تحقيقات

لاختلاف الزمن والظرف.. تباعد في الأفكار بين الأجيال ورفض شبابي لمشورة الكبار!

“الحياة لا تعيش في منازل الأمس” الواقع الذي نعيشه كشباب وأبناء القرن الحادي والعشرين يختلف عن أمس الأجداد وربما الآباء، فلم نعد نستطيع أن نربى على عاداتهم أو نسمع نصائحهم، إذ نشعر بأنها بالية وقديمة رغم خروجها من أفواه الحكماء وحاجتنا لها في الظروف الصعبة، “ليبرم الدولاب” ونعاني مع أبنائنا كما عانى آباؤنا معنا.

احترام دون مشورة
لكل زمان أناسه لكن ينبغي أن لا ننسى احترام الكبار والأخذ برأيهم حتى وإن لم نعمل بها فالواجب يحتم علينا إبداء اهتمامنا بالوالدين وعكس ذلك يشعرهم بالضعف وربما الإهانة .
” لا تؤدبوا أولادكم بأخلاقكم لأنهم خلقوا لزمان غير زمانكم”، يقول أبو عيسى الرجل السبعيني والذي كان يعمل كمدير مدرسة ابتدائية: أبناؤنا أبناء الحياة نسعى في الكثير من الأوقات لنقل خبراتنا المتراكمة لهم، لكن للأسف لا نستطيع ولم نعد في ظل التطور الحاصل أن نجبرهم على الاقتداء بأفكارنا أو الاتعاظ بها، من جهتي أقوم بتقديم المشورة رغم معرفتي المسبقة بأنهم لن يعملوا بها، لكن للأمانة أرى الإصغاء عند بناتي أكثر من ابني البكر، فرغم ثقافتي المحدودة يعتقد ولدي أنها لم تعد تصلح لجيله، ولاسيما أنني بت جداً لعدة أحفاد، ما يعزز فكرته بأن مشورتي ورأيي بهذا الزمن لا تصلح لحياته، أبو رواد وأم رواد ” الأب عامل بأحد القطاعات الخاصة والأم ربة منزل” يشرحان كيف أن الاحترام قائم بينهم وبين أبنائهم والمشورة تقدم للأولاد لكن لا يعملون بها، فرواد حسب حديثهما مهندس ميكانيكي يصغي لوالده لكنه قلما يعمل بمشورته بحجة تغير الزمان والأمور لم تعد تحل بطريقة الأب، يقول أبو رواد: أحزن وأترحم على أيام أبي وجدي لكن فعلاً “كلشي اختلف ياعمو”.

فجوة الأجيال
قد تكون التكنولوجيا قدمت كل شيء، لكن من المؤكد أنها عجزت عن تقديم الشعور والخوف الذي نراه بعيون الراشدين عند تقديم النصح بالتالي الخبرة عبر الشاشة تبقى صوراً متحركة لا إحساس فيها.
تيماء طالبة سنة ثانية فيزياء رأت أن العالم بات منفتحاً على بعضه فالتكنولوجيا والأنترنت تقدم ليس فقط المعلومة بل المشورة أيضاً عبر تجارب تتحدث عن أمور تحاكي الواقع وتتطرق لكل مشكلات الشباب ومن وجهة نظرها لم يعد هناك داع لسؤال الأم والأب فالكمبيوتر زلل تلك العقبات، أما بتول طالبة علوم سنة ثالثة فتقول: لا أستطيع الإفصاح عن رأيي أمام والدي لأنه لن يتقبله ولاسيما أنني ابنته الوحيدة، وهناك فارق بين أيامه وأيامنا فالعالم بات قرية صغيرة وشبكة الانترنت تقدم للشباب كل شيء دون تذمر، والدي لم يقتنع بعد أن جيله وجيل جدي يختلفان عن زمني وجيلي، فالحياة تضج بالحركة والنشاط وأنا أريد تجربة كل شيء لكن ضمن المعقول وبنظر أبي وجدي مازلت صغيرة و”الفتاة ضلع قاصر” بالتالي لا يجوز أن أتصرف بحريتي، ورغم ذلك أظهر لهما الاحترام والود والإصغاء.
التكنولوجيا لم تكن السبب الوحيد وراء الابتعاد عن مشورة الأكبر سناً فالحرب كان لها دور، برزان “خريج تجارة واقتصاد” يرى أن هناك فجوة بين جيل الأمس واليوم فما مرت به بلادنا من ظروف قاسية جعلت الصغير كبيراً ولم يعد أحد يستشير أحد فكل واحد على حد تعبيره بات رجلاً بعمر مبكر ورغم ضرورة و”بركة” الكبير في البيت يقول برزان: بتنا لا نستشيرهم بشيء للأسف، وهذا أمر محزن لهم إذ يرون أنفسهم أعلم منا وذلك من مبدأ “أكبر منك بيوم أعلم منك بشهر” وكثيراً ما تكون آراؤهم صائبة لكن نحن من أصبحنا لا نعود لكبيرنا بشيء.

فقدان التواصل
أثرت التحولات الاجتماعية التي تعيشها البلدان العربية على العديد من القيم الأخلاقية، وتتم ملاحظة تراجع احترام الصغار للكبار، وفي علم الاجتماع يعتبر هذا الأمر عائداً لسلوكيات الفرد فلا يمكن فرض احترام شخص لمجرد أنه متقدم في السن بل يمكن أن يكون قادراً بفعل شخصيته وسلوكه على فرض احترام الآخرين له والابتعاد عن العادات التي تسبب سوء العلاقات، ومن بينها الصراخ الدائم في أي مناسبة ولأبسط الأسباب.

تقول الدراسات
تقول دراسة ألمانية أنه وعلى عكس الأجيال السابقة الذين تربوا على قيم معينة، فإن أبناء الجيل الحالي غير مشروطين على احترام الأكبر منهم سناً، وعلى الرغم من أن بعض الشعوب ربما في الشرق مازالت تولي أمر احترام كبار السن اهتماماً وتبجيلاً، إلا أن المناخ العام يؤكد أن ثقافتنا باتت تمجد مرحلة الشباب أكثر، فأصبحنا في أغلب مرافق الحياة نعطي أولوية لجيل الشباب في مظهرنا وكلماتنا وحتى أفعالنا، ويلجأ العديد من متوسطي العمر وكبار السن بمستويات عمرية مختلفة إلى اقتناء الأزياء الشبابية فأصبحت ملابس الجينز شائعة عند الجميع، ويمكن أن نرى جد وجدة يقودان أحفادهما للتنزه وهما يرتديان بناطيل الجينز الضيقة.

لاغنى عنهم
الخبيرة الاجتماعية هيام عبده ترى أن الكبار في السن باتوا أكثر اختلافاً مما كانوا عليه قديماً، فالمظهر واللباس والرهبة التي اعتدنا عليها اختفت عند معظمهم، ويحاول البعض منهم اللحاق بركب الموضة من عمليات تجميل وصبغ الشعر واستخدام الوشم، مايفقدهم الاحترام حتى في أوساطهم أي الكبار في السن، ويلجأ العديد من المراهقين إلى السخرية منهم وعدم إظهار الاحترام لهم، لأن ذلك مخالف تماماً لصورة الجد والجدة التي اعتدنا عليها، وهذه النماذج من الصعب احترامها والاقتداء بها، في المقلب الآخر يعتقد شباب اليوم أنهم معلمو أنفسهم عبر اطلاعهم على كمية غير محدودة من المعلومات وسرعة الوصول إليها عبر التقنية المفتوحة التي يوفرها الأنترنت، ويعتقدون بذلك أنهم متساوون مع آبائهم وحتى معلميهم لذا بالإمكان الاستغناء عن آرائهم بحجة أنهم على درجة واحدة من الدراية والذكاء، تضيف عبده: تلك القناعة ما تلبث أن تسقط عند أول مواجهة حقيقية مع الحياة، فالتجارب الحياتية التي خاضها الكبار تنقص شباب اليوم وعند وقوفهم أمام مفترق طرق يتأكدون من حاجتهم إلى اليد التي تنشلهم باستمرار وتوجههم إلى الطريق الصحيح، لذلك على الراشدين مسؤولية توضيح الفكرة إلى الأبناء واختيار الأسلوب الصحيح في توجيههم وتجنب الطريقة المباشرة في إصدار الأوامر والإنذارات لأنها الطريقة الأسوأ في التربية، بدورها المرشدة الاجتماعية والنفسية لمى الصفدي تقول: إن أغلب الآباء والأمهات مازالوا يعيشون على جيل آبائهم وأجدادهم “عيب وحرام” لذلك لا يوجد توافق بين الجيلين، والحل بإيجاد هذه الحلقة المفقودة بأن ننسى الثقافات والتفاصيل القديمة دون نسيان الأصالة لكن علينا أن نعيش أيام وتفاصيل أولادنا وأن نتقرب منهم للحد من الغربة بين الآباء والأبناء، وعلينا أن نكون أصدقاء أولادنا وأن نصغي إليهم دون الجمل المتعارف عليها “غلط غلط لأ مو صح” من الضروري أن نشعرهم بأننا موجودون وجاهزون لتقديم المشورة والنصح دون إلقاء الأوامر.
نجوى عيدة