محليات

انتخابات الظروف الاستثنائية.. اختلاف في الدعاية والمطالب واستنكار للأسماء المكررة

دمشق – ريم ربيع

250 مقعداً بانتظار من يشغلها بعد أيام قليلة، وسط ظروف غير اعتيادية اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً وصحياً، ومسؤوليات أكثر صعوبة وإلحاحاً مما سبق تجعلنا أمام دور مختلف لأعضاء مجلس الشعب المقبلين، فالاكتفاء بالجلوس والتصفيق ومغازلة الوزراء لم يعد مقبولاً لدى المجتمع في ظل المرحلة التي تمر على سورية، وهو أمر يتطلب أولاً وأخيراً الوعي الكافي من المجتمع الذي سيختار ممثّليه بناء على طروحات تقترب من طموحاتهم، وليس امتثالاً للمحسوبيات واللامبالاة التي قد تجعل حفنة من الفاسدين “ذوي التاريخ الأسود بالنهب والاحتيال” تصل إلى المجلس عبر استغلال الوضع المادي، وشراء أصوات الناخبين.!

من الملاحظ اليوم استنفار وزاري وقضائي لضمان نجاح الاستحقاق الدستوري الجاذب لاهتمام الصديق والعدو، حيث يترقب الغرب مستوى نسبة المشاركة، وجدية السوريين في اختيار ممثّليهم للسلطة التشريعية كونه يعبّر بشكل أو بآخر عن إصرار الدولة السورية على أن أي تغيير دستوري أو غيره لن يكون سوى باختيار السوريين أنفسهم، ومع تزايد انتشار فيروس كورونا يقع العبء الأكبر في التحضير على وزارة الصحة، وما تتخذه من إجراءات وقائية لتجنب انتقال الفيروس، عبر التأكيد على التباعد، وتنظيم الدخول لمراكز الانتخاب، وتوفير المعقمات، ومنع التجمع قبل أو بعد الانتخاب، واتخاذ أساليب الوقاية الشخصية من قبل كل ناخب.

تبدو الأجواء المرافقة للانتخابات مختلفة عما سبقها، فالحملات الانتخابية اليوم أكثر تواضعاً، إذ تجمّع معظمها في مراكز المدن دون الأرياف بشكل محدود، فيما يعزو المرشّحون هذا الأمر إلى ارتفاع تكاليف متطلبات الحملة بشكل كبير، فضلاً عن اختصار التجمعات قدر الإمكان تحسباً من فيروس كورونا الآخذ بالانتشار بشكل متسارع، وهنا كان من بعض المرشّحين أن اعتمد بشكل كلي على وسائل التواصل الاجتماعي في الترويج وإدارة الحملة عبر عدد من الصفحات، معوّلين بذلك على الانتشار السريع والواسع الذي تحققه تلك الوسائل، فيما ظهر على المقلب الآخر من يبذخ بصرف عشرات الملايين بشكل استفز فئة كبيرة من المجتمع للوصول إلى كرسي في مجلس ينطق باسم الشعب الذي يستغني يوماً بعد يوم عن متطلباته الأساسية، ويكتفي بتأمين لقمة العيش، فهل الهدف هنا المواطن أم المنصب والحصانة وتحقيق مآرب شخصية؟!.

من خلال جولات عديدة في أحياء دمشق بدت الحملات مقتصرة على اللافتات الإعلانية التي هي بدورها تكشف الفارق الطبقي بين مرشّح ممثّل لذوي الدخل المحدود، وآخر ممثّل لقطاع الأعمال، غير أن أكثر ما أثار غضب الشارع هو رؤية بعض الوجوه المكررة التي أثبتت عجزها سابقاً حتى عن تمثيل نفسها، إذ يرفض قسم كبير ممن استطلعنا آراءهم أن ينتخبوا اسماً سبق وعجز عن تقديم أي شيء لمن انتخبه، فيما أجمعت مختلف الفئات على حالة السخط من ترهل أداء المجلس وعجزه عن تمثيلهم، ما يجعل اختيار المرشّحين أكثر دقة حتى لا يعيد التاريخ نفسه مجدداً.

الخلط في دور المجلس كسلطة تشريعية وليست تنفيذية حذا بالبعض لقرار الإحجام عن الانتخاب، انطلاقاً من مبدأ أن أعضاء المجلس ممن عجزوا عن ضبط الأسعار أو تحسين معيشة المواطن لم يكونوا ذوي أثر مباشر على المجتمع الذي يمثّلونه، وهنا لابد من معالجة هذه اللغط في دور المجلس، إذ ليس هو المعني المباشر بأي مما سبق، غير أن هذا لا يعفيه من دوره الرقابي على الحكومة وأدائها، والذي يصل إلى المحاسبة وحجب الثقة عن وزير أو حكومة، وهو أمر كدنا ننسى أنه من صلاحيات أعضاء مجلس الشعب كونه لم يطبق يوماً رغم كل ما شهدناه من تخبط حكومي وأخطاء وصفت بالكارثية بكل معنى الكلمة.!

وأمام الهوة المتزايدة بين الحكومة والشارع، يحمّل الناخبون أعضاء مجلس الشعب المقبلين مسؤولية ردم هذه الهوة عبر نقل مشاكلهم، وتفعيل المحاسبة والرقابة على الوزراء، ما يتطلب جرأة في كشف ملفات الفساد تحت قبة المجلس، ومواجهة جدية تعيد الحياة إلى البرلمان، خاصة في وقت باتت فيه مكافحة الفساد ضرورة حتمية في ظل الحصار واستنزاف الموارد، إذ إن التغني بالإنتاج والاعتماد على الذات لن يجديا نفعاً طالما هناك من يترصد كل منفذ لنهب موارد السوريين.

ومع استكمال اللمسات الأخيرة من التحضيرات ليوم الانتخاب، تبقى الرقابة هي الضامن الفعلي لحسن سير العملية الانتخابية، حيث تؤكد اللجنة القضائية العليا واللجان الفرعية المنبثقة عنها على الإشراف الكامل على الانتخابات بمرافقة وسائل الإعلام التي ستتواجد عبر بث مباشر في أكبر عدد ممكن من المراكز، والتشديد على الآنية في معالجة أية شكوى أو مخالفة، كما وجّه وزير العدل قضاة النيابة العامة في المحافظات لمؤازرة اللجان القضائية الفرعية بالدور الرقابي.