دراساتصحيفة البعث

العنصرية الأمريكية بين الديمقراطيين والجمهوريين

ريا خوري

لم يأتِ كلام الناشط والكاتب الأمريكي كريسيان دافيس بايلي حول خطورة الأوضاع في الولايات المتحدة وتضخم وانتشار العنصرية، وانحسار جدوى حقوق الإنسان التي يتغنون بها طوع الخاطر، بل جاء ليدق ناقوس الخطر من جديد مخاطباً المواطنين الأمريكيين من أصول إفريقية، و الناطقين باللغة العربية طالباً الدعم، حيث قال:

أولاً: نحن بحاجة إلى زيادة تبادل المعلومات والأفكار والآراء والتضامن بين نضالاتنا وعبر حدودنا، ونحتاج إلى مزيد من ترجمة الأعمال السياسية والثقافية الهامة في هذا المجال.

ثانياً: العمل الدؤوب على دعم نضالات الأفارقة السود والعرب في الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة أنَّ هناك عدداً كبيراً جداً من العمال يعانون من الاستغلال وسرقة جهودهم، وحتى قوت يومهم بموجب “نظام الكفالة”.

ثالثاً: نطلب من كل القوى الحرّة في العالم وتحديداً داخل الولايات المتحدة الأمريكية الكولونيالية أن يوقفوا التواطؤ مع العنف ضد السود، وأن يستثمروا في المقاومة السوداء ضد العنجهية والقمع الذي يُمارس ضدهم.

هذه التوطئة ضرورية كمدخل لمواكبة ما يجري من أعمال رفض ومواجهة وانتفاضة أمريكية جديدة في أعقاب مقتل جورج فلويد على يد رجل شرطة عنصري في منيابوليس، وكأن الناشط والكاتب الأمريكي كريسيان دافيس بايلي يريد أن يذكِّرنا نحن العرب أيضاً بمسؤولياتنا في الوطن العربي بشكل عام وداخل الولايات المتحدة الأمريكية بشكلٍ خاص بضرورة الإسهام بشكل فعلي وعملي في تغيير الواقع العنصري والإمبريالي والكولونيالي الأمريكي المرتبط مع واقع الاحتلال الصهيوني  وهيمنة الرجعية العربية، التي كانت ذيلاً للاستعمار الغربي وأصبحت رأس حربة ضد المشروع الوطني والقومي العربي.

من هنا نرى أنَّ المسؤولية التي تقع على عاتقنا تكون في الاتجاه الثقافي الذي يمكننا من خلاله أن نتشارك في تجاربنا وأن نتسلَّح من أجل معركة الوعي المتبادل، أي يمكننا التعبير عن حجم العنف والقهر والظلم والاضطهاد الذي يعاني منه شعبنا العربي في فلسطين جرَّاء الاحتلال الصهيوني مقارنة بالعنف والقهر الذي يعاني منه السود في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو بالتالي يدفعنا إلى معرفة بنية الصراعات السياسية الحزبية داخل الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة بين الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي ومجلس الشيوخ النواب.

لقد أدرك الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة الأمريكية أنَّ الهجوم على خصومهم هو أفضل وسيلة للدفاع عن أنفسهم وتوجهاتهم، ونفي كل الاتهامات الموجهة لهم بالعنصرية المفرطة، لذلك فإنَّ احتضان الليبراليين واليساريين للاحتجاجات ضد العنصرية في الولايات المتحدة الأمريكية خلق انطباعاً لدى الرأي العام هناك والرأي العام العالمي بأنَّ أنصار هذا التيار هم المدافعون عن مبادئ العدالة والمساواة، وأنهم القوى المتقدمة والجنود الحقيقيون في المعركة ضد العنصرية والعنف والاضطهاد، وكقاعدة منطقية وموضوعية يكون خصومهم أي التيار المحافظ  والتيار اليميني بشكلٍ عام هم الطرف المناوئ لتلك القيم والمبادئ الأخلاقية والإنسانية السامية، وهم من يدعم ويؤيد حتى ولو بلغة الصمت اضطهاد المواطنين الأمريكيين من أصل إفريقي، وفي أحسن الأحوال لا يهتمون بمظالمهم.

هذا الانطباع الخطير يعزز القناعة بأنَّ دعاة سيادة الجنس الأبيض  والعنصريين، وهم حركة واسعة الانتشار في الولايات المتحد الأمريكية، ينتمون فكرياً وسياسياً إلى اليمين المتطرِّف، دون أن يدلُّ ذلك على أنَّ كل اليمين عنصري  وهو أمرٌ بديهي، إلا أنه قد لا يكون مفهوماً بدقة تماماً في عقول وأذهان المتظاهرين في الشوارع.

في زمن القلق والاضطراب كما في زمن الخوف، تختفي الحقائق ويغيب المنطق ويذهب التفكير العقلاني أدراج الرياح، من هنا يأتِ خوف الجمهوريين من أن يصوِّت الناخبون تصويتاً عقابياً ضدهم في شهر تشرين الثاني المقبل على أساس وجود قناعة كبيرة بأنهم يتحملون ولو جزئياً المسؤولية عن ازدياد تفشي العنصرية المفرطة، كما يعلمون أنَّ المعركة ضد العنصرية ستنال منهم دون هوادة، وأنَّ خصومهم يسعون إلى خلق انطباع عام بأنَّ الموطن الأصلي لهذا الوباء الاجتماعي وتلك الآفة الإنسانية يتركز في قواعد ومعاقل الجمهوريين.

لذلك يتضاعف تخوفهم وقلقهم مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية كون الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه أحد المتهمين بتغذية النعرات العنصرية داخل المجتمع الأمريكي، وهو ما يفسر كيف أنَّ الجمهوريين سارعوا بالتحرك، والشرح والتحليل المبدئي لمضمون خطابهم السياسي والتركيز على الإدانة الصريحة والرافضة والقاطعة لكل أشكال العنصرية ضدَّ السود، ورفض أي تجاوزات تقوم بها الشرطة لنفي التهمة الموجهة لهم، وسحب البساط من تحت أقدام جمهور وقيادة الحزب الديمقراطي، وحرمانهم من تقديم أنفسهم على أنهم المدافعون الوحيدون عن المضطهدين.