ثقافةصحيفة البعث

مواجهة الغزو الثقافي الصهيوني بتعزيز الثقافة الوطنية و التحصين الإعلامي

“علينا أن نصلّب بيتنا بحجر من الصوان حتى يكون غير قابل للكسر ولا ينفذ إليه أيّ اختراق”  الكلمات التي ذكرها محمد كنايسي رئيس تحرير صحيفة البعث خلال مشاركته في ندوة “الغزو الثقافي الصهيوني” في المركز الثقافي العربي –أبو رمانة- بإدارة وإعداد الشاعر الأستاذ محمد خالد الخضر، وتناولت محاولات الكيان الصهيوني عبْر التطبيع طمس الهوية وتزوير التاريخ، واستهداف دول محور المقاومة. واستهل الندوة الخضر بالتطرق إلى مسؤولية المثقف بمواجهة ما يقوم به الكيان الصهيوني بالغزو الثقافي.

وانطلق كنايسي من الثقافة التي وصفها بالجدار الصلب الذي تتكسر عليه محاولات الاختراق التي تتأتى في حالتنا العربية حالياً من الكيان الصهيوني كما تأتى سابقاً من الاستعمار والآن من العولمة الثقافية، فهذه التحديات التي تحاول أن تنال من هوية الأمة عبر النيل من ثقافتها ومحاولة طمسها وتشويهها وصولاً إلى استبدالها، فالثقافة تشكلت تاريخياً في تفاعل مع الزمان والمكان وتعاقب العصور التالية وصولاً إلى المثاقفة مع الأقوام الشرقية والغربية، على أن هذا التلاقح تم بشكل قسري من خلال الاستعمار الغربي الذي أسبغ عليه الاستشراق في نسخته الاستعلائية العنصرية المشروعية الثقافية مما شكل عنصرا أساسيا  في الغزو الثقافي، ومازال هذا الاستشراق الذي يقدم  صورة دونية عن العرب والمسلمين مستمرا بوسائل اخرى ونماذج منخرطة عمليا في شن العدوان الغربي من امثال برنارد لويس و هنري ليفي

 

تغيير البوصلة

وبيّن كنايسي أن المشكلة الخطرة لا تتعلق بالكيان الصهيوني ومحاولاته تغيير التاريخ وتهويد فلسطين والاستيلاء على تراثها ، وإنما تتعلق أيضا بالخيانة التي يمارسها العدو الداخلي ايضا وهي أشد خطورة على قضية فلسطين ومستقبل العروبة عموما ، مبيّناً أن التطبيع السياسي الذي ظهر رسمياً مع السادات رغم خطورته لم يستطع أن يخترق الوجدان العربي، وظل القسم الأكبر محصناً بالثقافة العربية، لكن التطبيع الثقافي الذي يقوم به الخليجيون اليوم يتماهى مع  ما تطرحه النخبة الثقافة الصهيونية من تزوير للتاريخ وتحقير للعرب ، إلا أن أغلبية الجماهير العربية في المشرق والمغرب مازالت تنتمي ثقافة وروحاً إلى فلسطين والعروبة، ولابد من إيجاد القوة على المواجهة التي لا تقف عند القوة العسكرية فقط، بل نحتاج إلى إعادة اعتبار للثقافة وإلى المثقف الوطني الذي مهما اختلف مع السلطة فانه لا يختلف معها على الوطن، ولا يبيع وطنه أبدا ، وهو يحتاج إلى شرط الحرية الإبداعية لأنه منتج للمعرفة وليس مجرد تقني.كما أنه قادر على تحويل المعرفة الى قوة مقاومة ضد كل محاولات الهيمنة الاستعمارية والثقافية على الوطن ،ومن هن ضرورة تنمية ودعم الثقافة الوطنية الحرة لمواجهة كل أشكال الغزو الثقافي

 

 المشروع التلمودي

“أين نحن وإلى أين” السؤال الذي طرحه محمد نصور رئيس وحدة دراسات شؤون العدو الصهيوني، مبيّناً أننا نتعرض إلى اختراق العقل العربي منذ قدم التاريخ، وإلى الفكر الصهيوني بإقامة دولة إسرائيل من الفرات إلى النيل، ويرى نصور أن الغزو الثقافي يكون بالسيطرة على ثقافة شعب ما، والسيطرة تكمن بالعقل التلمودي وليس بالتراكمات الثقافية، والتحدي كبير أمام المصطلحات السياسية التي دخلت الفكر الصهيوني الذي يلامس كل شيء في حياتنا، وضرورة مواجهة العقل الصهيوني وليس الدين اليهودي، مستحضراً ما يفعله الإسرائيليون بالمسجد الأقصى بغية هدمه وتخريبه لإيجاد هيكل سليمان، وأوضح خطورة المشروع التلمودي.

وعاد نصور إلى المصطلحات المستخدمة وتكرار مفردة الجهاد بالوسائل الإعلامية الصهيونية وإبعاد مفردة المقاومة، وتعليم أطفالهم معلومات عن أرض كنعان والشمعدان السباعي اليهودي لاستثمارهم، ليخلص إلى أن المواجهة تكون بالتحدي الثقافي وتعليم طلابنا مخاطر الكيان الصهيوني.

 

 تغيير الخطة الدبلوماسية

واختار الأديب الأرقم الزعبي وسائل التواصل الاجتماعي ليحلل من خلالها الغزو الثقافي الصهيوني وأساليب الاختراق، إذ غدت هذه الصفحات تجمع كل أنواع الإعلام، وتقوم بنشر المواد ومقاطع الفيديوهات وإثارة التفاعل وتبادل الآراء من خلال التعليقات، فتحول المسؤول عن الصفحة إلى مراسل ومحلل ومحرر وناشر، ووجد الكيان الصهيوني في هذه الصفحات وسيلة التواصل الأسرع مع العالم، ما دفع المخطط السياسي للكيان الصهيوني بوضع خطة التدمير الثقافي بالتطبيع الثقافي الرقمي، وتغيير الخطة الدبلوماسية الثقافية، واستهداف أكبر عدد من سكان العالم.

وأورد الزعبي مجموعة أمثلة تعمل على التطبيع الثقافي مثل صفحة وزارة الخارجية للكيان الصهيوني بنشر أخبار عادية إلا أنها محمّلة بأبعاد سياسية وباتجاهات صهيونية، وحلل خبراً منشوراً ضمن عنوان تكنولوجيا المياه “لماذا لا تقوم إيران بتأمين مياه الشرب لشعبها”.

وتابع عن صفحة القناة العبرية التي تركز على الخليج العربي بالتحريض مثل “علينا أن نتحد أمام العدو المشترك” والمقصود إيران، وموقع إسرائيل تتكلم بالعربية وتعمل إسرائيل من خلاله بالجهد البصري على الدخول بتفاصيل الحياة اليومية للكيان الصهيوني والسلوكيات الحياتية والأمثلة كثيرة، منها نشر فيديو عن طريقة عمل “الفلافل” على أنه منتج عبري، ليخلص الزعبي إلى أن كل هذه الصفحات تعمل على نشر خلافات السلطة الفلسطينية والتركيز على محور المقاومة وشيطنة هذا المحور وإظهار إسرائيل بأنها مسالمة، ونشر النعرات بين الأديان والأحزاب وتلميع صورة الكيان الصهيوني، واتباع سياسة التشكيك بكل شيء.

 

الرد من المؤسسات

ويرى الزعبي بأن الرد يأتي من عمل المؤسسات، وتشجيع فكرة إنشاء الجيش الإلكتروني في الدول العربية لصد هجمات الكيان الصهيوني الثقافية، والتركيز على التعليم المتطور والنمو الرقمي، والتأكيد على ثقافة الإبداع وإيجاد قانون يحمي من الاختراق، فنحن بحاجة إلى خطة ثقافية وطنية تشترك بها وزارات التربية والثقافة والإعلام والتقانات.

الغزو الدرامي

كما أغنت مداخلات الحاضرين الندوة فتحدثت مديرة المركز رباب أحمد عن الغزو الثقافي الدرامي متوقفة عند عرض مسلسل أم هارون العمل الخليجي الذي عرض في موسم رمضان، والتركيز على اضطهاد اليهود وإظهار مظلوميتهم من خلال شخصية أم هارون، وعقبت الأديبة نجلاء الخضراء عن وجود مؤسسات تحمل اسم السلام تستقطب المثقفين والكتاب، وهي ليست إلا بوابة رمزية لما يسمى بالتطبيع، كما ناقشت المداخلات مصطلح التطبيع الشعبي.

ملده شويكاني