتصحيفة البعث

ميركل وماكرون يشجعان عسكرة الاتحاد الأوروبي

إعداد: هيفاء علي

 

 استقبلت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، الأسبوع المنصرم، الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في قلعة ميسبيرغ بالقرب من برلين قبيل بدء الرئاسة الألمانية لمجلس الاتحاد الأوروبي في الأول من تموز الجاري، وبالطبع جرت هذه المحادثات في خضم تفشي وباء كورونا الذي ولّد أزمة اقتصادية هي الأعمق منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وارتفاع حدة التوترات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

بعد منع المواطنين الأمريكيين من دخول أوروبا، دعت ميركل وماكرون إلى زيادة الإنفاق العسكري، والتقشف لضمان قدرة أوروبا على شن الحرب بشكل مستقل عن واشنطن، لكنهما لم يتطرقا إلى ما يعتبر البعض أنه “حرب على وشك الوقوع”، لكنهما شددا على أن الدول الأوروبية لا يمكنها التنافس مع القوى الكبرى الأخرى على مستوى العالم إلا من خلال العمل معاً.

وعندما سُئلت ميركل عما إذا كانت أوروبا ستقيم استقلالاً استراتيجياً عن واشنطن، أجابت: “هناك أسباب مقنعة للبقاء متشبثين بمجتمع الدفاع عبر الأطلسي، ومظلتنا النووية المشتركة، ولكن بالطبع على أوروبا أن تتحمّل مسؤولية أكبر مما تحمّلته خلال الحرب الباردة، نشأنا مع اليقين بأن الولايات المتحدة تريد أن تكون قوة عالمية، إذا كانت الولايات المتحدة ترغب الآن في الانسحاب من هذا الدور بإرادتها الحرة، فسنضطر إلى التفكير فيه بعمق شديد”.

ولم تذكر ميركل ما الذي يمكن أن يدفع واشنطن للتخلي عن دورها كقوة رائدة في العالم، ومع ذلك، ليس سراً أن المؤسسة الرأسمالية الأمريكية بأسرها التي تسعى للحفاظ على هيمنة العالم تتلاشى بسرعة في الولايات المتحدة، واقع الأمر أن ما “تعكسه” ميركل ورؤساء أوروبيون آخرون ليس إمكانية تغيير السياسة التي تقررها واشنطن “بإرادتها الحرة”، ولكن ترسخ الموقف العالمي من الرأسمالية الأمريكية، إذ تتزايد باستمرار الخلافات بين واشنطن والعواصم الأوروبية بشأن القضايا الدولية، وفي الوقت الذي تهدد فيه حكومة ترامب ألمانيا والصين بمئات المليارات من الدولارات من خلال الرسوم الجمركية في خضم الحرب التجارية، أعربت ميركل عن أسفها لنبرة “فظة” في السياسة العالمية.

وأثناء وصفها صعود الصين الاقتصادي بأنه “تحد كبير لديمقراطياتنا الليبرالية”، اقترحت ميركل نهجاً مختلفاً بشكل واضح عن نهج واشنطن، والذي يهدد بالتخلف عن سداد الديون الأمريكية للصين، وإرسال ثلاث طائرات لتهديد الساحل الصيني، وقالت ميركل: إن أوروبا والصين “شريكتان في التعاون الاقتصادي، ومحاربة تغير المناخ، لكنهما تنافسان أيضاً مع أنظمة سياسية مختلفة تماماً، من المؤكد أن عدم التحدث مع بعضنا البعض سيكون فكرة سيئة”.

واقترحت أيضاً تقديم تنازلات محدودة لحكومات الدول الأكثر مديونية في الاتحاد الأوروبي لكسب الدعم لمحاولة ألمانيا الجديدة لتصبح قوة عالمية كبرى، وقالت: إن ألمانيا يمكنها المساهمة بأموال أكثر في صندوق الإنقاذ الخاص بمواجهة كورونا، لأن ألمانيا لديها نسبة ديون منخفضة ويمكنها، في هذه الحالة الاستثنائية، تحمّل المزيد من الديون، وقالت أيضاً إنها يمكن أن تدعم وزيرة الاقتصاد الاسبانية نادية كالفينيو على رأس مجموعة اليورو لوزراء مالية منطقة اليورو.

في ميسبيرغ، لم تترك ميركل وماكرون أي شك في أن الطبقة العاملة ستتحمّل تكاليف الأزمة، وقالت: إن “صندوق التحفيز” الذي تبلغ قيمته 500 مليار يورو الذي اقترحته ألمانيا وفرنسا سيرتبط بالتقشف الوحشي ضد العمال، في الوقت الراهن، تعمل القوى الأوروبية بشكل وثيق لتحويل الاتحاد الأوروبي إلى تحالف عسكري يمكنه، بخلاف الناتو، أن يعمل بشكل مستقل عن الولايات المتحدة، وإذا لزم الأمر ضدها، لكن الصراعات تظهر من جديد بين العواصم الأوروبية، وعندما اقترحت ميركل أن آلية الاستقرار الأوروبية “يمكن أن يستخدمها جميع المتأثرين بالأزمة، رفضت رئيسة الوزراء الايطالية “كونتي” هذا الاقتراح قائلة: “أنا الشخص الذي يحتفظ بالحسابات، أنا المسؤولة عن الميزانية الايطالية، مع وزير المالية روبرتو جوالتيري، ومحاسبي الدولة، والوزراء الآخرين.

إن ما يبقي الحكومات الأوروبية موحدة في هذه المرحلة ليس وحدة المصالح فحسب، وإنما البحث اليائس عن حلفاء ضد الأعداء الأجانب، والطبقة العاملة في البلاد، السياسة الوحيدة التي يمكنهم الاتفاق عليها هي سياسة التقشف والقمع والعسكرة، على سبيل المثال، أرسلت وزارات الدفاع في فرنسا وألمانيا وايطاليا واسبانيا رسالة مشتركة إلى جوزيب بوريل، رئيس السياسة الخارجية والعسكرية للاتحاد الأوروبي، يدعونه فيها إلى تعزيز عسكري مشترك للاتحاد الأوروبي لمواجهة “وباء” كوفيد 19، كما دعوا إلى تعزيز التعاون المنظم الدائم للاتحاد الأوروبي في المسائل العسكرية،  وتعزيز الصناعات الدفاعية للاتحاد الأوروبي، وتطوير “بوصلة استراتيجية” تحكم المهام العسكرية المشتركة للاتحاد الأوروبي، وتكثيف العمليات العسكرية في مالي وليبيا وخليج غينيا، ومواصلة تنسيق السياسة العسكرية للاتحاد الأوروبي.

احتل التعاون مع الناتو المرتبة الأخيرة، في قسم ألزم القوى الأربع للاتحاد الأوروبي بـ “تعزيز الركيزة الأوروبية داخل الناتو”، وكذلك “تعزيز التعاون في مجال الأمن والدفاع مع المنظمات الشريكة الأخرى”، وشددوا على أنه من أجل تعزيز قدرة الاتحاد الأوروبي على القيام بأعمال عسكرية واسعة النطاق بشكل مستقل عن واشنطن، يجب ضخ الموارد المالية في آلات الحرب الأوروبية، وأضافوا: “إن بناء السيادة الصناعية والتكنولوجية والرقمية في أوروبا يجبرنا على ربط سياساتنا الاقتصادية بشكل أكبر بمصالحنا الأمنية، صندوق الدفاع الأوروبي ضروري لتمويل وتشجيع أبحاث الدفاع، وتنمية القدرات التي ستعزز قدرتنا على التصرف والاستجابة للأزمات العسكرية المستقبلية والتهديدات العالمية، ولذلك، نناشد وضع ميزانية طموحة لقوات الدفاع الاريترية كأولوية في مجال الدفاع، والاعتماد السريع لقواعد قوات الدفاع الأثيوبية، مع الاحترام الكامل للمناقشات المتعلقة بالإطار المالي متعدد السنوات”.

وبينما تستعد القوى الأوروبية للحرب، تعترف علانية بأن علاقاتها مع أمريكا تنهار، حيث أشار وزير الخارجية الألماني هيكو ماس إلى أن أي شخص يتخيل أنه مع رئيس الحزب الديمقراطي كل شيء سيعود كما كان من قبل في الشراكة عبر الأطلسي، فإنه يقلل من تقدير التغييرات الهيكلية.

بعد ثلاثة عقود على تفكك الاتحاد السوفييتي، عاد ظهور التناقضات التاريخية للرأسمالية التي أدت إلى حربين عالميتين في القرن العشرين، وعليه يجب على الطبقة العاملة أن تأخذ هذا التهديد على محمل الجد.