تحقيقات

لنحم مجتمعنا منها.. الجريمة تهدد التماسك الاجتماعي وتثير الفوضى

تشير الوقائع والمعطيات والأرقام الأخيرة إلى ارتفاع معدلات الجريمة في المجتمع، لاسيما زمن الحرب وما أفرزته من فقر وجهل وتخلّف، إضافة إلى الجشع والطمع، فخلال أسبوع واحد حدثت أربع جرائم اغتصاب وقتل، نذكر منها اغتصاب أخ لأخته وقتلها في بلدة الذيابية وبعلم والده، وقتل أسرة بأكملها واغتصاب الأم في بيت سحم في ريف دمشق، ومؤخراً في طرطوس تم خطف واغتصاب طفلة في القليعة بريف منطقة الدريكيش ورميها، وسجلت المحافظة آخر حادثة وقعت في شارع هنانو وسط طرطوس في مكتب استيراد وتصدير، فما أسباب حدوث الجرائم وازدياد أعدادها؟ وما تداعياتها السلبية الخطيرة على المجتمع؟ وما السبيل للحد منها؟

أسباب الجريمة
من الأسباب الرئيسية لتفشي الجريمة في المجتمع، لاسيما بين الأحداث هو التفكك الأسري، وتزداد معدلات الجرائم بتدهور الأوضاع الاقتصادية، وتزايد معدلات الفقر والبطالة، وذلك برأي المحامي ياسر محرز، الذي بيّن أن العلاقة طردية بين الفقر والجريمة، فكلما انتشر الفقر تفشت الجرائم، والعكس صحيح، ولا ننسى الفضائيات والأقنية التي تبث الأفلام الإباحية التي تثير الغرائز الجنسية، والتي تشجع على ممارسة الشذوذ الجنسي في عصر الأنترنت والعالم الافتراضي المفتوح في ظل غياب رقابة الأهل والأسرة.

انتفاء الوازع الذاتي
وأشار محرز إلى أن الأسباب الرئيسية لانتشار الجرائم هو انتفاء الوازع الذاتي بسبب سقوط القيم الإنسانية النبيلة في أعين الكثيرين، وشعور البعض الآخر بالإفلات من العقاب الصارم، كما تلعب البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها الأشخاص والأحداث دوراً وسبباً مباشراً في ارتكاب الجرائم مثل جرائم القتل والاغتصاب، لافتاً إلى أن البيئة داخل المنزل تؤثر في وقوع الجريمة، فعلى سبيل المثال وجود شخص بمفرده في المنزل قد يعرّضه ضحية للاغتصاب من الغرباء، وفي بعض الحالات من الأقارب، لذلك يجب على الآباء والأمهات مراقبة أبنائهم، والتحاور معهم، ومعرفة الأصدقاء المقربين منهم، لأن رفقة السوء تلعب دوراً كبيراً في التخطيط لمثل هذه الجرائم.

تشابك مؤسسات المجتمع
وفي إطار الحلول الممكنة يؤكد محرز على ضرورة تكاتف مؤسسات المجتمع للحد من انتشارها ومواجهتها والوقاية منها، والتربية الاجتماعية الصحيحة داخل النواة الرئيسة في المجتمع (الأسرة) هي الحل الوحيد للقضاء على ما يؤدي إلى الجريمة، مشيراً إلى ضرورة تحسين الوضع المعاشي لأفراد المجتمع، وتحقيق الرفاه، والقضاء على البطالة، وتوفير فرص العمل للشباب، وتشجيعهم على ارتياد النوادي الصيفية التي تعبئ أوقات الفراغ لتلك الشريحة الهامة بالمجتمع بدل ارتياد المقاهي التي تشجع على الانحراف وإدمان النرجيلة والمخدرات، ولابد من التشديد في فرض العقوبات القانونية الرادعة على ارتكاب جرائم القتل والاغتصاب وغيرها من الجرائم، مع ضرورة فرض التدابير الإصلاحية والاحترازية للأحداث، وضرورة تأهيلهم لينخرطوا في المجتمع، ويكونوا فاعلين فيه، ونساعد في إعادة اندماجهم من جديد.

انفصال في الأداء
الحرب بالدرجة الأولى هي المحرّض الأساسي للجريمة، خاصة في المجتمع السوري الذي شهد الكثير من العنف، عدا أن وسائل الضبط التربوية أصبحت أقل فعالية من السابق، خاصة لدى المراهقين، وانتشار الفقر والعوز الاقتصادي الذي هو أحد أسبابها، إضافة إلى انتشار المخدرات والمواقع الإباحية التي تفعل فعل المحرّض، جميعها مسببات، لكن المسؤول هو جملة عوامل لم تتضافر، بل انفصلت في أدائها، سواء لجهة المناهج المدرسية، وعدم التوعية القانونية والجنسية حيال جزاء جرائم الاغتصاب، والمؤسسات الدينية التي لم تستوعب الشباب، بل بعضها جنّدهم في سبيل ارتكاب الجريمة، لأن التطرف يقوم على القتل والاغتصاب والسلب والسبي كشكل من أشكال إثبات سيطرته.

معالجة الأسباب
الحلول برأي علم الاجتماع تبدأ من معالجة الأسباب، وليس بتر مرتكب النتائج فقط، بمعنى لابد للدولة أن تجنّد مؤسساتها في سبيل مكافحة وتوعية الشعب من الجريمة وأسبابها وأشكالها، خاصة أنها ظاهرة اجتماعية سلبية قائمة على العنف الذي يولّد العنف، والثأر خير مثال على ذلك، والانتقام لجرائم الشرف.

بناء الجيل
بدورنا نجد تجذراً لحالة القتل والعنف من خلال متابعة أبناء الجيل للتلفاز وأخباره المتواترة منذ أكثر من تسع سنوات، إضافة لحالة الانفلات المجتمعي، وإهمال التربية الأسرية، الأمر الذي يستدعي مراقبة الأبناء بشكل أكبر، وتكاتف مؤسسات المجتمع في بناء الجيل بناء سليماً، وتوعيته للحد من ارتكاب الجرائم، وتبيان مدى خطورتها على المجتمع.

دارين حسن