تحقيقات

ثلاثة أعوام على إطلاق المشروع الوطني للإصلاح الإداري.. ما الذي تحقق؟!

“الإصلاح” من أكثر الكلمات التي رددها المعنيون، وملّ من سماعها المواطنون على مدى سنوات عديدة، دون أن تتحرك عجلته بما يشعرنا بأن شيئاً ما قد تبدل نحو الأفضل، وبما يحقق معالجة الخلل والترهل الذي تعيشه مختلف مؤسساتنا، وبذلك بقي كل الكلام عن (الإصلاح) مجرد شعارات وتصريحات!.
المختصون في الشأن الإداري من باحثين وأساتذة جامعة وحتى طلبة الإدارة يشعرون اليوم بالإحباط وهم يرون ضعف الاستجابة لمتطلبات الإصلاح الذي بات حاجة مهمة لمتطلبات المرحلة الراهنة من أجل مواجهة كل التحديات، ولعل السؤال الذي يُطرح هنا: ما هو الحل الذي يخرجنا من عنق الزجاجة، ويفتح الآفاق الرحبة لإصلاح إداري شامل يكون هو الداعم الأساسي لنجاح المشروع الوطني للإصلاح الإداري الذي أطلقه السيد الرئيس بشار الأسد في 20 حزيران عام 2017، والذي يعتمد على عدة نقاط تتمحور حول “خلق منهجية واحدة ومتجانسة لكل الوزارات عبر مركز يسمى مركز القياس والدعم الإداري، يقوم بوضع الهيكليات والتوصيف الوظيفي، وإيجاد آليات لقياس الأداء والأنظمة الداخلية للمؤسسات، وقياس الإجراءات بين المواطن والمؤسسات، أو داخل المؤسسات، أو فيما بينها، وقياس رضى المواطن والموظف، ومكافحة الفساد؟”.

إهمال واضح!
في أحاديث مطولة مع طلبة كلية الاقتصاد بجامعة دمشق /اختصاص إدارة/، وطلبة المعهد العالي للتنمية الإدارية، والمعهد الوطني للإدارة، كان هناك إجماع على وجود إهمال واضح للخبرات والكفاءات الإدارية المؤهلة رغم كونها الحلقة الأهم في عملية التنمية الإدارية، متسائلين عن سر الاستمرار بالاعتماد على المحسوبيات بعيداً عن انتقاء من يستحق، ويعطي القيمة المضافة، ويفتح الآفاق الرحبة للتطوير الإداري بفكر مبدع وأداء خلّاق!.

بكل صراحة قالها بعضهم: “وزارة التنمية الإدارية لم تتفاعل كما يجب مع معطيات ومتطلبات المشروع الوطني للإصلاح الإداري في كل مراحله”، مؤكدين أن الأمر يحتاج لحماسة زائدة وليس لهدوء، لأن الوقت ليس في صالحنا.
وكان من جملة المقترحات، إحداث “سوق عمل وطني إداري يضم خبراء عمل في العلاقات العامة والتنظيم الإداري والتسويق، ونشر منهجيات التفكير الإداري، وثقافة الجودة على مستوى فردي ومؤسساتي”.

لعل الذكرى تنفع! 
في الشهر الأول من عام 2018 اجتمع على مدرج جامعة دمشق عدد من الخبراء والمختصين ضمن فعاليات مؤتمر “المشروع الوطني للإصلاح الإداري.. مقومات النجاح في سورية ما بعد الحرب”، ونتذكر أنهم أكدوا على “تحسين أداء الوزارات، مع التركيز على دور الشباب في مرحلة ما بعد الحرب، والاعتماد على الكفاءات، وإيجاد إحصاء حقيقي ودقيق قبل البدء بأي إصلاح إداري، ومعالجة التداعيات وتحليل أسبابها، واتخاذ القرارات المناسبة لمواجهتها وحلها وفق آليات ناجعة بعيداً عن التسويف والتأجيل”.. وطبيعي أن نسأل هنا: ماذا تحقق من كل ذلك؟!.
قياساً على أرض الواقع نرى أن الخلل الإداري مازال قائماً، بل قد زاد، وذلك ليس مستغرباً كون سياسة الإصلاح الإداري في سورية لاتزال تفتقد للسمات الرئيسة التي تجعل منها سياسة بالمعنى الصحيح للكلمة!.

الخطوات الأساسية للإصلاح
برأي خبير الإدارة عبد الرحمن تيشوري باتت خطوات الإصلاح الإداري واضحة بعد أن حددها المشروع الوطني للإصلاح الإداري الذي أطلقه السيد الرئيس بشار الأسد، والذي رسم استراتيجية واضحة المعالم تؤكد حاجتنا الكبيرة للإصلاح بعد الدمار والحرب .
وأضاف: كل ما نحتاج إليه هو تعيين وسائل تنفيذ عملية الإصلاح الإداري، بشرياً ومالياً ومرحلياً، وتقويم وقياس الإصلاح الإداري بشكل دوري وربع سنوي، متسائلاً عن سبب استمرار إهمال خريجي المعهد الوطني للإدارة الذي هو “قلب” عملية الإصلاح- حسب رأيه- وأبدى استغرابه من تأخر إعادة تقييم تجربة المعهد لجهة استثمار الخريجين القدامى، وتحفيز المتسابقين الجدد!.

سؤال هام
ثمة سؤال يطرح نفسه هنا: هل عجزنا عن تنفيذ إصلاحات حقيقية تحقق سياسة نقدية قوية تدعم التنمية الاقتصادية من خلال تقليص الإنفاق غير العقلاني، كالنفقات التي تتعلق بالدعم الحكومي، وإعادة بناء الشركات الحكومية /دون جدوى/ التي “تفترس موازنة الدولة”؟
ويوضح تيشوري أننا بحاجة اليوم إلى تطبيق مبادئ جديدة لتنظيم الإدارة وأسلوب تقديم الخدمات، مع إعطاء أهمية خاصة لتدريب الكوادر الحكومية، وبرامج الجدارة القيادية، واستثمار خريجي هذه البرامج، وتحديد الولاية الإدارية، والتركيز على جودة التطوير المؤسساتي ومحاربة الفساد عبر سلسلة إجراءات، أولها إحداث هيئة جديدة، وحل مؤسسات الرقابة الحالية، والعمل الجاد على تعزيز المشاريع الصغيرة والصغرى، وزيادة تمويلها، وتسهيل إنشائها بدلاً من وضع العراقيل أمامها، وإجبار الشباب على التخلي عن أحلامهم!.
ودعا تيشوري للإسراع بتطوير قانون العاملين في الدولة، ووضع قانون للمراتب الوظيفية ينصف أصحاب الكفاءات والخبرات، وزيادة الرواتب والأجور بنسب مجزية في ظل تراجع القوة الشرائية لليرة السورية والارتفاع الجنوني للأسعار وسط غياب الإجراءات الرادعة!.

تبسيط الإجراءات
وبرأي الخبير الإداري أن الإصلاح لا يمكن أن ينجح إلا باعتماد آلية فاعلة للمحاسبة والمساءلة في كل القطاعات والإدارات “القانون فوق الجميع”، مع تبسيط الإجراءات لكسب رضى المواطن ورضى الموظف السوري ذي الدخل المحدود الذي لا يكفيه أياماً معدودة على أصابع اليد الواحدة!
بالمختصر، من الواضح أن البيئة الحالية للعمل الإداري في مؤسساتنا لا تحقق المطلوب لجهة الكفاءة الإدارية والإبداع والتميز الإداري، وبحسب المختصين في الإدارة فإن إنجاز الأعمال الروتينية والإجرائية يأخذ حيزاً كبيراً ووقتاً طويلاً من عمل الإدارات بدلاً من أن تكون الحصة الأكبر للتطوير والنمو الإداري من أجل مواكبة التطورات ومواجهة التحديات، ويبقى الأمل بالسلطتين الجديدتين التنفيذية والتشريعية القادمتين بأن تضعا الإصلاح الإداري على سلم الأولويات وفق خطة أو استراتيجية عمل محددة الأهداف والوسائل، قابلة للتنفيذ على أرض الواقع خلال مراحل محددة، فنحن بحاجة ماسة لمؤسسات حكومية قوية إدارياً، وقادرة اقتصادياً على مواجهة الأخطار، ومنها قانون “قيصر”، وغيره من وسائل الضغط الذي يمارس على الدولة السورية الصامدة.

غسان فطوم