ثقافةصحيفة البعث

معرض الربيع للشباب.. “مكانك راوح”!

تأخر معرض الربيع للشباب هذا العام بسب جائحة كورونا، لكن تم افتتاحه نهاية الأسبوع الماضي في خان أسعد باشا بحصيلة وصلت إلى 60 عملاً نحتياً ولوحة تصوير زيتي وحفر، هذا التأخير في العرض لم يستثمر لصالح إصدار بروشور مرافق للمعرض حتى بصيغته الإلكترونية ولا لتحسين جودة العرض أو سوية الانتقاء من الأعمال أو مستوى التحكيم ومعياره الذي ظهر متواضعاً من خلال بعض الأعمال التي دخلت المعرض بصفتها منفذة من قبل الفنان الشاب، والتي تظهر فيها أصابع الفنان الأستاذ الذي نفذ اللوحة من جهة وبعض الأعمال الفائزة بالجوائز من جهة أخرى، حيث نالت بعض الأسماء

المعروفة الجائزة بناء على نشاطها التشكيلي السابق وحضورها الاجتماعي وليس على مستوى العمل المعروض أمام لجنة التحكيم!؟، ما يضع أكثر من علامة استفهام عن معيار تقييم اللوحة وعن معنى أن تتضمن اللجنة رأياً متحيزاً لشخص الفنان الشاب وليس للوحته التي قدمها، وعلى مستوى من الجدية والبحث وتوفر الموهبة!؟.

كما غاب عن المعرض مشاركات عديدة لبعض الفنانين الشباب المعروفين بتجربتهم الواعدة خلال السنوات الماضية، هؤلاء الذين حصلوا على جوائز في المعارض السابقة، وأقاموا ورشات فنية ومعارض ناجحة، نراهم اليوم في غياب عن المشاركة، ما يفرض سؤالاً عن أسباب هذا الغياب.. ملاحظات  كثيرة تضع الحوار حول فن الشباب أمام مسؤولية الجميع وعن الأداء الأفضل من قبل المؤسسة الثقافية واتحاد الفنانين التشكيليين للأخذ بيد هذه المواهب نحو ضفة أوسع فضاء للتجارب الجديدة وتشجيعها، وليكن في الحد الأدنى تأمين مستلزمات العرض الصحيح أو السعي نحو توفير بعض الأساسيات اللازمة التي تتطلبها العروض التي تهتم بمشاغل الفن المعاصر وتتبنى الأفكار الأكثر جرأة في التعبير، ما يتوجب دعوة أكثر من مؤسسة حكومية وخاصة لتساهم كشريك ثقافي حقيقي.

توزعت الجوائز على التصوير الزيتي والغرافيك والنحت التي كانت من نصيب كل من روناك أحمد وشهد الرز عن أعمال صغيرة الحجم لا تتجاوز الـ40 سم، وبقية الأعمال يغلب عليها غياب المادة عالية التكلفة “البرونز– النحاس – الألمنيوم”، كما يغيب مفهوم النحت الحقيقي عن معظم الأعمال ذلك الفن الذي يجسد ملامح الفن العظيم الخالد الذي منح الجمال المجسد في الحجر أو المادة النبيلة صفته التاريخية واستبدل بتشكيل الكتلة المعزولة عن سياقها التعبيري الزماني والمكاني في خلط بين العبث ومطواعية المادة، واستسهال تشكيلها، ما يقدم مؤشراً على ضعف الحالة المادية لأغلب النحاتين، خاصة أولئك الذين يتطلب عملهم مواد ومعدات عالية التكلفة، ولا سيما أن النحات يحتاج لأكثر من قالب وأدوات صب ونحت ولمكان الورشة التي تمكنه من القيام بإنجاز أي منحوتة.

في الحفر تظهر براعة الفنان وخبرته التقنية في العمل مثلما تتوضح مساعيه للتعبير عبر خامة محدودة وحيادية كالورق أو الكرتون تتجلى عليها النسخة الأفضل من العمل الأساسي أو الكليشة المحفورة على مختلف المواد المتاحة كالزنك واللينيليوم والمعدن أو الخشب والحجر، ضمن هذا المجال التقني تتكشف حساسية العين الخبيرة في اكتشاف أوسع طيف رمادي من الألوان بين الأبيض والأسود من خلال التهشيرات التي تحدثها الآلة الحادة أو رأس المنقاش، ويعزز العمل بعائلة محددة من اللون الحيادي كالبني أو الترابي المائل للصفرة، أغلب الأعمال المعروضة من الحجم الصغير والمتوسط وبعضها ضئيل الحجم منفذ بطريقة التبصيم وبألوان إعلانية غير ذي قيمة تعبيرية للفنان علاء شرابي، وقد حصل العمل على جائزة، ما يضع لجنة التحكيم أمام السؤال عن معيار لوحة الحفر الجيدة؟ بينما حصلت الفنانة علياء النحوي على جائزة تستحقها وذهبت الجائزة الثالثة للعمل المميز للفنان إميل عفلق، وتميزت أعمال أخرى لبعض الفنانين من الحفارين منهم الشابة هبا عطاف.

شكل التصوير الزيتي الجسم الأساس لمعرض الربيع كالعادة في كل المعارض الجماعية السنوية، وتنتقى من جسمه اللوحة الفائزة بالجائزة الكبرى كالعادة! – ربما هي عادة غير عادلة –فمن الجدارة أن يحصل عمل نحتي أو غرافيك على هذه الجائزة، وفي هذا المعرض أكثر من لوحة حفر أفضل من اللوحة الفائزة بالجائزة التي حصلت عليها الفنانة منار الشوحة،  ولا نقصد هنا أن مستوى اللوحة سيىء بل هناك ما هو متقدم عليها في الغرافيك من جهة ومن جهة التصوير هناك اللوحة الفائزة الثانية للفنان أبو سعدة هذا الفنان المصور المتميز بين أقرانه بلغته البصرية الذكية والتحليلية مستخدماً مجموعة لونية مدروسة وواسعة الطيف ضمن العائلة اللونية الواحدة، كما استحق كل من مهند السريع وأحمد جميل قاشا وبيان الشامي على بقية الجوائز، وتميزت أعمال الفنانة جهيدة بيطار وسارة يوسف وأسمى الحناوي وآلاء فاخوري.

عرض في زاوية مرافقة أعمال فيديو آرت وغابت المحاولات التجديدية المنتظرة من الشباب، حيث من المتوقع أن نشهد عملاً مفاهيمياً أو تركيبياً جديداً يغير من معادلة الثابت المقبول ويطيح بأعمال مشاريع التخرج المتفق عليها ضمن محترف الجامعة وتحت وصايا المعلم، حيث يغيب الفن وتحضر علامات القبول والتشابه ونبقى في “مكانك راوح”.

أكسم طلاع