ثقافةصحيفة البعث

رومانسية وتقاطعات إنسانية في فيلم “لم يرحل أبدا”

إننا ندور في حلقات مفرغة”، هذه الجملة قالتها سويونجين بطلة الفيلم الصيني “لم يرحل أبداً” إخراج تشو تورو، بطولة النجم كريس وو-تشانج- و-وليوييفي-سويونجين في نهاية قصة حب رومانسية استمرت سنوات وتعرضت لانقطاعات وعودة وتوازت مع الزمن الفعلي للفيلم الذي استمر منذ عام 2007 إلى 2015. وقد وظّف المخرج الطبيعة بومضات ساحرة عبّرت عن الحدث الرومانسي فأشرك القمر في اللقاء العاطفي، والعاصفة المطرية والطرقات المشجّرة، لتلتقي بإيحاءات رمزية بمرور الكاميرا على ضفة النهر الكبير وعابرات المياه إيماءة إلى مرور الزمن، ليكون لمحطة القطار دور كبير في المشهد الفاصل بمشهدية مركبة تجمع بين الزمان والمكان والحسّ الإنساني، ما يشير إلى إيجاد تقاطعات إنسانية تلتقي معها مختلف الشعوب ليست فقط بالرومانسية واللقطات التقليدية التي غدت شبه عالمية وبعلاقة الحب، وإنما بتضمين الطقوس الاجتماعية وملامح من التراث الشعبي.

يدور المحور الأساسي للفيلم حول الفوارق الطبقية التي لا تستطيع ظاهرياً أن تفرّق بين الحبيبين لكنها فكرياً تضعهما على المحك، إضافة إلى وجود أشخاص من الطبقة الوسطى ذات العيش الهادئ تستغل الفرصة، وبعض قصص حب ثانوية ارتبطت بالأحداث من خلال علاقات الصداقة.

من النهاية إلى البداية

اللافت أن الفيلم أوحى منذ البداية بأنه رواية سردية بصرية بدأت في عام 2015 بجزء من المشهد الأخير الذي كانت فيه سويونجين تبحث عن شركة ضخمة وتتجوّل بين الشوارع، وتقرأ عبر المونولوج الداخلي ما يدور في خاطرها من أفكار جعلتها تعتقد أن الذكريات تذوي مع السنوات الساكنة وتصبح باهتة، لتبتعد الكاميرا عن اللقطات الواسعة من الأعلى للمدينة الكبيرة المتصفة بالأبنية المرتفعة والحضارة العصرية، وتعود إلى سويونجين الهادئة التي تستحضر القصة من بدايتها منذ عام 2007 فيمضي صوتها مع حركة الكاميرا لتتصاعد الأحداث من مرض والدها، الذي اشتد وانتقالها من الضاحية إلى المدينة للالتحاق بالمدرسة الثانوية لتحصل على علامات أفضل تؤهلها لدخول الجامعة، فيتناول المخرج بفنية غير مباشرة هموم ومعاناة الطبقة الوسطى والفقيرة التي تعمل على إيجاد قوت يومها بمفارقة مع الطبقة الثرية التي تملك الشركات والطائرات الخاصة وتجول العالم.

حلم الطبقة المتوسطة

تعود سويونجين إلى السرد لتتضح أسلوبية الرواية السينمائية أيضاً من خلال وصفها وتحليلها الشخصيات إلى أن تصل إلى تشانج الذي وصفته بالأمير الساحر”لم أكن أعلم أنه سيهزّ كياني في المرحلة الثانوية والسنوات اللاحقة ولا يغادرني”. وتبدأ خطوط الحب بفظاظة بينها وبينه إلى أن تتلمس حنانه وخوفه عليها ووقوفه إلى جانبها لتحسّن من مستواها الدراسي ونتائجها، وتتعرض سويونجين لانكسار حينما يموت والدها ثم تودع تشانج بمشهد عاطفي على ضوء القمر، ولايدرك أنها كانت تنوي أن تفترق عنه وتلتحق بجامعتها المتوسطة في الوقت الذي يغادر فيه تشانج ليتابع دراسته في بكين.

وتجد سويونجين نفسها إزاء سؤال عن الحلم “يجب أن يملك الجميع حلماً” لتجيب بنظرة حزينة “أن أكون قادرة على العيش بأمان وصحة” خلال هذه السنوات تعمل سويونجين بعمل جزئي في المكتبة لتلتقي بجوان المسؤول عن المكتبة، فيقع بغرامها في الوقت الذي يعود به تشانج بعدما أضناه الشوق، فيعاتب سويونجين على هجره وتعود قصة الحب إلى نسج خطوطها، لتتوقف الكاميرا في لحاق تشانج سويونجين إلى قريتها الصغيرة الفقيرة على ضفة النهر، لتمرّ على بيوتها الصغيرة الشبيهة بالأكواخ وعلى نوافذها الخشبية وتتوقف في مشهد رومانسي بإضاءة ليلية يمرّر من خلالها المخرج المفارقات الاجتماعية والتناقضات حينما تتحدث سويونجين عن الفارق الطبقي، فعندما تزور والدتها تسهر لتصنع الألعاب اليدوية التي تبيعها بمبلغ يكفي لنفقات يومين، المبلغ الذي لا يعني شيئاً لتشانج!.

ويحمل عام 2012 متغيرات إذ يصرّ تشانج على أن تعيش معه في منزل صغير بعيداً عن قصر العائلة، ويحوّلها من فتاة من الطبقة المتوسطة إلى سندريلا، وبعد الحفل العائلي تفاجئهما الأمطار الغزيرة فتخاف سويوجين على حذائها الذهبي، ليحملها تشانج بمشهد رومانسي لافت ويقترب من التراث الإنساني لكن بشكل مغاير، إذ طالما وردت صورة الابن يحمل والدته أو والده أو ابنه على ظهره، في حين حمل تشانج سويونجين على ظهره يناديها زوجتي. وفي المشاهد الأخيرة ينشأ خلاف حاد بين سويونجين وتشانج لأنها استدانت من جوان الذي استغل الفرصة وتزوج أخت تشانج مبلغاً لتسدّ ما اختلسه زوج أمها لمعالجتها من سرطان عنق الرحم، وتبرّر ذلك لتشانج بأنهما من طبقة واحدة ووحّدهما الفقر، فيغضب تشانج وينفصلان إثر ذلك ويسافر إلى الولايات المتحدة لمساعدة والديه بإدارة شركة العائلة. لنصل إلى المشهد الأخير والمفاجأة، إذ يعيد المخرج المشهد الأول الذي بدأ به الفيلم بتقنية الفلاش باك عام 2015 فبعد مرور سنوات تسافر سويونجين إلى الولايات المتحدة للالتحاق بوظيفة جديدة، لتعود الرواية السينمائية إلى السرد بصوتها فتتحدث عن الوقت الذي مرّ ببطء وعن السنوات الساكنة التي عاشتها، إلا أن الحقيقة التي كشفت عنها الأحداث أن سويونجين مازالت عاشقة لتشانج الذي لم يغادر أعماقها يوماً رغم مرور السنوات “إننا ندور بحلقات مفرغة هل سيكون هذا الشخص في المكان نفسه”، حينما ترى من بعيد تشانج في مدخل باب الشركة بلقطة خاطفة مثيرة وتفتح أبواب الاحتمالات والتأويلات التي يتركها المخرج للمشاهد.

ملده شويكاني