ثقافةصحيفة البعث

قراءة في رواية “سفر الخروج” لـ محمد دالاتي

رواية ترصد تداعيات الحرب الإرهابية على سورية بشكل خاص، وما خلّفته من دمار كوني وإنساني على هذا الشعب الذي مازال يقاوم الحرب تحت وطأة الظروف التي فرضها العالم على بلادنا لنموت قهراً وظلماً وفقراً، إضافة إلى الحرب النفسية والصراعات الداخلية وتأثيرها على الصغير قبل الكبير، فشكّلت هذه الحرب كابوساً يجثم على صدورنا، ويمزق أواصر الحب والإخاء والخير، ليصبح التشرد والضياع والحرمان، والبحث عن سفينة للنجاة هو ما يشغل الإنسان عن أشياء أخرى هم يريدون لنا أن ننساها ونغفل عنها لنصبح رقماً جديداً في لعبتهم القذرة في السيطرة على الوطن العربي.

جاءت رواية الكاتب محمد دالاتي كتلة من الحب والوفاء والتعاون بين أبناء الوطن لتشكّل اللحمة الوطنية التي لن تتخلى عن مورثاتها الإنسانية وعاداتها وتقاليدها وقيمها التي مازالت متجذرة في ذات الإنسان السوري رغم تعرّضه لقساوة الحرب وما خلّفته من ضياع وقهر وظلم، وأرغمته على الهجرة لبلاد لا يرغب فيها بأي شكل من الأشكال، وبتشكيل لغوي وفني، وما في الرواية من بناء معماري دقيق وحبك درامي لا ينفك عن بعضه تحت أي ظرف من الظروف، ينسج الكاتب أحداث روايته في بعض المحافظات السورية وريفها البسيط المتمسك بالعادات والتقاليد، مشكّلة حالة انعتاق بين شخوص روايته وحبهم للأرض التي أنجبتهم من رحمها، فتأتي العاطفة قوية صادقة لتكون العنصر الأقوى في البناء الروائي والأهم في الحدث المتعوب عليه بمشاعر ذاتية من شأنها عدم التخلي عن مبادئنا وقيمنا مهما قست علينا الظروف، ويبدو أن  الكاتب اختار أبطال الرواية من قلب الواقع لتتسم بروح البساطة والمحبة من أجل تحقيق أهداف لا تتعدى العيش بسلام في رحاب الوطن، فيشتغل الكاتب على معالجة الحالات النفسية والضغوطات التي تعرّضوا لها محاولاً استنفار مشاعرنا الإنسانية، وغالباً هذه الحالات هي ما يمكن أن يكون قد عايشها الكاتب أو رآها في بيئته، ليكون الوصف قريباً إلى الواقع، أو هو الواقع بعينه، ولتصبح الصورة مشحونة بالحالات الانفعالية والوجدانية التي أعطاها الكثير من مشاعره المضطربة وعاطفته الصادقة المتأثرة بالحدث، فأثرت بالقارئ الذي لم يغفل يوماً عن مخلّفات الحرب، فأثارت أيضاً انفعالاته النفسية وعواطفه ليبقى متمسكاً بالرابط الإنساني بينه وبين أفراد مجتمعه.

تعالج الرواية قضايا اجتماعية تخص الهجرة ومخلّفاتها السيئة على الفرد الذي تخلى عن أحلامه وآماله في الأرض التي كانت ملعباً للطفولة والحب والجمال، ليقول: “من خرج من داره قل مقداره”، فكيف إذا كانت هذه الهجرة تأتي عن طريق البحر وغدره ليبتلع الإنسان في لحظات، وأيضاً المجتمع الذي تركه أبناؤه قسراً ليكونوا تحت رحمة الغرب بممارسة الوسائل القمعية عليهم ذلاً وانكساراً، والاستفادة من كل خبراتهم، وسم أفكارهم بمعتقداتهم، وسلب عاطفتهم، وهدم مستقبلهم ليكونوا تحت رحمتهم، تاركين وراءهم كل الذكريات الجميلة والحب، ضاربين بها عرض الحائط، والتخلي، فالغربة هي انهيار حقيقي لشريعة الحياة، وقتل الإنسانية فينا.

الرواية تعتمد الأسلوب الدرامي، العاطفي في محاكاة المتلقي باعتبار أن الحدث يخصه بالمطلق، حيث اختار الكاتب وقائع على شاكلة الواقع، أو ربما أراد ألا يبتعد عن المنطق ليوثق ما يريده الوجدان العربي من معاناة أو مخالفات أو مجابهة لمحاولات من شأنها النيل من الكرامة.

الرواية التي أنتجتها للقارئ دار عقل للطباعة والنشر والتوزيع ابتعدت عن الاستطراد، وظلت مثابرة في تماسك أحداثها إلى النهاية.

نبوغ محمد أسعد