دراساتصحيفة البعث

الكل يراهن على انهيار مملكة آل سعود

هيفاء علي

يقوم العقد الاجتماعي في دول النفط على هيكل عميق الجذور مرتبط بالمفهوم المؤسسي للاقتصاد والمجتمع والسياق السياسي، وتتقلب الطبيعة الدورية لصناعة البترول بين فترات التوسع والانكماش، لذلك يمكن توقع ارتفاع الأسعار على المدى الطويل، وبالمثل، لا يمكن بدء العقد الاجتماعي أو تعليقه وفقاً لتقدير صناع القرار، بل تتقلب العناصر التي يستند إليها إلى حد ما مثل سوق النفط وفقاً لدورات النمو والتباطؤ الاقتصادي.

وبينما يعيش العالم هذه الأيام تحت رحمة جائحة كورونا، يشير خبراء إلى أن نهاية عصر النفط باتت وشيكة، ولكن السؤال ليس ما إذا كانت الجوانب الجوهرية للعقد الاجتماعي للنموذج الريعي ستتغير، وإنما  متى ستحدث هذه التغييرات؟.

لقد قاوم نموذج الدولة الريعية لعقود عديدة، وسيكون لتطبيق ضريبة القيمة المضافة المعمول بها بالفعل في العديد من دول الخليج منذ بداية عام 2018، وإجراءات التقشف المفروضة على هذه الدول بسبب الانهيار الحالي في أسعار النفط، من بين أمور أخرى، تأثير حقيقي على كيفية إدراك الأشخاص للعقد الاجتماعي. حتى مشروع الإصلاح الأحدث والأكثر جذرية “رؤية 2030” لمحمد بن سلمان، لن يبلغ أهدافه الطموحة شأنه في ذلك شأن  العديد من المشاريع الأخرى التي شهدت النور قبله.

لقد أجرت مملكة آل سعود تغييراً جذرياً اقتصر على  العادات الاجتماعية فقط، بينما بقيت الثروة وطرق التوزيع في أيدي الأسرة الحاكمة التي لا يبدو أنها تتخلى عن هذا الامتياز. إذ يعتبر محمد بن سلمان أن صندوق الاستثمار العام السعودي هو بنكه الخاص ويتصرف كما يحلو له، دون أن يتدخل أي شخص، ولعل خير شاهد على ذلك قيامه بمنح مبلغ 45 مليار دولار لرجل الأعمال الياباني ماسايوشيسون، الرئيس التنفيذي لشركة “سوفت بنك”، كنوع من الاستثمار بناء على قرار اتخذه خلال 45 دقيقة فقط.

قد يتأثر نموذج إيجار النفط عندما يصل إنتاج النفط إلى ذروته، أي الحد الذي سينخفض بعده الطلب العالمي على النفط بشكل مطرد، وحتى الآن ليس هناك إجماع حول موعد حدوث ذلك، في حين يقترح بعض الخبراء أن هذه الظاهرة ستحدث في عام 2030، يتوقع آخرون الانخفاض بعد عشر سنوات، ومع ذلك يتوقع أحد الخبراء أن عام 2030 هو الموعد النهائي الأكثر واقعية، حيث سيعطي بن سلمان الوقت الذي تحتاجه لتحرير المملكة من اعتمادها على النفط.

كما ستواجه صناديق الثروة السيادية، بما في ذلك صناديق التنمية مثل مبادلة وممتلكات وصندوق الاستثمار العام السعودي، والصندوق الكويتي للأجيال القادمة ضغوطًاً إضافية للاستثمار في بلادهم، وستتخذ المزيد من المشاريع التنموية، في حين أن رأس المال المستثمر في صناديق الاستثمار الكبيرة سيكون نادراً.

لاشك أن المملكة ستكون الدولة الأكثر تأثراً بالأزمة الاقتصادية العالمية، حيث سيكون لاعتماد تدابير التقشف تأثير كبير على الطبقة المتوسطة التي تواجه تكاليف وصعوبات إضافية في دخول سوق العمل، وإذا كان الانهيار التدريجي للدولة الريعية في المملكة ودول الخليج مجرد مسألة وقت، فإن المملكة تخاطر بدفع الثمن قبل الدول الأخرى.

لقد أدت عواقب أزمة تفشي وباء كورونا العالمية، مقترنة بانخفاض غير مسبوق في سوق النفط، إلى سقوط الدولة الريعية في المملكة، ودخولها في أزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة، والتي ستضع دولة الرفاهية في حالة ركود لسنوات لن تكون معها قادرة على تقديم خدمات الحماية الاجتماعية للمواطنين الذين اعتادوا عليها.

والسؤال هو ما إذا كان ابن سلمان قادراً على تطوير عقد اجتماعي جديد يسمح لجميع السعوديين، خارج المجموعة الصغيرة من أقارب الملك المستقبلي، بالاستفادة من الوصول إلى السلع العامة، ولاسيما أن امتيازات الأسرة الحاكمة المالكة لا تزال عديدة في حين لا يمكن لـ ابن سلمان المجازفة بالتنازل عن توازن غير مستقر داخل مملكة تهيمن عليها سلالة آل سعود التي لا تزال تشبه في كثير من الأحيان الشركات العائلية الضخمة؟. سوف تتزعزع الثقة في ولي العهد السعودي بشدة إذا اتخذ الإجراءات الاستبدادية بحيث يكون على جميع المواطنين تحمل عبء أكثر من أي وقت مضى.

وإذا فقد النفط قيمته الاستراتيجية ولم يعد شريان الحياة للاقتصاد العالمي، وإذا لم تعد المكاسب المفاجئة للعائدات البترولية متاحة للمساعدة في تمويل عجز الحساب الجاري والصناعة العسكرية الأنكلو -أمريكية، فهل يمكن للقوى الغربية أن تبقى في هذا التحالف الذي أصبح محرجاً للغاية مع مملكة آل سعود التي تعاني المزيد من الركود والاختلالات؟.