ثقافةسلايد الجريدةصحيفة البعث

أمينة عباس: لم أكن اُمثل.. عشت الحالة بكياني كله!!

من الطبيعي أن يسأل زملاء المهنة الواحدة بعضهم البعض، في حال خاض أحدهم في تجربة جريئة ومغايرة تماما لطبيعته التي يعرفونها، عن تلك التجربة بالعديد من مظاهرها وبواطنها، قد يحدث هذا وهم مجتمعون على فنجان قهوة الزميلة رئيسة القسم كما في حالنا، خصوصا وأن الطابع العام لهذا الاجتماع هو النقاش في شؤون العمل، لكن طابعه الإنساني في المكاتب الأليفة، البسيطة والمتخلية عن مفهوم الفخامة ترافق الثقافة كما روج ويروج لهذا، أو في الكافتيريا أو على هامش العمل، ومن الطبيعي أيضا عندما يجد الصحفي حالة ملفتة، تستحق الوقوف عندها، فيها قيمة مضافة وتهم من يقرأ، أن يجعلها المادة الخام للمقال الذي يبدأ بالعمل عليه، بعد أن يجد الفكرة اللامعة التي تستوقفه في الحالة ككل، وهنا كانت الحالة الملفتة، أن نجلس في صالة السينما ونحن نشاهد زميلتنا الإعلامية المخضرمة، تؤدي دور إحدى الشخصيات في واحد من أفلام مشروع سينما دعم الشباب، بل وتبهرنا والجمهور بالأداء العفوي والمتقن الذي قدمته.

التردد كان هو الحال الذي كانت عليه الزميلة أمينة عباس، وأنا أخبرها بأنني أرغب في الحديث معها حول تجربتها الفنية الأولى، والتي شاركت فيها بفيلم “أول يوم” – لوتس مسعود – المشارك في مهرجان سينما الشباب والأفلام القصيرة السابع، فالإعلامية التي تشتغل بالصحافة الثقافية والفنية بشكل خاص، خاضت في الكثير من التجارب الفنية، سواء في المسرح أو السينما أو التلفزيون، ولكن في الجهة المقابلة، أو على كرسي المشاهد بعين الصحفي، وهذه المرة الأولى التي تعبر المساحة الفارغة بين الجمهور وشاشة العرض.

ليس بالشأن الجديد أن يقوم إعلامي بالعمل في المجال الفني، ولكن في حال الزميلة أمينة عباس، فالموضوع مختلف، فبعد الكثير من الحوارات واللقاءات والمقالات الفنية سواء مع كتّاب أو مخرجين، ممثلين، مغنين، تشكيليين، وغيرهم، أجرتها في رحلتها المهنية مع الصحافة الثقافية، صارت علاقتها مع الفن عموما علاقة منذورة لصالح المهنة، كما أنها أيضا أم لفنانين شابين واعدين، حضرت معهما العديد من جلسات التصوير، وتشتغل بعناية على جعل موهبتهما تترعرع ضمن بيئة فنية صحية، بمعنى أنها لم يحدث وأن فكرت في الأمر سابقا، عدا عن كونها لم تسعَ لأجله.

تقول أمينة أنها لم تتردد لحظة واحدة في قبول عرض كاتبة ومخرجة الفيلم، عندما أخبرتها بأنها تريدها حصريا للدور الذي قدمته في “أول يوم”، وهو دور صامت يحضر فيه الإيماء – الأساس التجريدي للتمثيل أو الرقص – لكن ما يعطيه أبعاده المتعددة الدلالة والرمزية هو ما رأته “لوتس” في شخصية أمينة لتجسيدها الشخصية، التي ترمز في أحد أوجهها العامة إلى “سورية” المتشحة بالسواد، والتي تنتظر أن يجف غسيلها الأسود، في رمزيته الدالة أيضا على الحزن والدمار والخراب الذي أمعنت الحرب في إخراجه من أتونها المستعرة، تقول أمينة: “هذه الشابة هي من الأمثلة النابضة بالحياة عن طبيعة الشباب السوري الحر، الموهوب، الغني بما اكتسبه حتى من مفردات الألم، لا علاقة شخصية تجمعني مع لوتس، لكنها عندما عرضت عليّ الدور، قلت لها أني موافقة، وبأنني أعطيها فرصة أسبوع لتبدل رأيها، لكنها رأت أنني من تريد تماما للقيام بهذا الدور، وعندما سألت لوتس ما الذي جعلها تعرض الموضوع عليّ ولماذا أنا؟، أخبرتني أنها وهي تكتب الدور، كانت صورتي تروح وتجيء في خيالها”، وظيفيا، نظرة الكاتبة المخرجة الشابة عدا عن كونها ماهرة في الموالفة بين طبيعة الحدث والشخصية وما ترمز له وتريد أن توصله، لها مبرراتها الدرامية الضرورية أيضا، ففي دور شديد الرمزية كالذي قدمته أمينة وخلال بضع دقائق، ليس من المحبذ التعامل مع فنان معروف، بالإضافة للعفوية التي تبحث عنها في مؤدي الدور، ووجدتها في أمينة، وهذه نقطة مهمة في نظرة “لوتس” كمخرجة لطبيعة العمل الفني.

“لم تطلب مني أن أقوم بأي أفعال مصطنعة، بل ركزت جل اهتمامها على أن تكون العفوية في الأداء هي الأهم” تقول أمينة: “أنا لست ممثلة ولا امتلك تقنيات الممثل، لكننا جميعا لدينا مخزوننا الشخصي من الألم، الحزن، القهر، وهذا ما جعلني لا أفكر في لحظة البداية، التي كانت ربما لو فكرت فيها، لما استطعت تقديم الدور أو قمت باصطناع تمثيلي لا يخدم الفيلم، لكني تركت نفسي على سجيتها، أو دعنا نقل أنني عشت الحالة بكل مشاعري ولم أُمثل، شعرت أنني أقوم بفعل حقيقي”.

وعن الأثر الذي تركته هذه التجربة في دواخل أمينة، وإن كانت قد تجعلها تعيد الكرة كممثلة تقول: “لا أعلم، أترك هذا الأمر للأيام ولما قد يحصل، لكنني لن أنكر أنني كإعلامية مختصة بالشأن الفني، وقعت تحت الطاقة الجميلة التي تمثلها هذه الشابة، التي لو رزقني الله ابنة، لتمنيت أن تكون مثلها، تفكر خارج الصندوق، لديها طاقتها وطموحها الكبير، لديها شغف وإيمان بما تصنع، كما أنها شابة تملك طموحا كبيرا لمشاريع فنية واعدة تستحق الدعم والمساندة فيها”.

أمينة راضية عن التجربة وعن أدائها في الفيلم وتضيف: “الفيلم يقدم حالة إنسانية عالية، برمزية ذكية وبسيطة، وعندما شاهدت النتيجة النهائية مع الجمهور، فرح قلبي”.

تمّام علي بركات