تحقيقات

واقع مياه الشرب في اللاذقية.. اختناقات تتكرر .. ومساع لمعالجة النقص المائي ..

يبدو أن اختناقات مياه الشرب باتت معاناة صيفية بامتياز في محافظة اللاذقية التي لم تتخلص من هذه المشكلة المزمنة على مدى سنوات، وبالأخص خلال هذا الصيف الذي يضنّ بمياه الشرب الكافية على التجمعات السكنية في مختلف أرجاء المحافظة،  ريفاً ومدينة، ولذلك تكاد تكون مشكلة انقطاع مياه الشرب وشحّ الوارد منها تتردد على نطاق واسع بين الناس من أبناء المحافظة، بما في ذلك التجمعات السكنية المتوضعة في مناطق قريبة من الأحواض المائية، والينابيع، والمشروعات، وغيرها من مصادر المياه الأساسية، سواء تلك التجمعات العمرانية الكبرى التي تتغذى من أغزر مصادر المياه، كما الحال بالنسبة لمدينة اللاذقية التي يشكّل نبع السن مصدرها الأساسي من مياه الشرب، ولأن هذه المشكلة ضاغطة بقوة على الحياة اليومية للمواطن، فالكل يسأل ويتساءل مستغرباً: هل من المعقول أن تعاني اللاذقية من شح في مياه الشرب وهي الغنية بمصادر ومنابع المياه؟ أين الحلقة المفقودة؟ والكل يرمقك بأسئلة الاستغراب والحيرة والدهشة، لأن وفرة المياه في اللاذقية لا ينعم بها المواطن في منزله، وينتظرها ساعات طوالاً ليحصل على جزء من حاجته.

مصادر مياه الشرب

للوقوف حول واقع مياه الشرب في محافظة اللاذقية، وأسباب حصول الاختناقات والانقطاعات، كان لـ “البعث” هذا اللقاء مع مدير عام المؤسسة العامة لمياه الشرب في اللاذقية المهندس مضر منصورة الذي أوضح أن نبع السن يعدّ المصدر الرئيسي لمياه الشرب في محافظة اللاذقية، حيث يؤمّن نسبة ٨٥% من حاجة المحافظة بكمية تتراوح ما بين ٣١٠ إلى ٣٣٠ ألف متر مكعب في اليوم، بالإضافة إلى باقي المصادر المائية التي يتم من خلالها تأمين باقي الكمية من مصادر محلية أخرى من آبار وينابيع تقدّر بنحو ٧٠ ألف متر مكعب، وبيّن منصورة أن في محافظة اللاذقية تعداداً سكانياً يقارب ٢.٢ مليون نسمة، ويبلغ عدد المشتركين بعدادات مياه فيها /٢٦١٧١٦/ مشتركاً بعدادات استجرار نظامية، وهناك مواطنون غير مشتركين بعدادات نظامية في مناطق السكن العشوائي، وتعمل المؤسسة بكل ما تستطيع لمعالجة هذه الحالة، وقمع هذه الظاهرة من خلال حثّ المواطن على الاشتراك بعداد مياه.

اختناقات

وأوضح المهندس منصورة أن الاختناقات تحصل في مثل هذه الفترة بالتزامن مع فصل الصيف، حيث تصبح هناك اختناقات تعود إلى أسباب عديدة، منها زيادة المساحات المزروعة في المناطق الريفية العليا التي تحتاج في معظمها إلى توافر المياه، لاسيما أنه في المناطق الريفية العليا لا توجد مياه ري لسقايتها، إضافة إلى أنه في مثل هذه الفترة هناك انخفاض تردد كهربائي، وهذا الانخفاض يؤدي لتخفيض كميات المياه التي يتم ضخها عبر مضخات السن، بالإضافة إلى التقنين الكهربائي في مدينة اللاذقية والقرى، ما يؤدي إلى اختناقات، لأن نظام التقنين الكهربائي بمعدل ٣ ساعات وصل مع ٣ ساعات قطع لا يكفي لتغذية احتياجات حي من الأحياء بشكل كامل من المياه.

معاناة تتكرر كل صيف

وعن أسباب الاختناقات في الوارد المائي أوضح منصورة أن هذه الاختناقات نفسها تتكرر صيفاً و شتاء، إلا أن الشعور بها يكون واضحاً في الصيف نظراً لزيادة الاستهلاك واشتداد الحاجة إليها، مبيّناً أن هناك ١٣ محطة ضخ موجودة في السن، وهي نفسها التي تغذّي المحافظة صيفاً وشتاء منذ ٢٠ عاماً بالغزارة نفسها دون أن تزداد، بل على العكس تناقصت على مدى هذه السنوات، ولذلك الكمية هي نفسها التي يتم ضخها صيفاً وشتاء، ويكون الإحساس بها في الشتاء ضعيفاً بسبب الاستهلاك الضعيف مقارنة مع الصيف، حيث لا يوجد ري مزروعات ولا استهلاك كبير، بينما تكون الحاجة للمياه أكبر في الصيف، إضافة إلى الاستخدامات الأخرى.

حلول لتحسين الواقع

وفيما إذا كانت هناك حلول لتحسين واقع مياه الشرب، ودعم وارد التغذية للتجمعات السكنية ريفاً ومدينة، فقد بيّن مدير عام المؤسسة أنه خلال هذه الفترة تقوم مديرية الموارد المائية بإنشاء محطة ضخ، كما تم إنشاء خزان بسعة ٦ آلاف متر مكعب، وستؤمّن المحطة التي يجري إنشاؤها كمية قدرها ٧٠ ألف متر مكعب من المياه على أقل تقدير، وهذه من شأنها أن تعطي وارداً مائياً جيداً يسهم في تخفيف المعاناة، كما أن هناك مشروع نفق سد ١٦ تشرين يؤمّن ٨٠ ألف متر مكعب في اليوم، وهو مشروع استراتيجي يحقق أماناً مائياً، إضافة إلى المحطة الموجودة في السن المزمع إنشاؤها من مديرية الموارد المائية.

حلول سريعة

وعن إمكانية اتخاذ حلول إجرائية سريعة للتخفيف من الاختناقات بأقصر وقت ممكن، فقد أكد منصورة أن هناك حلولاً سريعة ولحظية لزيادة الوارد المائي إلى المحافظة، وهو المشروع الذي تعتزم مديرية الموارد المائية تنفيذه، ويتمثّل في تبديل بروانات المضخات، وهذا من شأنه أن يعطي نحو ٥- ٦ آلاف متر مكعب في الساعة، وبالتالي يعطي وارداً مائياً جيداً، ما يحقق وضعاً أفضل لمياه الشرب في المحافظة.

استجرار غير نظامي

وأكد منصورة أن الاستجرار غير النظامي للمياه يؤدي إلى خلل كبير في ورود المياه إلى المحافظة، وأن الضابطة المائية في المؤسسة لم تأل جهداً في قمع ظاهرة الاستجرار غير المشروع منذ بداية الصيف، حيث يتم قمع وإزالة حالات التعدي على الشبكة، كما تقوم الضابطات المائية الفرعية بجولات مستمرة على الخطوط والشبكات للكشف على التعديات، واتخاذ الإجراءات بحقها، وكون جميع الخطوط تمر في الأراضي الزراعية فإن ذلك يسبب صعوبة في المعالجة والإزالة، ولكن بشكل عام تؤدي الضابطة المائية عملها المكثف دون توقف، وتواصل الكشف على محاور الشبكة وخطوطها، وتقوم بإزالة التعديات، وقمع المخالفات، وتسجيل الضبوط بحق المخالفين، وأشار منصورة إلى أن لدى المؤسسة ضبوطاً مسجّلة، ففي شهر كانون الثاني بلغ عدد الضبوط ٢٨٣١ ضبطاً عن مخالفات استجرار غير نظامي، وفي شباط ٢٥٠٩ ضبوط، وفي آذار ٣٠٠ ضبط، وفي نيسان أكثر من مئتي ضبط، إضافة إلى الكثير من الضبوط التي تم تسجيلها مؤخراً، حيث لاتزال الضابطة المائية تقوم بدورها وواجبها في إزالة التعديات على الشبكة، وضبط المخالفات بكل أشكالها.

العدالة في توزيع المياه

وبشأن انتظام ورود المياه إلى أحياء مدينة اللاذقية وتحقيق العدالة في توزيع المياه أوضح مدير عام المؤسسة أن الغالبية العظمى من الأحياء تأخذ المياه بالتساوي، وقد يأخذ حيّ نصيباً أكبر بحكم موقع الحيّ جغرافياً على محور الشبكة فيكون تزويده أفضل من غيره، ومثل هذه الأحياء قليلة جداً وإنما عدالة التقنين موجودة، ويتم تطبيقها والتقيد بها. وأكد منصورة أن المؤسسة تعمل بكامل كوادرها لتأمين الوارد المائي إلى كل الأهالي والقاطنين في المحافظة ويأمل من مديرية الموارد المائية أن تقوم بتبديل البروانات الموجودة في نبع السن لأن من شأن هذا التبديل أن يقدّم أسرع الحلول الإجرائية الممكنة لزيادة الوارد المائي إلى المحافظة، ويضاف إلى ذلك استقرار التيار الكهربائي ما يؤدي إلى استقرار الوضع المائي.

المخزون المائي جيّد

وأكد منصورة أن المخزون المائي جيد من خلال الأمطار الغزيرة التي شهدتها المحافظة، ما أدى إلى زيادة غزارة نبع السن، وهذه الغزارة تتم المحافظة عليها وهي أولوية، حيث تصل غزارة السن حالياً إلى ١٤ متراً مكعباً في الثانية، وهذه الكمية غزيرة ووفيرة وتغطي الاحتياجات المائية المطلوبة، وهي غزارة مطمئنة وتلبي الاحتياجات ولو تأخر هطل الأمطار خلال موسم الهطول لأن الكميات تغطي الاحتياجات، وهناك أولوية أساسية يتم اعتمادها في كل الإجراءات هي أولوية الحفاظ على الوارد المائي وإدارة استخدامه بالشكل الأمثل والأفضل.

تحسين الوارد المائي

ومن المفيد جداً هنا أن نشير في سياق متابعتنا لواقع مياه الشرب في محافظة اللاذقية أيضاً إلى المشروعات التي تنفّذها مديرية الموارد المائية في محافظة اللاذقية في نبع السن، وقد أجملَ كل  هذه المشروعات في تصريح له مؤخراً لـ”البعث” مدير الموارد المائية في اللاذقية المهندس نبيل حسن في موقع نبع السن خلال زيارة اللجنة الوزارية لتتبع مشروعات المحافظة، ويمكن أن نستشف حجم العمل الذي يجري عليه في نبع السن لتحسين الوارد المائي في سياق عرضه لواقع استثمار نبع السن على هامش زيارة اللجنة الوزارية إلى المحافظة، حيث أوضح مدير الموارد المائية في محافظة اللاذقية أن الغزارة الوسطية لنبع السن تبلغ ١٣.٦ متراً مكعباً في الثانية والدنيا ٦ أمتار مكعبة في الثانية والعظمى ٢٤ متراً مكعباً في الثانية، ويعدّ النبع متعدد الاستخدامات، حيث هناك عدة منشآت على النبع منها محطة ضخ مياه الشرب إلى اللاذقية ومحطة مياه الشرب إلى طرطوس ومحطة مياه الشرب لمصفاة بانياس، إضافة إلى محطة الري ومحطة سوريك، كما تم تنفيذ الأحواض التجميعية ومنها الحوض الأول والثاني ومحطة ضخ مياه الشرب إلى اللاذقية بغزارة ٣.٨ أمتار مكعبة في الثانية عبر محطتين تضم الأولى ٢٤ حوض تصفية والثانية محطة تعقيم مؤلفة من ١٢ حوض تصفية وتعقيم، وهناك خط الجر الأول ويتكون من ٣ مضخات يتم من خلالها ضخ المياه إلى خزان بسعة ١٠٠٠ متر مكعب، وخط جر ثان إلى خزان بسعة ٢٠٠٠ متر مكعب في الثانية، أما الخطين الثالث والرابع فيتم من خلالهما ضخ المياه إلى خزانين: الأول بسعة ٢٠٠٠ متر مكعب والثاني بيع و٥٠٠٠ متر مكعب، وتصل كمية مياه الشرب المنتجة يومياً عبر محطة ضخ مياه اللاذقية مابين ٣١٠ إلى ٣٣٠ ألف متر مكعب في الثانية حسب التغذية الكهربائية.

وذكر مدير الموارد المائية أن عدة إجراءات اتخذتها المديرية لتحسين المياه المنتجة من نبع السن إلى محطة ضخ مياه الشرب في اللاذقية، كما يتم تأمين ٠.٩ متر مكعب في الثانية إلى مدينة طرطوس، وأما بالنسبة للمحطات فهناك ٦ محطات ضخ منها ٤ محطات موضوعة في التشغيل و/2/ احتياط، كما يتم تأمين كمية ٠.٤ متر مكعب في الثانية لمصفاة بانياس، أما محطة ضخ الري فيتم تأمين كمية ٤.٥ أمتار مكعبة في الثانية من مياه الري لمساحة ٩٣٥٠ هكتاراً، أما بالنسبة للأحواض التجميعية فهناك الحوض التجميعي الأول الذي تم تنفيذه بسعة ٧٥ ألف متر مكعب لمياه الشرب والري وملحقة فيه محطة ضخ، وهناك الحوض التجميعي الثاني بسعة ٧٥ ألف متر مكعب في مراحله الأخيرة ومخصص لأغراض الري ودعم إرواء مساحة ١٥٠٠ هكتار في شبكة ٣٠٠٠ هكتار، بالإضافة إلى ٣٠٠٠ هكتار من شبكة سوريك، أما بالنسبة للموقع العام لنبع السن فهو بإدارة مديرية الموارد المائية في اللاذقية منذ عام ٢٠١٥ كون نبع السن متعدد الاستخدامات ولذلك من الطبيعي أن تكون إدارته موحدة، وأشار المهندس حسن إلى وجود دراسة حالياً لإنشاء محطة ضخ جديدة وداعمة لمياه شرب اللاذقية وطرطوس ستؤمّن 72 ألف متر مكعب للاذقية باليوم و42 ألف متر مكعب لطرطوس يرتبط بها خزان على سفح جبل قرفيص سعته 6 آلاف متر مكعب تم الانتهاء من العمل به، ويبقى تنفيذ المحطة وخط الدفع المرتبط بها.

هل المشكلة في الفاقد المائي؟

وأمام كل هذه المعطيات الهامة التي عرضناها حول الواقع المائي في محافظة اللاذقية فإنه يمكننا التأكيد أنه إذا كانت المبررات متعددة حول الوضع المائي الحالي ومنها الانقطاعات الكهربائية واحتياجات تشغيل المحطات وغيرها من مبررات إلا أن الفاقد المائي ينبغي أن يكون محور المعالجة النهائية القطعية لأن الشبكة المائية لا تزال تعاني من تكرار حالات التعدّي عليها، وهذا ما أشار إليه صراحة مدير عام المؤسسة العامة لمياه الشرب في اللاذقية، ما يستوجب وضع حدّ لهذا الفاقد المائي لانعكاس الفاقد المائي على انتظام عملية التغذية كما يستنزف المخزون المائي في اللاذقية، وهذا يحتّم كبح جماح التعديات والتجاوزات على الشبكة المائية، وهنا نؤكد أنه لايمكن التخلص من الفاقد المائي إلا بالتشديد على تخليص الشبكة من كل التعديات واستكمال معالجة الفاقد من خلال المعالجة الفنيّة وأيضاً المعالجة الإجرائية الإدارية المتبعة في نظام عمل المؤسسة ومن شأن استكمال هذه المعالجة الضرورية تمكين المؤسسة العامة لمياه الشرب من كبح جماح هذا التحدي الحقيقي الذي يستنزف جزءاً كبيراً من ثروة طبيعية حيوية وطنية بالغة الأهمية وباهظة التكلفة الإنتاجية.

إزالة المخالفات والتعدّيات

تشير الحصيلة شبه اليومية تقريباً لعدد مخالفات التعدي على شبكات مياه الشرب وخطوطها التي يتم ضبطها وإزالتها من قبل الضابطة المائية في المؤسسة العامة لمياه الشرب في محافظة اللاذقية إلى استمرار استنزاف الوارد المائي جراء التعدي الحاصل على الشبكة بما ينعكس على ديمومة واستقرار التغذية جراء حصول فاقد وحدوث عبث بالشبكة بشكل غير مشروع، وهذا ما تظهر نتائجه ومنعكساته أكثر خلال فصل الصيف، حيث تزداد الحاجة والطلب على المياه وعلى الرغم من كل هذه الآثار السلبية التي تلقي بظلالها المباشرة على سلامة الشبكة وانسيابية التغذية إلاّ أن إصرار المخالفين على العبث بالشبكة والتعدي عليها يطرح الكثير من الاستغراب والاستهجان لأن تعدّيهم المتعمّد يسبب معاناة حقيقية لأغلبية المشتركين، وينعكس على انتظام عملية التغذية ناهيكم عن تسببهم بهدر المياه لأنه إذا ما استعرضنا حصيلة ضبوط المخالفات المسجّلة التي تعلن عنها المؤسسة بين الحين والآخر نجدها كبيرة ومتتالية، حيث تقوم الضابطة المائية المركزية في المؤسسة والضابطة المائية في وحدات المناطق والمدن بمتابعة مباشرة من إدارة المؤسسة بإزالة التعديات على خطوط الجر ومختلف محاور الشبكة وفي أنحاء مختلفة من المحافظة.  ولا يخفى ضرر هذا التعدّي الذي يستنزف جزءاً كبيراً من ثروة طبيعية حيوية وطنية بالغة الأهمية وباهظة التكلفة الإنتاجية في وقت أحوج مانكون إليه لوارد مائي يغطي التوسع العمراني والتزايد السكاني وتليبة الاحتياجات الضرورية لأن الفاقد يذهب مجاناً ويسبب أعطالاً تحتاج صيانات وإصلاحات مكلفة، أما انعكاسه المباشر فيكون نقصاً في سدّ الاحتياجات المائية لأنه استنزاف حاد للمخزون المائي المتاح الذي يجري العمل المستمر برغم الظروف الراهنة على دعمه من خلال مشروعات حيوية هامة عدة يتم تنفيذها.

مروان حويجة