رأيصحيفة البعث

العلانية ومحاربة الفساد في الحزب

د. مهدي دخل الله 

عكست عملية “الاستئناس الحزبي” الأخيرة بعضاً من الصور الحقيقية للحياة الداخلية للحزب، بسلبها وإيجابها، وهذا يحصل لأول مرة كما هو واضح!

وتحتوي الصورة على أركان عدة؛ ما يهمني في هذه العجالة ركنان: تكريس العلانية، ومسألة الفساد واستخدام النفوذ الشخصي في الحزب.

– العلانية: لأول مرة تُهز الحواجز بين داخل الحزب وخارجه. ولأول مرة يعرف من هم “في الخارج” ما يحصل “في الداخل”. هذه دلالة مهمة على أن الحزب بدأ يتجه نحو العلانية في عمله. تعوّد الناس على بعث منغلق، لا يعرف أحد ماذا يحصل خلف جدرانه المنيعة، كيف تتخذ القرارات، وكيف تتبلور القيادات، وكيف تعبر الهموم داخل الحزب عن نفسها؟؟ كل هذه كانت أموراً لا يعلم بها ولا يتابعها من هم خارج هذه الجدران. ظهرت العلانية هذه المرة دفعة واحدة، وهذا أمر إيجابي وضروري، فالبعث ليس لديه ما يخفيه عن الناس. في النهاية، هو حزب شعبي، والبعد الشعبي من أهم العوامل التي حمته من الانهيار، ونحن نرى أحزاباً عريقة تنهار شرق أوروبا وغربها.

وفي مستجدات العلانية، عبّر الحزب عن احترامه للناخبين، والرأي العام، وأهمية الحصول على قناعاتهم قبل أصواتهم، فأصدر بياناً انتخابياً موجزاً عرض فيه العناوين ذات الأولوية التي سيبني عليها برامجه العملية والمحددة في المجلس.

وللتذكير فقط.. عام 2004، انتقدتُ في مقال في “صحيفة البعث” المادة الثامنة من الدستور السابق بشدة، وقلت إنها ضرورية لحزب ضعيف يخاف من صندوق الاقتراع، ولا حاجة لحزب قوي كـ “البعث” بها. وانتقدت تقييد حريات التعبير مذكراً أن “البعث” في دستوره يعتبر حرية التعبير مقدسة، أي أنها من حقوق الإنسان وليس من حقوق المواطن فحسب، والأولى أهم من الثانية.

وأذكر أنني كتبت عن ضرورة العلانية، وكسر الحاجز بين ما هو في الداخل وما هو في الخارج. قلت عندها: لماذا لا تفتح الاجتماعات الحزبية لمن يريد من أبناء الشعب الحضور؟ لماذا لا يُدعى من يريد إلى حضور مؤتمرات الفروع والشعب والفرق؟ سيرى الناس عندها كم تحتوي هذه المؤتمرات من النقد الذاتي والإشارة إلى السلبيات، وسيشعر الناس أن أعضاء الحزب أنفسهم يشاركونهم الهموم والتساؤلات ذاتها. وهذا عملياً يؤدي إلى تحسن صورة الحزب في المجتمع.

– استغلال النفوذ الشخصي والمالي: وهذا نوع خطير من أنواع الفساد، وقد اتخذت قيادة الحزب قرارات شجاعة جداً فاجأت الناس بإقصاء أربعة رفاق نالوا الدرجة الأولى في التصويت الاستئناسي، هم مصطفى عبود من فرع الرقة، وباسل عيسى من فرع طرطوس، ومحمد سريول من فرع ريف دمشق، وعيد الصالح من فرع الحسكة، لأنهم استغلوا نفوذهم الشخصي والمالي لكسب الأصوات.

وفي الاتجاه نفسه، لم يسلم فرع العاصمة من تدخل قوي للقيادة ظهر في فصل عضو قيادة شعبة المدينة الثالثة، وكذلك إعفاء أمين الشعبة نفسها من مهمته الحزبية، وإعفاء أمين شعبة المدينة الرابعة من مهمته أيضاً، وإعفاء أمين فرقة القدم الثالثة وعضو قيادة فرقة الفردوس من مهامهما، وإحالة هؤلاء المعفيين إلى لجنة الرقابة والتفتيش المركزية في الحزب.

أعود إلى الرفاق الأربعة الذين أقصتهم القيادة عن قائمة الوحدة الوطنية، إذ أن الإقصاء وحده لا يكفي، وأرجو أن تتم متابعة قضيتهم وإقرار عقوبة قوية بحقهم لأنهم أساؤوا إلى حزبهم, وهو في غنى عنهم.

كما أتمنى أن تصبح هذه مسألة “رأي عام حزبي داخلي” تضغط القاعدة الحزبية عبرها على القيادة لفصلهم من الحزب.

إن تشكيل رأي عام حزبي ضاغط هو، أيضاً، عامل مهم في تعميق دائرة العلانية التي نريدها جميعاً أن تستمر وتقوى، بحيث تصبح من أركان الحياة الداخلية لهذا الحزب العريق.