دراساتصحيفة البعث

في ذكرى تأسيسه.. الجيش العربي السوري يواصل النضال و المقاومة

د. معن منيف سليمان

أُعلن رسمياً عن تأسيس الجيش العربي السوري في الأول من شهر آب عام 1945، وأصبح هذا اليوم عيداً تحتفل به جماهير شعبنا وقواتنا المسلحة كل عام، وفيه توجّه تحية المودة والتقدير لجيشنا الباسل على سجله الحافل بالبطولات والنضال الوطني والقومي، فهو درع الأمة وجيشها الوطني بامتياز، أخذ على عاتقه منذ انطلاقته مهمّة الدفاع عن وجودها وكرامتها، وجنّد نفسه لخدمة قضاياها، وبقي على مراحل تاريخه محافظاً على نسيجه متماسكاً، وقوته متراصة في مواجهة التحديات، وفي التصدي للمؤامرات التي تحاك ضدّ شعبنا وأمتنا العربية.

كانت البدايات الأولى لجيشنا العربي السوري بدايات نضال ومقاومة ضد عدو أجنبي محتل، فبعد دخول القوات الفرنسية الغازية دمشق إثر معركة ميسلون في 24 تموز عام 1920، أقدمت سلطات الاحتلال على حلّ الجيش الوطني، واستحدثت تشكيلات بديلة أسندت قيادتها لضباط فرنسيين، ما خلق نوعاً من التذمر والرفض بين صفوف تلك التشكيلات المستحدثة، فعمد الكثير من عناصرها إلى الالتحاق بالتشكيلات العسكرية الوطنية التي اشتدّ عودها، واتسعت جبهة نضالها ضدّ المحتلين الفرنسيين، ما أجبر هؤلاء على اتخاذ قرار وضع هذه التشكيلات تحت تصرف السلطات السورية عام 1945، ونتيجة لذلك تمّ إعلان تأسيس الجيش العربي السوري في الأول من شهر آب من ذلك العام.

لقد حافظ جيشنا على دوره الوطني والقومي المشرف بعد الاستقلال، ففي عام 1948، اغتصبت العصابات الصهيونية فلسطين العربية، فهبّ جيشنا العربي السوري، وهو لا يزال يافعاً، للدفاع عنها، وكانت له ملاحم بطولية سُطّرت بدماء شهدائنا الأبرار الذين قدموا أرواحهم رخيصة دفاعاً عن أرض فلسطين وكرامتها، كذلك ساند جيشنا الشقيقة مصر في تصديها للعدوان الثلاثي الغاشم عليها عام 1956، واستشهد البطل جول جمّال وقتذاك مجسداً وحدة الدم العربي في سورية ومصر بأبهى صورها عندما افتدى بروحه الطاهرة مصر الشقيقة، فدمّر البارجة الفرنسية، واستشهد تلبية لنداء الأشقاء في مصر.

ووقف الجيش العربي السوري ضدّ المشاريع والأحلاف الاستعمارية الهادفة إلى جرّ سورية إلى حظيرة السياسة الاستعمارية، مثل حلف بغداد وغيره، وأسهم في تحقيق الوحدة بين سورية ومصر عام 1958، التي كانت أول تجربة وحدوية في تاريخنا المعاصر، حيث كان للوفد العسكري السوري دور كبير في مفاوضة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، والتوقيع على ميثاق الوحدة بين البلدين الشقيقين، ثم كان الدور المشرف في القضاء على حكم الانفصال، وتفجير ثورة الثامن من آذار عام 1963، التي أولت أولوية كبيرة لمسألة إعادة بناء الجيش وتنظيمه على أسس حديثة.

وتستمر مآثر البطولات والفخار لجيشنا العربي السوري في ظل الحركة التصحيحية المجيدة التي قادها القائد الخالد حافظ الأسد في 16 تشرين الثاني عام1970، حيث أُعيد بناء الجيش على أسس تنسجم مع شعار الجيش العقائدي الذي يهدف إلى خلق مقاتلٍ واعٍ يمتلك روح التضحية والفداء في سبيل الوطن، وأوكلت إلى الإدارة السياسية في الجيش العربي السوري مهمّة قيادة العمل السياسي تبعاً لتوجيهات اللجنة الحزبية للقوات المسلحة، أما عسكرياً فقد تطورت القدرة القتالية للجيش وبلغت مستوىً عالياً من التطور، وجرى تأمين قاعدة تدريبية متطورة وفرت الكوادر العلمية والفنية التي يحتاجها الجيش الحديث، كما زُوّدت وحدات الجيش بأحدث الأسلحة المتطورة، وكان لذلك أثر بعيد في الانتصار الكبير الذي أحرزه جيشنا في حرب تشرين التحريرية عام 1973، حيث خاض أشرس المعارك في عصرنا الراهن، وحطّم إلى جانب شقيقه الجيش المصري أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وأعاد للعرب عزتهم وكرامتهم، وبدّد شعور اليأس الذي تسلّل إلى نفوس بعضهم إثر نكسة حزيران عام 1967، وغيّر الكثير من المفاهيم العسكرية التي كانت سائدة آنذاك، ولا شك أن ذلك كان نتيجة للروح الوطنية والقومية العالية التي كان يتمتّع بها جيشنا الباسل، والتزامه بقضية الأمة المركزية، وتدريبه المستمر.

وفي منتصف السبعينيات دخل الجيش العربي السوري إلى لبنان استجابة لطلب الحكومة اللبنانية والدول العربية الشقيقة لإنقاذ لبنان من محنته ومساعدته على تخطي أزمته، والتصدي للعدوان الإسرائيلي، والمحافظة على وحدة أرض وشعب لبنان، وقد نجح في مهمته وأعاد الهدوء والاستقرار إلى ذلك البلد، كما تصدى للجيش الإسرائيلي في اجتياحه للجنوب عام 1978، وفي اجتياحه للبنان عام 1982، ومنعه من تحقيق أهدافه في لبنان، وقدّم الكثير من الشهداء، كما قدّم كلّ الدعم والمساندة للمقاومة الفلسطينية واللبنانية، ولا يزال حتى يومنا هذا.

وفي ظل قيادة السيد الرئيس بشار الأسد القائد العام للجيش والقوات المسلحة، تزايد الاهتمام بالجيش سياسياً وعسكرياً، حيث عبّر السيد الرئيس عن اعتزازه وفخره بالانتماء لهذه المؤسسة العسكرية، وكان يشارك شخصياً في المشاريع والبيانات العملية، ويشرف مباشرة على سير عمليات التدريب، ويعمل على تحديثها وتطويرها، فأصبح لجيشنا قاعدة تدريبية تضاهي مثيلاتها في الدول المتقدمة، وأصبحت بعض الدول العربية ترسل البعثات العسكرية لتأهيل كوادرها في الأكاديميات والكليات والمدارس العسكرية السورية، وقد ترافق ذلك كله مع الاهتمام بكل ما يعزّز معنويات المقاتلين من خلال العطاءات التي قدمها السيد الرئيس للقوات المسلحة ولمقاتليها.

ولم تنحصر مهمّة جيشنا العربي السوري في الحرب وحسب، وإنما أسهم أيضاً من خلال مؤسساته المتخصّصة في عملية الإعمار والتنمية، فنفذت الكثير من المشاريع الخدمية من شق الطرق، وبناء الجسور، والمدارس والسدود، ودور الثقافة، كما يشغل جيشنا دوراً مهماً في عملية التوعية السياسية، وتربية المواطن السوري تربية وطنية وقومية تجعل من الكرامة عنواناً للسيادة.

وفي هذه الأيام التي تشنّ فيها قوى الاستعمار الغربي والعملاء عدواناً شرساً على سورية بسبب مواقفها من قضايا الأمة واحتضانها المقاومة، يقوم جيشنا العربي السوري البطل بالتصدي للمؤامرة من خلال عمليات ناجحة ضدّ المجموعات الإرهابية المسلحة في عدد من المدن والمناطق السورية التي أنهت وبشكل كامل أوهام تحقيق أي اختراق في سورية، وألحقت الهزيمة بالمخططات الاستعمارية.

ولا شك أن هذا النجاح جاء بفعل التفاعل والتمازج الإبداعي بين الشعب والجيش وتكاتف الجميع وكأنهم رجل واحد، وهو كما قال السيد الرئيس بشار الأسد: “سرّ نجاح السياسة السورية، وهو الينبوع الثري الذي لا ينضب، والمصدر المتجدّد لطاقتنا المعنوية التي ترفد قدراتنا الذاتية بعوامل قوة موضوعية تزيد من قدرتنا على الصمود والتمسك بحقوقنا المشروعة والإصرار على الدفاع المشرف عنها بكل إباء وعنفوان”.

إن جيشنا العربي السوري، وهو يحتفل بذكرى تأسيسه، يجدّد عهد الوفاء والولاء لقائده السيد الرئيس بشار الأسد، ويؤكد أنه الأمل والعدّة في كل شدّة، والنموذج الذي يحتذى به في البطولة والتضحية والفداء، ومدرسة مثلى للعنفوان والشموخ وخالص الولاء للوطن، وسيبقى جيشنا الباسل متسلحاً بعقيدة حب الوطن والدفاع عنه، وسيظل العين الساهرة التي تحرسه، لينعم أبناؤه بالأمن والطمأنينة ومقومات الحياة الحرة الكريمة، وهو موضع احترام وتقدير من جماهير شعبنا الوفي الأبي المقاوم.