دراساتصحيفة البعث

الاستثنائية الأمريكية في مهب الريح

هيفاء علي

 

منذ نهاية الحرب الباردة، فقدت القوة الأمريكية قدرتها على الإلهام، وفقدت الكثير من جاذبيتها، واليوم يتجلى هذا المشهد بالاحتجاجات التي تشهدها الساحات الأمريكية عقب جريمة مقتل جورج فلويد على أيدي الشرطة، وضد سياسة التمييز العنصري.

القوة الأمريكية بدأت تتراجع منذ عهد الرئيس بيل كلينتون ابتداء من أزمة البلقان الدموية إلى فشل عملية السلام في الشرق الأوسط، والإبادة الجماعية في رواندا، والحرب غير الشرعية في كوسوفو، ورفع القيود المالية التي تسببت لاحقاً في كارثة اقتصادية وانتشار عدم المساواة.

بعده اتخذ الرئيس جورج دبليو بوش نهجاً أحادياً قائماً على سياسة “إما معنا أو ضدنا” بعد هجمات 11 أيلول، ما مهد الطريق لحروب دموية لا نهاية لها في جميع أنحاء الشرق الأوسط، والأهم انهيار النموذج النيوليبرالي الأمريكي في عهده وتحت رعايته.

حاول خليفته باراك أوباما تهدئة الأمور، واستعادة بعض القوة الناعمة المفقودة، لكن السياسة الأمريكية تطورت بشكل أكبر، واستمرت الحروب التي لا نهاية لها بإضافة الحرب على ليبيا وسورية للحرب في العراق وأفغانستان، كما وقّعت إدارة أوباما على الاتفاق النووي مع إيران، لكن تحدي الأمم المتحدة لم يلغ العقوبات، ما أعاق هذه الصفقة التاريخية منذ البداية.

ومع قدوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، منذ عام 2017، اتبع سياسات بوش، ما وضع الولايات المتحدة خارج خطا بقية المجتمع الدولي والنظام العالمي القائم على القواعد، وبينما كان يكافح من أجل “جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”، انفجرت التناقضات الداخلية في وجهه من الاقتصاد إلى الاستقطاب الثقافي، وانتشار وباء فيروس كورونا الذي فشلت إدارته في مواجهته، وأخيراً الاحتجاجات المستعرة بسبب التمييز العنصري التي لم يأخذها ترامب على محمل الجد.

كل ما تقدم مؤشرات على أن الولايات المتحدة لم تعد أكبر دولة في العالم، ولم تعد “استثنائيتها” مبررة، وأكبر دليل على ذلك هو إصدار إيران مذكرة اعتقال بحق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وعشرات الأشخاص المشتبه في تورطهم في غارة بطائرة دون طيار التي استهدفت الجنرال قاسم سليماني في كانون الثاني الماضي، وقيام المحكمة الجنائية الدولية بفتح تحقيق في جرائم الحرب المرتكبة في أفغانستان منذ عام 2003، ما استدعى رداً عنيفاً من الولايات المتحدة بمرسوم رئاسي صدر في 11حزيران الماضي ينص على أن أية محاولة من قبل المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة أفراد أمريكيين دون موافقة الولايات المتحدة، أو أفراد من دول حليفة، مثل الكيان الإسرائيلي، تشكّل تهديداً غير عادي للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة.

والسؤال الكبير هو: متى ستفهم النخب السياسية الأمريكية أن مثل هذا السلوك يذكي الاستياء تجاه أمتهم، وأن الولايات المتحدة ليست استثنائية ومعصومة عن الخطأ  لدرجة أنها لا تتحمّل أدنى قدر من الانتقاد لسلوكها وسياساتها؟.