ثقافةصحيفة البعث

“نبتدي منين الحكاية”.. براعة الكاتب بالتورية والحبّ مقابل العنف

“يجب أن نؤمن أن بوسعنا أن نستمر وننهض ونبدأ من جديد” هذه الكلمات التي قالها الفنان غسان مسعود في نهاية الحلقة الأخيرة من مسلسل” نبتدي منين الحكاية” سيناريو فادي قوشقجي، وإخراج سيف الدين سبيعي-إنتاج المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني- الذي عُرض مؤخراً على قناة سورية دراما، وقد تابعه كثيرون رغم متابعاتهم المكثفة في موسم رمضان، إذ وجد فيه بعضهم استمراراً لشغفهم ببطل مسلسل مقابلة مع السيد آدم الذي حصل بناء على أحد الاستبيانات على أكبر نسبة مشاهدة بشخصية بشير المثقف الموهوب الإعلامي العاشق المؤمن بالأفكار الحضارية، وربما تابعه آخرون لاشتياقهم إلى مشاهدة الرومانسية الدرامية التي افتقدناها في دراما سنوات الحرب من خلال علاقة بشير بليال -سلاف معمار- التي أدت دورها بإحساس الأنثى الذي شدّ المشاهدين إلى مشاعرها المتلاطمة مثل أمواج البحر بين الغيرة والاشتياق والفراق واللقاء عبْر سلسلة من الانفصال والعودة، استمرت خلال قصة حبّ دامت خمسة عشر عاماً قبل الزواج منذ عام 2000 حتى 2015 أثناء سنوات الحرب.

يتميز العمل بعناصر المضمرات التي بدت بردات فعل الأشخاص فكانت أشبه بالمحرك الخفي للأحداث، إذ تكشف الكاميرا بصورة غير مباشرة عن معاناة الشعب السوري جراء الحرب الإرهابية، ويفصح في المقطع الأخير غسان مسعود عن هذه المضمرات، ورغم استمرار المحور الأساسي للعمل بين الشخصيتين الرئيسيتين بشير وليال إلا أنه تضمن الكثير من القضايا الاجتماعية الهامة، أولها مكافحة الفساد وتغليب الحسّ الوطني على الرقابة كما في علاقة نور-رشا بلال- مع والدها الفنان جلال شموط-عدنان- الذي يشغل مكاناً رفيعاً، إضافة إلى التطرق إلى أهمية الإعلام بنشر الوعي الاجتماعي والثقافة الحياتية وإثارة مسائل لم تجد حلاً حتى الآن رغم طرحها مرات عدة في الدراما مثل الزواج من طائفة أخرى ومعارضة الأهل، لتأتي النتيجة مخيبة للآمال كما في قصة تغريد-جفرا يونس- التي تركت أسرتها وتزوجت من حبيبها رغم الاختلاف، ومن ثم اكتشفت أنه لا يستحق هذه التضحية فتعمل على العودة إلى أسرتها، قصة تغريد تمتد بطريقة غير مباشرة إلى طرح مسألة الزواج المدني، وما ينشأ عنه من مخاطر تؤثر على المرأة بشكل خاص.

الملفت في العمل العنف الدائر ضمن محيط الأسرة ليصل إلى درجة التفكير بارتكاب جريمة كما في حال عائلة تغريد، والتطرق إلى العقلية الذكورية السائدة، وسيطرة الأخ على أخواته بعد وفاة الأب بدا هذا واضحاً في عائلة أولاد أخ ليال رغم محاولة الأم –وفاء موصلي– تهدئة الأحوال الأسرية، وحلّ النزاع بين الإخوة في الوقت الذي تحرضه زوجته للنيل من أخواته والسيطرة عليهن، إلا أن العنف لم يقتصر على الجسد والكلام من قبل الأخ، إذ عملت روبين عيسى-وردة- من خلال دورها على تكريس السلبيات اللفظية بتكرار كلمة “وليه” في كل جملة وموقف، والمقاطعة والتمرد اللفظي من خلال علاقتها مع أختها وابنة خالها وتغريد في الجلسات النسائية في منزل ليال واستحضارها ذكرياتها مع بشير، وهذا يسيء إلى المجتمع فالواقعية البحتة أو المدهشة لا تكون بانتهاج أسلوب خاطئ اجتماعياً وتربوياً.

ويبقى الحب اللحن السحري الذي يجد طريقه إلى القلوب بصوت عبد الحليم حافظ “وعشنا الحب خيال وحقيقة” الحب الذي جعل بشير ينتصر على المرض في إشارة إلى التفاؤل بانتصار سورية.

ملده شويكاني