دراساتصحيفة البعث

أطفال اليمن والعدالة الأممية العرجاء …!

د. معن منيف سليمان

يشنّ التحالف العسكري الذي تقوده السعودية غارات جوية في اليمن، ويقترف انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ضدّ الأطفال منذ قيام هذا التحالف العدواني عام 2015، ما دفع الأمم المتحدة لوضع اسم التحالف على قائمة سوداء تعدّها الأمم المتحدة لإدانة أطراف تسبّبت بقتل وتشويه أطفال، إلا أن إعلان الأمين العام للأمم المتحدة، “أنطونيو غوتيرش”، أنه قرّر رفع اسم التحالف العربي بقيادة السعودية من القائمة الأممية السوداء الخاصة بقتل الأطفال، يجعل المؤسّسة الدولية نفسها هي المدانة، ويفقدها مصداقيتها، ويقوّض التزام الأمم المتحدة بحقوق الإنسان، ويضع المنظمة برمّتها موضع تساؤل جدّي عن عدالة أممية لا يمكن وصفها إلا بالعرجاء.

بدأت السعودية وحلفاؤها منذ آذار عام 2015، عدواناً عسكرياً، تدعمه الولايات المتحدة الأمريكية، للتدخل في شؤون اليمن، ويضمّ التحالف العربي كلاً من السعودية والإمارات والبحرين والكويت والسودان.

واتهمت مسودة تقرير للأمم المتحدة التحالف الذي تقوده السعودية بقتل مئات الأطفال اليمنيين في الحرب التي يواصل شنّها على اليمن منذ بدء العدوان، وتكشف مسودة التقرير الأممي المؤلف من 41 صفحة عن أن عمليات قتل الأطفال وتشويههم في الحرب السعودية على اليمن لا تزال الأكثر انتشاراً.

وقالت “فرجينيا غامبا”، الممثلة الأممية لشؤون الأطفال في مناطق النزاعات، في مؤتمر صحفي في نيويورك: إن عدداً كبيراً من الأطفال والمدارس في اليمن تعرّضوا للقصف من قبل التحالف العربي. وأضافت “غامبا”: إن أعداد الضحايا من الأطفال نتيجة غارات التحالف في اليمن أمر مرفوض. وفي نيسان 2019، قالت “غامبا”: إن أكثر من 7500 طفل قتلوا في اليمن منذ بدء الحرب التي يخوضها التحالف بقيادة السعودية.

وأضافت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية: إن التحالف الذي تقوده السعودية في الحرب على اليمن كان مسؤولاً عن إيقاع أكبر عدد من الضحايا في صفوف الأطفال، وقالت: إن طيران “التحالف السعودي” قام بتدمير عشرات المدارس في اليمن.

وفضلاً عن ذلك، أثبتت الوقائع أن السعودية تجنّد أطفالاً يمنيين، وتموّل مليشيات يمنية تستخدم قاصرين في القتال. ففي 3 تموز 2019، وجّه عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي رسالة لوزير الخارجية “مايك بومبيو” طالبوه فيها بتفسير قراره استبعاد السعودية من قائمة الدول المعروفة بتجنيد الأطفال في تقرير الاتجار بالبشر لعام 2019.

وأضافوا: إن مكتب مراقبة ومكافحة الاتجار بالبشر أدرج معلومات بشأن ما ورد عن تجنيد السعودية للأطفال، وأنها ربما موّلت مليشيات يمنية قد تكون في بعض الحالات استخدمت قاصرين في القتال.

وجاء في رسالة أعضاء مجلس الشيوخ أن الاستبعاد جاء في وقت تمّ فيه وضع السعودية على القائمة السوداء للدول التي فشلت في معالجة مسألة الاتجار بالبشر، ويبدو أنه يتعارض مع ما هو منصوص عليه في قانون منع تجنيد الأطفال لعام 2008.

وسبق أن قدّمت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية معلومات للأمم المتحدة عن تجنيد الأطفال في اليمن، بعدما أثار تقرير للصحيفة ردود فعلٍ كبيرةٍ وقويةٍ.

وقال المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة “كريستوف بولييراك”: إن الوضع بالنسبة للأطفال يتدهور كل يوم، وهو مروّع، كما ندّد أيضاً بارتفاع حالات تجنيد الأطفال في اليمن.

وأضاف “بولييراك”: إن نحو 10 ملايين طفل بحاجة ماسة لمساعدات إنسانية، وحذر من أن الوضع الإنساني المزري ونقص تمويل منظمات الإغاثة وصعوبة الوصول إلى المحتاجين، قد تتسبب بعدد أكبر من الوفيات بين أطفال اليمن، وحذّر من أن عدد الأطفال دون الخمسة أعوام ممن يواجهون خطر سوء التغذية الحاد، تضاعف كثيراً ليسجل أكثر من 600 ألف، مقارنة بـ160 ألفاً قبل الحرب.

ويعاني أطفال اليمن من سوء التغذية وفقر الدم والأمراض الخطيرة، فضلاً عن انقطاعهم عن الدراسة بعد أن تعرّضت مدارسهم للدمار نتيجة القصف الجوي، فأكثر من مليون طفل محرومون من التعليم، وهو عدد يضاف إلى 1.6 مليون طفل آخرين لم يلتحقوا بمقاعد الدراسة أصلاً، كما أن خطراً آخر كبيراً يتهدّد حياه أطفال اليمن، يتمثّل في الألغام التي لم يقتصر زرعها على المناطق العسكرية، بل طال أيضاً المناطق المدنية التي يفترض بها أن تكون آمنة وبعيدة عن دائرة الصراع والقتال، فالألغام خطر يهدّد حياة الأطفال الذين بترت أعضاء عدد منهم بسببها.

ولم تتوقف آثار العدوان السعودي على تدمير البنية النفسية والصحية والوجودية للطفل اليمني، بل طال الحجر أيضاً فالمؤسسات الصحية نالها نصيب من الدمار ما صعّب من مهمّة الأطفال للوصول إليها، وأكد بيان نشرته منظمة الأمم المتحدة أن التحالف السعودي يستهدف المرافق الصحية.

ونتيجة لما تقدّم أكدت مجلّة “فورين بوليسي” الأمريكية أن مستشاراً كبيراً في الأمم المتحدة أوصى بوضع التحالف العربي بقيادة السعودية على اللائحة السوداء بسبب قتل وتشويه الأطفال في الحرب.

وكان الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيرش” أدرج اسم التحالف العربي على اللائحة السوداء للدول والكيانات التي تنتهك حقوق الأطفال في اليمن. واتهم “غوتيرش” في تقريره لمجلس الأمن عام 2016، قوات التحالف بقيادة السعودية بقتل وتشويه الأطفال واستهداف المدارس والمستشفيات في اليمن.

وبدأت الأمم المتحدة بإصدار “قائمة العار” أو “اللائحة السوداء” عام 2002، وتضم المسؤولين عن انتهاكات جسيمة لحقوق الأطفال، وبينها: القتل والتشويه والتجنيد والعنف الجنسي والاختطاف والهجمات ضدّ مدارس ومستشفيات، ومنع وصول المساعدات الإنسانية للأطفال.

وكان المسؤولون السعوديون حثّوا بشكل سريّ الأمم المتحدة على الدخول في مناقشات رفيعة المستوى قبل نشر التقرير، وضغطوا على الولايات المتحدة، التي بدورها حثّت الأمم المتحدة على عدم إدراج “التحالف السعودي”، بدعوى أنه يعدّ من الظلم توريط جميع الدول الأعضاء في هذا التحالف، بمن فيهم من لم يشارك في هذه الأعمال الوحشية.

إن إدراج التحالف العربي المدعوم أمريكياً في قائمة العار قد وضع الأمين العام للأمم المتحدة “غوتيرش” في معضلة صعبة، حيث أقحم نفسه في خطر الاصطدام مع الحكومات الأكثر تأثيراً في الأمم المتحدة.

وبناءً على ذلك، استبعد “غوتيرش” في 15 حزيران 2020، التحالف العسكري الذي تقوده السعودية من القائمة السوداء للمنظمة الدولية، وذلك بعد عدّة سنوات من إدراجه عليها للمرة الأولى بسبب قتل وإصابة الأطفال في اليمن. وسوّغ “غوتيرش” قراره هذا في تقريره السنوي لمجلس الأمن أن التحالف “سيُحذف من القائمة الخاصة بقتل وتشويه الأطفال في أعقاب تراجع كبير في القتل والتشويه بسبب الضربات الجوية” وتطبيق إجراءات استهدفت حماية الأطفال.

وقالت الممثّلة الخاصّة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالأطفال والصراعات المسلحة، “فرجينيا جامبا”، في مؤتمر صحفي عبر دائرة تلفزيونية: “لم نتعرّض لأي ضغوط من المملكة، ولم يعرض علينا أحد مكافآت لعدم إدراج السعودية بالقائمة السوداء. الأمين العام اتخذ قراره بعد أن وجد انخفاضاً كبيراً ومستداماً في عدد الأطفال الذين سقطوا ضحايا للعدوان على اليمن”. وكانت السعودية قد مارست في وقتٍ سابقٍ ضغوطاً “غير مقبولة” وغير مشروعة، وهدّدت بسحب كل تمويلها المالي في المنظمة الدولية.

من جهتها، أدانت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية الدولية، قرار الأمم المتحدة، برفع اسم السعودية وتحالفها العدواني الذي تقوده في اليمن، من “قائمة العار” لمنتهكي حقوق الأطفال، رغم “الانتهاكات الجسيمة المستمرة ضدّ الأطفال في اليمن”.

وقال “جو بيك”، مدير الدفاع عن حقوق الأطفال بالمنظمة، في البيان نفسه: إن “الأمين العام جلب عاراً على الأمم المتحدة بإزالة التحالف الذي تقوده السعودية، من قائمة العار، حتى مع استمراره في قتل وإصابة الأبرياء في اليمن”. وزاد قائلاً: “أزال غوتيرش بشكل متكرر، وبلا مبرر، البلدان القوية من قائمته، رغم أدلّة الأمم المتحدة الدامغة على الانتهاكات الجسيمة ضدّ الأطفال.

وعدّت “هيومن رايتس ووتش”، أن “نهج الأمين العام في القائمة يتعارض مع دعوته للعمل من أجل حقوق الإنسان، ويثير تساؤلات حول التزامه بمحاسبة الدول علناً عن الانتهاكات المتكرّرة.

من جهتها، قالت منظمة العفو الدولية: إن ‏شطب الأمين العام للأمم المتحدة اسم السعودية من تقريره السنوي عن الأطفال في النزاعات يضع الآلية برمّتها موضع تساؤلٍ جدّي، مضيفة: “لعلّ الأمين العام للأمم المتحدة كان يأمل في أن يكون الإعلام منشغلاً فلا يلاحظ هذه الخطوة السياسية بامتياز”.

إن حذف الأمم المتحدة، بوصفها منظمة دولية معنية بحماية حقوق الإنسان، تحالف العدوان الذي تقوده السعودية في اليمن، من قائمة الجهات المسؤولة عن قتل الأطفال، يضع المنظمة موضع اتهام وتواطؤ مع المتآمرين ضدّ أطفال اليمن، ويؤكّد أن العدالة التي تتشدّق بها هذه المنظمة ما هي إلا عدالة عرجاء.