الصفحة الاولىصحيفة البعث

الانتخابات الحزبية.. ودورها في التنمية!!

محمد عبد الكريم مصطفى

ترددت كثيراً قبل البدء بالكتابة عن الانتخابات الحزبية، على اعتبار أني شاركت بهذه الانتخابات كمرشح وناخب لثلاث مراحل قيادية خلال العام الجاري، على مستوى مؤتمر الشعبة، ومؤتمر الفرع، والمؤتمر الفرعي الموسع لاختيار قائمة البعث لعضوية مجلس الشعب، وتولدت لدي العديد من الملاحظات التنظيمية والاجتماعية وأثر الواقع الاقتصادي والمعيشي للقاعدة الناخبة في تحديد نتائجها، والمنعكسات المختلفة للعملية الانتخابية على الساحة الحزبية بشكل خاص، وعلى ساحة الجماهير الشعبية بشكل عام، تجاه حزب قائد في الدولة والمجتمع سابقاً، وحاكم للدولة بقوة نتائج صناديق الاقتراع، ويحمل ذات الواجبات تجاه المجتمع الذي اختاره للحكم وفق الدستور القائم للبلاد.. لكل هذا وذاك، وجدت من المفيد الإضاءة على تلك الملاحظات ودورها في التنمية العامة التي تسعى للوصول إليها الحكومة وقيادة الحزب بآنٍ معاً، في خضم التجاذبات الإعلامية المتباينة بين مؤيد ومحايد وبين رافض إلى درجة اتهامها بضرب الصف الوطني نتيجة ما يكتب عنها وعليها في وسائل الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي المعادية التي تتلقف الخبر وتعيد صياغته بما يُسيء للدولة والمجتمع ويشاركها بعض رفاقنا – ربما عن غير قصد – وبحالة من التشفي من نتائجها.

في واقع الأمر، قرار العودة إلى صناديق الانتخاب لاختيار القيادات الحزبية في صفوف حزب البعث العربي الاشتراكي هو قرار حكيم وصائب، ويُشير إلى مكامن القوة التي يختزنها البعث في محبة جماهيره العربية في سورية وخارجها، وتحملها بكل امانة أدبياته الفكرية والممارسات النضالية لكوادره التي صقلتها معارك عديدة على مدى ثمانية عقود ماضية واجه خلالها حزب البعث أبشع أنواع المعارك الإعلامية والفكرية والعسكرية، كان آخرها الحرب الإرهابية القذرة التي فُرضت على سورية مستهدفةً قيادة البعث ومنهجه القومي العروبي خدمةً للمشروع الصهيوني المعد بدقة فائقة للسيطرة على المنطقة بكاملها، والذي يستحيل مروره دون تركيع سورية كأهم قوة في خندق المقاومة ضد الاستعمار الجديد.

كما أن قرار القيادة المركزية جاء تلبية لمطالب الجماهير البعثية بتحمل مسؤولياتها تجاه اختيار قياداتها.

السؤال التي يفرض نفسه، هو: هل تم تنفيذ الانتخابات الحزبية في أجواء من الحرية التامة للناخب، وعكست الإرادة الحقيقية له كتعبير صادق للحالة الديمقراطية الصحيحة في اختيار الكفاءات والخبرات العلمية ذات التاريخ النضالي المشرف والسلوك الذي أثبت أنها القدوة؟ وهل نتج عن تلك الانتخابات اختيار القيادات التي لديها القدرة على خلق ظروف مواتية لعودة العجلة إلى قطار التنمية المنشود، الذي توقف في الكثير من المواقع نتيجة الحرب من جهة، إضافة إلى تعليق الجهات الرسمية (وشبه الرسمية) – المهملة في واجباتها والفاسدة – تقصيرها على شماعة الحرب، متناسيةً أن دورها الحقيقي هو مواجهة الحرب وإيجاد بدائل مناسبة لكل مسببات وقف التنمية الوطنية الشاملة، إضافة إلى دورها الأساسي في الحفاظ على مستوى معيشي لائق للمواطن السوري ليشد من عزيمته في التمسك بخط المواجهة ومقاومة الحرب دون ضعف؟

في الحقيقة، ومن خلال تقييم واقعي – وأعتقد أنه موضوعي – لما حدث في الانتخابات الحزبية بمراحلها المختلفة، كان هناك حلقات من الخلل التنظيمي، رافقتها نتائج غير معبرة عن إرادة حرة للناخب، منها استمرار القيادات على رأس عملها وهي مرشحة بالوقت نفسه، حيث قال أحد الرفاق في القيادة المركزية موجهاً كلامه لهذه القيادات التي حصلت على المراتب الأولى في الانتخابات: “لو لم تكونوا على رأس عملكم في قيادة المؤسسة الحزبية، لم ينتخبكم الناس بهذا الشكل”!؟ وكان من الأفضل لو اختارت القيادة المركزية قيادات حزبية مؤقتة للمؤسسات الحزبية من غير المرشحين للإشراف على الانتخابات الحزبية في كافة المستويات، وكانت النتائج ستكون مختلفة بكل تأكيد عما شاهدناه، وتعبر عن إرادة حرة للناخبين.

كانت توجيهات الرفيق الأمين العام للحزب السيد الرئيس بشار الأسد التي بثها عبر رسالته المكتوبة للبعثيين قبل سير عملية الاستئناس الحزبي لاختيار قائمة البعث لعضوية مجلس الشعب البلسم الذي أنعش الأمل في نفوس الرفاق المرشحين المتسلحين بكفاءاتهم الذاتية وتاريخهم النضالي في الحزب والدولة، لكن السؤال: هل تم ترجمة توجيهات الرفيق الأمين العام للحزب من قبل القيادات الحزبية المشرفة على الاستئناس بأمانة؟ وهل كانت قيادات الفروع والشعب على مسافة واحدة من كل المرشحين؟ للأمانة، لا نملك الوثائق التي تدين فلاناً أو علاناً من تلك القيادات، لأنها أذكى من أن تترك خلفها وثائق تدينها، لكن الأمور تُقرأ بنتائجها، وتشير بشكل شبه مؤكد (وربما لمست ذلك الجهة المشرفة من القيادة المركزية) إلى عدم الالتزام التام بالتوجيهات، إضافة إلى وجود ما يُثبت التشكيك بتقيد قيادات الفروع والجهات الفاعلة الأخرى (اقتصادية وسلطة تنفيذية) بهذه التوجيهات. وعلى العكس، بعض هذه القيادات كان يتحدث علناً عن وقوفه إلى جانب فلان من المرشحين، وآخرون يقولون أمام رفاقهم الناخبين: “هذا الفلان خط أحمر وهو خيار القيادة؟”.

وفي المؤتمرات الانتخابية وفق قرار القيادة والنظام الداخلي للحزب، تكون للمؤتمر قيادة منتخبة من قبل هيئة الناخبين، وهي مؤلفة من رئيس مؤتمر ومقررين إضافة إلى عدد من الرفاق أعضاء المؤتمر تقدره رئاسة المؤتمر والجهة المشرفة، كمساعدين في إنجاز العملية الانتخابية وفرز الأصوات من غير المرشحين، ويتم الموافقة عليهم من أعضاء المؤتمر، وهذا ما لم يحصل في مؤتمر انتخابي موسع لاختيار قائمة البعث لعضوية مجلس الشعب، ما أدى لفوضى ومشاركة ما هب ودب في فرز الأصوات، ونتج عنه اعتراضات كثيرة نتيجة تلاعب البعض – غير المعروف أساساً من هو، وكيف شارك في عملية الفرز – ما اضطر القيادة لإعادة فرز الأصوات، كما حصل في فرع طرطوس!

في النتيجة، المطلوب من كافة الرفاق والناس احترام خيار الناخب مهما كانت نتيجته، وليس من الخطأ الإشارة إلى مواقع الخل والأسباب المحيطة بها والخلفيات الناتجة عنها؛ ومن المفيد للحزب وسمعته الجماهيرية وتاريخه العطر في نفوس الناس ان تعيد القيادة المركزية دراسة التجربة بكل موضوعية وبيان السلبيات وتجاوزها في المراحل القادمة، وتحديد الإيجابيات وتعزيزها لكي نسمو بحزبنا إلى مصاف الأحزاب العالمية الأكثر شعبية والأكثر التصاقاً بمصالح الطبقات الكادحة التي حمل عبء الدفاع عنها طيلة تاريخه النضالي المشرف، وهذا لن يُكلل بالنجاح إلا من خلال محاسبة كل من يُثبت التدقيق والمراجعة دوره في مخالفة توجيهات القيادة، والتدخل، بشكل مباشر أو غير مباشر، بما يخدم مرشحين محددين يتبادلون المصالح الذاتية معاً.. وللحديث بقية!!

Mohamad.a.mustafa@Gmail.com

30 /6 / 2020