ثقافةصحيفة البعث

“الحب العادي” توثيق بصري لمعاناة مرضى السرطان وقوة الحبّ!

“كيف نقول لأحد لاتموت” الجملة التي قالها توم في الفيلم العالمي “الحب العادي- 2019- إخراج جلين ليبيرين وليزا باروس ديسا، وسيناريو أوين ماكفرني، وعُرض ضمن أفلام  التظاهرة السينمائية التي أقامتها وزارة الثقافة في سينما كيندي دمشق لمناسبة اليوم العالمي للسينما احتفاء بالسينما التي تجمع كل الفنون. وربما يحرض عنوان الفيلم ذاكرة المشاهد للوهلة الأولى ولاسيما أن الأمر يتعلق بالحب، فما المقصود بالحب العادي؟ ليمتد السؤال إلى الحب الكبير أو الحب الخفي، ويتبادر إلى الذهن التوقف

هل يوجد حب غير عادي؟ ومن يشاهد الفيلم يدرك أن المقصود هو نقيض العادي لأن ما  حمله من مشاهد مؤثرة وأليمة تؤكد أن حب توم- ليام نيسون- لزوجته جوان-ليزلي مانفيل- المصابة بالسرطان ليس حباً عادياً، لأنه حب الحياة حب المشاركة ليس في الحياة الطبيعية وإنما في المعاناة الفعلية للمرض “سنفعل كلانا ما يجب فعله”.

تدور أحداث الفيلم حول الشخصيتين الأساسيتين محور الفيلم توم وزوجته جوان،  ففي ليلة الاحتفال بعيد الميلاد وإضاءة شجرة الميلاد تبدأ الأحداث لتنتهي أيضاً بليلة الاحتفال بعيد الميلاد في العام القادم وإضاءة الشجرة ذاتها.. ولكن ماذا يحدث في هذا العام من تغييرات نفسية وجسدية ومعنوية لتوم وجوان؟ وماذا يريد المخرج من إيحاءاته الصغيرة التي مررها داخل المشاهد المتسعة من حيث الزمان والمكان؟ وما دور الإضاءة الليلية وتحريك الكاميرا في أركان المنزل الفارغ من سكانه؟ كل هذه التساؤلات يفسرها الزمن الفعلي للفيلم خلال عام كامل حينما تلاحظ جوان وجود كتلة صغيرة في ثديها الأيسر وهي تستحم، وانتهاء بعيد الميلاد بعد عام إثر عملية الاستئصال وجرعات الكيماوي وتداعيات المرض.

الابتسامة البائسة

ربما يكون الفيلم أقرب إلى السينما التوثيقية من الروائية في أكثر المشاهد ليكون توثيقاً دقيقاً يسرد بحركة الكاميرا معاناة النساء المصابات بسرطان الثدي خاصة ليطال المرضى المصابين بالسرطان عامة، وتدور أغلب الأحداث في المشفى ليركز المخرج على تدرج درجة الإصابة وكيفية العلاج، والملفت أنه من خلال قصة علاج جوان تمرر الكاميرا بصمت حيناً وبحوارات مقتضبة بين المرضى حيناً آخر مشاهد حول العلاج الكيماوي وتأثيراته المرضية والنفسية على المرضى، والأكثر ألماً هو الابتسامة البائسة التي يتبادلها المرضى أثناء سريان السائل الكيماوي داخل الشرايين.

لحظات مؤلمة ومؤثرة ينطلق منها المخرج ليستكمل التوثيق بروائية عاطفية يعيشها الزوجان (توم وجوان)، وهما في منتصف العمر وما زال لديهما الأمل بحياة هادئة، ولاسيما بعد أن فقدا ابنتهما الوحيدة الشابة دون إيضاح سبب موتها بشكل مباشر ليترك إشارات للمتلقي يستشف من خلالها أنها ربما ماتت بالمرض ذاته، ليعيش توم حالة من الانهيار الصامت خوفاً من فقدان زوجته ورفيقته بعد ابنته.

ورغم الخوف والألم، ولاسيما في تفاقم الحالة وقرار الأطباء باستئصال الثديين ومعالجة الأمر الأنثوي بخيارات بديلة تختارها جوان التي تعيش صراعاً داخلياً يتنازعها بإحساسها كأنثى وزوجة، يفرد المخرج مشهداً طويلاً للمصارحة بينهما، فيقول لها توم”لاتفكري أنني أستغني عنك” ويلازم توم جوان في كل لحظة بالمشفى ويساعدها في المنزل لتتجاوز تأثيرات الكيماوي المؤلمة من غثيان وصداع وبرودة قاتلة، ليأتي المشهد الحزين حينما تمسك بيديها خصلات شعرها المتساقطة، فيساعدها توم بقص شعرها بالمقص ثم بالشفرة حتى لا تتعرض لهذا الموقف الذي يقتل الروح ويجملها بالشعر المستعار.

الدلالات الرمزية

يلجأ المخرج في السرد البصري لتفاصيل هذه المأساة بحركة الكاميرا على الباب الموارب في المنزل برمزية إلى الصراع بين الموت والحياة، ويكرر مشهد السمكة بحوض السمك في منزل الزوجين دلالة إلى الحياة وإلى الأنثى ويعمد إلى الغموض والتورية بموت السمكة، لكن سرعان ما يشتري توم سمكة جديدة برمزية أيضاً إلى الأمل الذي يتخذ مساراً واضحاً بتضمين تفاصيل صغيرة مثل شاشة التلفاز في مشفى الأورام والمشهد المتعلق بزراعة النباتات والحديث عن التفاعلات الحيوية التي تساعد المرضى. ويغيّر المخرج من مسار الدراما الواقعية البحتة بلجوء جوان إلى الحلم لترى نفسها في القطار وسط المقاعد الفارغة ويبقى توم واقفاً على رصيف المحطة.

ويدخل المخرج ضمن الخطوط الروائية خطاً اجتماعياً آخر من خلال بيتر أستاذ ابنة جوان في المرحلة الابتدائية الذي تصادفه جوان في المشفى أثناء الجرعات، وحديثها معه حول وضعهما الصحي فيصارحها بأنه في مراحل أخيرة من المرض وأن الكيماوي لإطالة عمره فقط.

مشهد البداية

في المشاهد الأخيرة يكرر المخرج مشهد الرياضة الصباحية -بمشيهما على رصيف البحر-التي يقوم بها الزوجان، وتلتقط الكاميرا حركة السيارات والمارة دلالة على استمرار الحياة، ليأتي الاحتفال بعيد الميلاد الجديد بعد شفاء جوان وتجاوزها محنة المرض بالحب، ليقرأ المشاهد عنوان الفيلم بمعناه الحقيقي.

ملده شويكاني