تحقيقات

في العيد.. أغصان الآس تحيي الذكريات!

لم يكن مجيء العيد هذا العام كمجيئه في سنوات الحرب القاسية، حيث يأتي عيد الأضحى حاملاً معه المخاوف سواء من الواقع المعيشي أو من جائحة كورونا.. للكثيرين ممن ذاقوا مرارة الحرب ولوعة الفراق والحرمان من أقربائهم الذين فقدوهم خلال الأزمة فداء لوطنهم الغالي، والذين لم يعد باستطاعتهم رؤيتهم إلا من خلال زيارة قبورهم والترحم على أرواحهم.

زيارة القبور
مشهد أغصان الآس هو الحاضر دائماً في صبيحة العيد منذ عقود، لتوضع هذه الأغصان على قبور الموتى كتقليد قديم وجد فيه البعض إحياء لذكرى موتاهم، حيث تتجلى أواصر المحبة والعرفان في صباح اليوم الأول من العيد عندما يتجّه من فقد عزيزاً عليه إلى المقابر للصلاة على أرواحهم، فمنهم الأهل ومنهم الأقرباء ومنهم الأصدقاء ممن خطفهم الموت عن حياتنا وغيّبهم القدر عن وجودهم معنا في الفرح والترح، ليأتي العيد وأجسادهم غائبة وذكراهم حاضرة في قلوبنا لا حول ولا قوّة لنا في العيد إلا بالترحم على أرواحهم، وهذا ما جرت عليه العادة في مجتمعنا، واليوم وبعد سنوات طويلة من الحرب الآثمة على بلدنا لا يكاد يخلو منزل إلا وفقد عزيزاً، وبقيت الأمهات الثكالى وحيدات يتجرعن مرارة الحزن على فلذات أكبادهن وعلى من فقدن خلال الحرب من الأهل والأقارب، ليكون العزاء الوحيد لهن في زيارة قبور موتاهن كي يشعروا أرواحهم بالراحة.

غسل للنفوس 
يأتي العيد ليجمع شمل الأسر المفككة، ويجبر الجميع على التواصل ومد أواصر التعارف بعد أن فككتها ضغوطات ومشكلات ومتاهة الحياة، خاصة أننا نرى في مجتمعاتنا هذه الأيام أن العائلات لا تلتقي ولا تتجمع إلا في المناسبات الاجتماعية رغماً عنهم، مضطرين لذلك اضطراراً، ومما لا شك فيه أن كورونا أبعد الناس عن بعضهم البعض بسبب ازدياد الهموم التي أثقلت كل بيت من بيوت السوريين ليكون المتنفس الوحيد لإعادة أواصر المحبة بينهم هو مناسبات العيد التي تأتي كضيف خفيف يحمل في جعبته الود والألفة والرحمة، فالعيد برأي الدكتورة منيرة الأحمد” علم اجتماع” هو فرصة ليقوم بها الإنسان بمراجعة أعماله وسلوكياته وتجاوزها قدر المستطاع من خلال المبادرة لإنهاء النزاعات العائلية، وهو وسيلة لغسل النفس من الكراهية والأحقاد وفرصة لتنقية النفوس وهو الحافز لحل الخلافات العائلية من خلال التواصل الاجتماعي تحقيقاً لتوطيد الألفة والمحبة بين الجميع، فالعيد ليس مظاهر مادية تنتهي بانتهاء العيد بل مشاعر إنسانية وسلوكيات صادقة معبرة عن قيم التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع.

البعث