محليات

الذم والقدح والتحقير عبر الأنترنت.. عندما يتصدى المشرع للتهديد المجتمعي بالردع والملاحقة

دمشق – كنانة علي

لا تختلف جريمة الذم والقدح والتحقير باختلاف الوسيلة بالنسبة لقانون العقوبات، إلا أن سرعة الانتشار وسعته عبر الشبكة العنكبوتية دفعا لتدخل المشرع بقوانين جزائية خاصة لردع هذه الظاهرة التي باتت تهدد المجتمع من جميع النواحي، وكان أن وضع المشرع السوري تشريعاً جزائياً خاصاً شدد العقوبة فيه على بعض الجرائم إذا كانت وسيلتها الأنترنت، وأحدث ضابطة عدلية مختصة بملاحقة هذه الجرائم، وذلك في المرسوم رقم 17 لعام 2012 .

وتتنوعى – وفق الأستاذ الدكتور شادي جامع عميد كلية الحقوق بجامعة تشرين – صور الذم والقدح والتحقير بتنوع الغرض من استخدام الأنترنت، والطريقة التي يستخدم بها، فقد يكون الذم والقدح والتحقير وجاهياً عبر خطوط الاتصال المباشر، أو قد يكون كتابياً، أو قد يكون غيابياً، أو قد يكون بواسطة المطبوعات، وجميع هذه الصور ترتكب عبر الأنترنت من خلال المبادلات الالكترونية الكتابية أو الصوتية أو الفيديوية، وبالتالي قد يساء استخدام الخدمات المتاحة لارتكاب الجرائم المعاقب عليها، ويرى الدكتور جامع في تصريح لـ “البعث” أنه يمكن تصور ذلك من خلال عدة وسائل منها البريد الالكتروني، وهو أكثر استخدامات الأنترنت شيوعاً، ويستطيع الجاني من خلال البريد الالكتروني أن يرتكب مثل هذه الجرائم بإرسال بريد الكتروني يتضمن القدح أو الذم أو التحقير.

ويوضح أن المادة 32 من المرسوم 17 لعام 2012 حسمت الجدل حول اعتبار الشبكة من وسائل العلنية بالنص صراحة، على أنها تعتبر من وسائل العلنية حين يستلزم القانون تحقق العلنية للعقاب على الجريمة، وبالتالي قد يتصور وقوع الذم والقدح والتحقير عبر البريد الالكتروني من خلال إرسال الرسالة المتضمنة المادة التي تشكّل ذماً وقدحاً: بـ “صوت أو صورة أو كتابة”، إلى أكثر من شخص، بقصد الإساءة إلى المجني عليه، ويستوي أن يتم النشر والإذاعة من مكان عام كمقاهي الأنترنت، أو من مكان خاص، ويقع الذم أو القدح الخطي عبر البريد الالكتروني أيضاً بما يوزع على الناس من الكتابات أو الرسوم أو الصور الاستهزائية أو مسودات الرسوم (قبل أن تزين وتصنع)، بحيث يتسلمها عدد غير محدود من المتعاملين مع الأنترنت، حيث إن التوزيع يفترض تسليم المكتوب أو المطبوع أو الرسم إلى الغير بطريقة مباشرة أو غير مباشرة دون مقابل عن طريق البريد الالكتروني، ويستوي أن يقوم الجاني بالتوزيع من تلقاء نفسه، أو بناء على طلب الغير، كما يستوي أن يكون ذلك قد تم عن طريق تداول نسخة واحدة منه أو بوصول عدة صور، طالما كان ذلك بفعل المتهم أو نتيجة حتمية لفعله لا يتصور أنه كان يجهلها، والتوزيع يفترض اطلاع الغير شخصياً على ما يحتويه المكتوب وفهم معناه عن طريق الرؤيا المباشرة، ويكون الذم والقدح خطياً بما يرسل إلى المعتدى عليه من الرسائل المفتوحة وبطاقات البريد، ويقع الذم والقدح أيضاً بواسطة المطبوعات، شريطة أن يقع بواسطة الجرائد والصحف اليومية أو الموقوتة، والتي أصبحت تأخذ مكانها على شبكة الأنترنت من خلال مواقعها على صفحات الويب العالمية، الصورة الثانية قد يرتكب فيها الذم والقدح والتحقير عبر شبكة الويب العالمية من خلال إسناد مادة كتابية، صوتية، فيديوية صوتية (سمع بصرية) تسيء إلى أحد الأشخاص، ومن شأنها أن تنال من شرفه أو كرامته، أو تعرّضه إلى بعض الناس واحتقارهم، وهو غالباً ما يتخذ صورة الذم والقدح الخطي بواسطة المطبوعات، حيث إنه من خلال صفحات الويب يتم نشر وإذاعة وتوزيع الكتابات أو الرسوم أو الصور الاستهزائية أو مسودات الرسوم والمكاتيب المفتوحة وبطاقات البريد، وكذلك فإن الجرائد والصحف اليومية أو الموقوتة الالكترونية أخذت حيزها على شبكة الويب العالمية، ويمكن ارتكاب أفعال الذم والقدح والتحقير من خلالها، حيث إن صحائف الويب توضع على الحاسب الخدمي بصورة دائمة بهدف أن يستطيع أي شخص الاطلاع عليها، وهي تختلف عن الرسائل الالكترونية التي تعد من قبيل المراسلات الخاصة إذا كانت موجهة لشخص أو أشخاص محددين مقدماً، وتستخدم كذلك صفحات الويب في الترويج للأفكار عن طريق نشر الدعاية التي قد تتضمن عبارات ذم وقدح وتحقير بحق الآخرين، أفراداً كانوا أو مؤسسات، فيقع القدح والذم والتحقير على الأشخاص الاعتباريين بجانب الأشخاص الطبيعيين.

ويضيف عميد كلية الحقوق بأن الصورة الثالثة قد تقع جرائم القدح والذم والتحقير فيها عبر مجموعات الأخبار، وهي عبارة عن مناطق مناقشات عامة عبر الأنترنت، يمكن من خلالها التحدث حول أي موضوع، مع إمكانية تبادل الصور والمعلومات المقروءة أو المكتوبة، ويتم ذلك من خلال نظام News groups نيوز جروب أو نظام يوزنت Usenet وكلاهما عبارة عن مجموعات أخبار، ولكن يختلف أحدهما عن الآخر من ناحية إقامة المسؤولية الجنائية حول مراقبة وتوزيع الوثائق، ففي مجموعات أخبار نيوز جروب News groups لا تثار مشكلات خاصة من ناحية المسؤولية الجنائية، ولا ينطبق عليها نظام المسؤولية المطبقة في مواد وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، والتي تعني بأن شخصاً يمارس صحافة ويقوم بمراقبة وتوزيع الوثائق، حيث إن نظام نيوز جروب News groups يستخدم بواسطة الأنترنت، ويتم بواسطة إدارة المعلومات ومراقبة توزيعها، أما نظام يوزنت Usenet فهو عبارة عن أحد الأنظمة التي تقدم خدمة الأنترنت ويقوم بواسطتها المستخدم عن طريق استخدام نظام اوتوماتيكي ببث رسالة أو عدد من الرسائل إلى مجموعة من المستخدمين أو المشتركين، وبالتالي يمكن إقامة المسؤولية الجنائية للأشخاص الذين يقومون بإدارة يوزنت Usenet إذا ما ثبت أنهم قد أخذوا موقع أحد المجموعات غير المشروع، أي رسائل ومعلومات يعاقب عليها القانون، ونجد بالتالي أن صور الذم والقدح والتحقير يمكن أن تمارس من خلال مجموعات الأخبار، فيكون الذم والقدح والتحقير وجاهياً متى كان كل من الجاني والمجني عليه يتبادلان الرسائل عبر مجموعات الأخبار، أو في صدد تعليقهم ومشاركتهم على موضوع معين، وتتحقق علانية الفعل، حيث إن كل المشتركين في مجموعات الأخبار يمكنهم أن يروا ما يرد من رسائل وتعليقات حول الموضوع الذي اختاروه لمناقشتهم، حيث إن المعلومات لا تصل إلى المشترك إلا في حالة ما إذا كان هذا الشخص متداخلاً في الشبكة، وكذلك تتحقق صورة الذم والقدح الغيابي عبر مجموعات الأخبار فيما لو ترك المستخدم عنوان بريده الالكتروني على مجموعات الأخبار ليتسنى له استقبال الرسائل حول موضوع معين، ولمعرفة أخبار موضوع يشغل اهتمامه، سواء من قبل القائمين على إدارة مجموعات الأخبار أو من قبل المشتركين في هذه المجموعات على حد سواء، فإذا تضمنت تلك الرسائل ما من شأنه أن ينال من شرفه أو كرامته واعتباره بتضمنها عبارات قذف وسب، فإن النشاط المادي لجريمة الذم والقدح والتحقير يتحقق.

ويفنّد الدكتور جامع صور الذم والقدح والخطي عبر مجموعات الأخبار، حيث إن عبارات الذم والقدح والتحقير تنشر وتذاع بين الناس عبر حلقات النقاش هذه، أو قد توزع على فئة منهم على شكل كتابات أو صور استهزائية أو مسودات الرسوم قبل أن تزين وترسل إلى بريدهم الالكتروني، وكذلك قد يتم إرسال المكاتيب المفتوحة وبطاقات البريد الالكتروني المتضمنة عبارات ذم وقدح وتحقير بحق المجني عليه إلى مجموعات الأخبار وحلقات النقاش، فيحقق بذلك الركن المادي لجريمة الذم والقدح والتحقير الخطي، أيضاً قد تكون وسيلة الذم والقدح والتحقير عبر غرف المحادثة أو الثرثرة عبارة عن ساحات معروفة في القضاء الالكتروني، حيث تتيح لمستخدميها الاشتراك في محادثات بين بعضهم البعض، بإرسال البريد الالكتروني الذي يمكن قراءته من قبل الشخص المشترك في غرفة المحادثة.

وبما أن التخاطب يتم بالكتابة باستخدام لوحة المفاتيح لدى كل من المتخاطبين، فإن الصورة الغالبة للذم والقدح والتحقير التي ترتكب بواسطة غرف المحادثة هي صورة الذم والقدح الخطي الذي يشترط أن يقع:

1- بما ينشر ويذاع بين الناس، أو بما يوزع على فئة منهم من الكتابات أو الرسوم أو الصور الاستهزائية أو مسودات الرسوم (الرسوم قبل أن تزين وتصنع).

2- بما يرسل إلى المعتدى عليه من المكاتيب المفتوحة (غير المغلقة)، فإذا ما قام الجاني بنشر وتوزيع أية مادة من شأنها أن تنال من شرف المجني عليه وتعرّضه إلى بغض الناس واحتقارهم، سواء أكانت تلك المادة جريمة تستلزم العقاب أم لا، عُد الفاعل مرتكباً لفعل الذم، ولو قام بالاعتداء ذاته دون بيان مادة معينة عُد قادحاً، وكذلك فإن كل سباب تم بالكتابة أو الرسم عبر غرف المحادثة يعتبر تحقيراً ولو لم يجعلا علنيين.