ثقافةصحيفة البعث

مصر تودع سمراء القاهرة وملكة جمال قطنها

“بقيت لآخر لحظات حياتها تمارس إنسانيتها.. توزع طاقة حبها للناس.. وتقوم بواجبها تجاه أحبائها رغم مرضها الشديد.. كانت رقيقة وحنونة وروحها طيبة”. صباح أول أمس الأحد لفظت الفنانة رجاء الجداوي أنفاسها الأخيرة بعد تدهور حالتها الصحية بسبب إصابتها بفيروس كورونا أثناء تصوير الحلقات الأخيرة من مسلسل “لعبة النسيان”، لم تصمد أمام الفيروس، وبقيت متواجدة في المستشفى لمدة 43 يوماً في العزل الصحي بمستشفى أبو خليفة بالإسماعيلية المدينة ذاتها التي شهدت ولادتها عام 1938 في السادس من أيلول وشهدت الفصل الأخير من حياتها.

الفرنسيسكان والأتيكيت

انتقلت رجاء الجداوي إلى القاهرة وهي طفلة برفقه شقيقها الأكبر للإقامة مع خالتها الفنانة تحية كاريوكا التي تولت رعايتهما، والتحقت بمدارس الفرنسيسكان بالقاهرة، حيث تعلمت الفرنسية والإيطالية في سن مبكرة، ثم عملت في قسم الترجمة بإحدى الشركات الإعلانية. ولطالما جسدت أدوار الفتاة أو المرأة المهتمة بتفاصيل الحياة الراقية من بروتوكولات الجلوس والتعامل والتحدث، ولكن الحقيقة أنها صفة متأصلة بالفنانة الراحلة، وفي إحدى تصريحاتها عن حياتها قالت رجاء الجداوي: “انفصل والدي عن والدتي وكانت سيدة عظيمة تفرغت لتربيتنا حتى حضرت للقاهرة أنا وأخي الأكبر (فاروق) لمنزل خالتنا تحية التي تولت تربيتنا، وأصرت خالتي على إلحاقي بمدرسة أجنبية هي مدرسة (الفرنسيسكان) التي لم يكن يلتحق بها سوى علية القوم. لم تبخل أبداً في إنفاقها علينا وتعلمت في سن مبكرة الفرنسية والإيطالية، وكان لوجودي في هذه المدرسة دور كبير في تعلم أصول (الاتيكيت) والنظام، وهو ما ساهم في تكوين شخصيتي كفنانة وإنسانة، وفي المدرسة تربى بداخلي منذ الصغر الاستقرار وعشق القراءة للأدباء العالميين باللغة الإنكليزية دون أن أهمل القراءة لأدبائنا العرب، وقد اشتهرت المدرسة بفضل دراستي بها بعد ذلك وحتى اليوم يقولون الفرنسيسكان بتاعة رجاء الجداوي”.

عالم الأزياء وسمراء القاهرة

تميزت رجاء الجداوي داخل المجتمع الفني خاصة والمصري عامة بأناقتها وشياكتها ولمساتها الرقيقة، فلم تكن ممثلة قديرة وفنانة متميزة فقط، بل كانت أشهر عارضة أزياء في مصر والعالم العربي في الستينيات، فكانت للفنانة الشهيرة رحلة مع الجمال والموضة وعالم الأزياء، وذلك بعد أن لقبت بملكة جمال القطن المصري عام 1958.

خطت الفنانة الراحلة أول خطوة في عالم الأزياء من خلال مشاركتها في عرض أزياء عام 1961، وكانت أول عارضة أزياء مصرية، حيث لم يكن هناك فتاة مصرية تعمل في هذا المجال، والذي كان مقتصراً على فتيات الجاليات الأجنبية التي تعيش في مصر، ولكن رجاء تحدت كل هذا وأثبتت جدارتها وتميزها في مجال عشقته، وهذا وهبها فرصة كبيرة لتعمل مع مجموعة من أشهر مصممي الأزياء في العالم ومن بينهم كوكو شانيل.

ولقبت أيضاً بلقب “سمراء القاهرة” أثناء حضورها إحدى الحفلات مع والدتها وشقيقتها في حديقة الأندلس كان عمرها وقتها 15 سنة، وكان الحفل لاختيار فتاة ذات بشرة مصرية، وخلال تواجدها بالصدفة في الحفل لم يجدوا فتاة مناسبة بين المتقدمات للمسابقة، فقرروا البحث بين الحضور واختاروها، وهذه الصدفة كانت خطوه لاختيارها “ملكة جمال القطن المصري”، وكانت التصفيات للمسابقة تجري في باريس، ووجدتها فرصة لتسافر وتستكمل دراستها.

أعمالها

تعد رجاء الجداوي من أقدم الفنانات العربيات اللواتي لم يغبن عن الشاشة، إذ كانت بدايتها الفنية من خلال فيلم “غريبة” عام 1958 مع المطربة نجاة الصغيرة، ولم تنقطع سواء في السينما أم التلفزيون أو المسرح على مدى أكثر من 60 عاماً.

شاركت في فيلم “دعاء الكروان” من بطولة فاتن حمامة وأحمد مظهر، وتميزت وقتها بوجهها المألوف على الشاشة، وكان الدور الذي لفت الأنظار إليها مشاركتها في “إشاعة حب” مع عمر الشريف وسعاد حسني، ومن أعمالها السينمائية أيضاً “مخلب القط” و”الضوء الخافت” و”الفرسان الثلاثة” و”القاهرة في الليل” و”معسكر البنات” و”كرامة زوجتي” و”بابا عايز كده” و”أيام الحب” والكثير غيرها.

أول مسلسل لها كان “دارت الأيام”، مع المخرج أحمد توفيق، ومن أعمالها الدرامية مسلسل “جراح عميقة” و”القاهرة والناس” و”الدوامة” و”الهروب” وأحلام الفتى الطائر”.

تعتبر فترة الثمانينيات والتسعينيات الأهم لأعمال رجاء الجداوي، منها أفلام “موعد على العشاء” و”انهيار” و”حدوتة مصرية” و”بريق عينيك” و”تجار السموم” و”امرأة مختلفة” و”ثمن الغربة”، ومسلسلات “خطوات الشيطان” و”تزوج وابتسم للحياة” و”هند والدكتور نعمان” و”أولاد آدم” و”وكسبنا القضية” و”أنا وأنت وبابا في المشمش” و”قصر فوق الرمال” و”العائلة” والثعلب” و”هارون الرشيد”.

وبعدها استطاعت أن تحافظ على حضورها مع جيل الشباب فشاركت في أفلام مثل “ليه خلتني أحبك” و”السلم والثعبان” و”فيلم ثقافي” و”العاشقان” و”سهر الليالي” و”ولا في الأحلام” و”قلبي يناديك”، “أنت عمري” و”كامل الأوصاف” و”أحلام الفتى الطايش” و”تيمور وشفيقة” و”بنات عمري” و”المش مهندس حسن”.

جُمان بركات