ثقافةصحيفة البعث

فن تطريز الدّهشة: دامشقو سورية أم إبريسم الهند؟!

حين نستعرض بروية وتأنٍ كتاب الأدغال للبريطاني روديارد كبلينغ – مهما اتفقنا أو اختلفنا في تحليله، وما ذهب إليه النقاد عن إسقاطات رموزه كيفما يحلو لهم ذلك – فإننا مجمعون كلنا على أن حضارة وغنى ثقافة الهند كانت حاضرة وبقوة في تفاصيل هذه القصص، أشجارها وتنوع غاباتها وأصناف الطيور والحيوانات فيها وتميزها بتلك النباتات الغنية والفريدة، ومن ثم بصمات الإنسان الهندي الذي خلف آثاراً ومعابد وهياكل وأضرحة تغنت بها قصص الهنود ومن ثم كل المستشرقين الذين أسرهم سحر الهند وأهلها وحضارتهم وغناها، وكتاب الأدغال أنموذجاً للبحث يأخذك في رحلة تعريفية جميلة تدل على ما نرمي إليه في مثالنا هذا.

ومثل كل نُسّاج الحكايات والقصص الطفولية في كل أنحاء العالم ينسج كاتب القصة الهندي أساطيره ورواياته الخاصة وقصصه الشائقة لأطفاله ومن ثم يضمنها ما استطاع من جمال انتمائه ورونق حبه لوطنه ويتغنى بحضارته كما زميله ناسج القماش المعروف باسم “الإبريسم” أغلى وأنفس أنواع الأقمشة الهندية.

والدامشقو السوري النادر والجميل لا يقل براعة وإتقان حرفة في صناعته عن أخيه الإبريسم، فمن لأطفالنا يحوك من أقمشة الإبداع ثياب حكاية لطيفة تضاهي أقمشة أجدادهم في الدامشقو والبروكار ولماذا يا أهل الكار في ثقافة الطفل لا ننشئ هذا التجمع المنشود تحت مظلة مهما كانت تسميتها (صناع – مبدعون –  منتجون) أو سموها ما شئتم فالاسم لا يعني كثيرا بقدر ما يعني الفعل المندرج تحت هذه التسمية، ليكون نسيج قصص أطفالنا ولوحاتهم غني مشبّع بصور حضارته السورية وتفاصيلها.

حرير صاف أصيل

فن الدهشة أقل ما يقال عن “القندورة”، تلك القطع الفنية العالية المستوى في الإتقان والروعة والدقة وقت تصنيعها وحياكتها بهذا الصبر المهيب، التي تنتجها أنامل نساء مدينة سراقب في الشمال السوري على مساحة سوداء حيادية اللون من الساتان الغالي تنقش الذائقة البصرية الفطرية ألقاً من جمال المربعات المرصوفة فوق بعضها وبتناسق لوني غالب فيه اللون الأحمر مع تشريبات لونية أخرى تتداخل مع بعضها لتعطي نقوشاً هندسية بارعة الدقة والإتقان من الحرير الطبيعي الخام باهظ الثمن، في مثل هذه البيئة نشأت ذائقتي البصرية كما نمت لدينا نحن أطفال سورية ذائقة بصرية ممتدة عبر الحبل السري الحضاري إلى رحم التاريخ الأول وما انقطعت يوماً، فإذا كانت الفطرة سليمة معافاة على هذه الأرض ومقومات النهوض بثقافة أطفالنا قائمة بادية للعيان ولها من الأسس الكثير الكثير، فلماذا هذا التراجع في مضمارها؟.

نفير عام للأصالة

لماذا لا يتم البحث بجدية عن الحلول الآنية العاجلة والناجعة ووضعها على طاولة البحث والنقاش لتتحول فيما بعد إلى رؤى وخططاً تنفيذية فاعلة:

– كذبٌ، ادعاء فقر المقومات، فالحضارة السورية نسغ يتدفق في خلايانا جميعاً.

– كذبٌ، ادعاء تراجع الرغبة، فالجيل القادم من أدباء وفنانين -كجيل واعد-أتلمس في عيونهم جذوة حب وطنه مشتعلة كالبركان…فقط أعطوهم الفرصة اللائقة.

– كذبٌ، ادعاء ضعف الإمكانات فهناك آلاف النسخ من الكتب تطبع وترمى في زوايا النسيان والأجدى أن تصب كلها في قصص الأطفال والناشئة.

“مئة كتاب لن تغير قناعات رجل بالغ تمترس وراء أيدلوجيته الخاصة بينما كتاب واحد قادر على أن يغير تفكير وسلوك مئة طفل”. فقط لنعاير الأمور بدقة وموضوعية ولنختر لأنفسنا طريقاً واحداً بين وخز الإبر أو نقش على الحجر.

لدينا الآلاف من الحكايات الشعبية ومن الأساطير الخرافية الجميلة القادرة على إغناء قصص أطفالنا بالعبق وملايين الأماكن والقطع الأثرية النادرة وآلاف المواقع الحضارية العريقة ومئات المبدعين في الكتابة والرسم والإخراج… فمتى نبدأ بالصعود؟

-حرفة تطريز الحكايات السورية بأصالتها فن جميل واعد أتقنه أهلنا الأوائل، والأمانة تقتضي أن نورثها للجيل اللاحق بكل تفاصيله، لنذلل العقبات أمام هذه الحرفة ولندعم محبيها ولنحدد هدفنا القادم دعمهم بكل السبل وعلى كل المستويات ولنحدد ثقافة الأطفال هدفاً لتحقيق المهمة الجليلة في بناء الإنسان وضمان المستقبل المشرق لسورية التي نحب.

رامز حاج حسين