دراساتصحيفة البعث

الصين محور الانتخابات الأمريكية القادمة

علي اليوسف

يقوم دونالد ترامب بين الفترة والأخرى بإلقاء افتراءات عنصرية على مواطنيه، ويلوم الصين على انتشار الفيروس التاجي وخسائر الوظائف الأمريكية، وفي مناسبات أخرى يقوم بالإطراء على الرئيس الصيني شي جين بينغ. تخبّط التصريحات الأمريكية هذا مردّه إلى سوء إدارة ترامب للقضايا الساخنة، أما الإطراء على الرئيس الصيني فمردّه إلى تهيئة الأجواء لانتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة التي لاشك ستكون الصين محورها الرئيسي.

هذا الإطراء تلقاه نائب الرئيس والمنافس على الرئاسة جو بايدن، واستعرض نفسه وهو يتجوّل مع الرئيس الصيني من البوابة الجنوبية إلى بكين متفاخراً بتدريسه للسياسة الخارجية الأمريكية في أعتى المعاهد الأمريكية. ورداً عليه ثمّن الرئيس ترامب سحر الأوتوقراطية الصينية، وقام بالإشادة “بصديقه” للسيطرة على تفشي الفيروس التاجي. هذه الاستعراضات الأمريكية لن تنفع الآن، لأن الناخب الأمريكي الغاضب من إدارته مدرك للعبة، وخاصةً بعد أن كانت روسيا المادة الدسمة في الانتخابات السابقة.

الملفت للانتباه أن حملة ترامب- الذي لا يخفي حقده على الصين- ضد بكين هي واحدة من أقوى أسلحته ضد بايدن، حيث بات يردّد أنه يسعى لبناء إستراتيجية أكثر حرصاً على إعادة بناء علاقات قوية بين الولايات المتحدة والصين، لكن لا شك أن ذلك سيكون من دون فاعلية بعد 3 سنوات ونصف من أخطائه الخاصة، وآخرها وصف نائب الرئيس السابق بأنه “بكين بايدن”، رغم أنه شخصياً طلب المساعدة من الصين لإعادة انتخابه، بحسب تصريحات مستشار ترامب السابق للأمن القومي جون بولتون في كتابه الأخير.

يعتقد الرئيس وفريقه أن بايدن سيدفع ثمناً سياسياً باهظاً، لكن بايدن لديه سجله الخاص في الصين للإجابة عنه، ليس فقط كنائب للرئيس ولكن أيضاً قبل ذلك، بصفته عضواً في مجلس الشيوخ مشاركاً بفعالية في السياسة الخارجية حين كان محورياً في سياسة عهد أوباما، التي اعترف بها الكثير من السياسيين الأمريكيين.

يقول إلي راتنر من مركز الأمن الأمريكي الجديد، ومستشار بايدن سابقاً، في كتابه عن الشؤون الخارجية في عام 2018: “ما يقرب من نصف قرن منذ خطوات نيكسون الأولى نحو التقارب، أصبح السجل واضحاً بشكل متزايد أن واشنطن وضعت مرة أخرى الكثير من الإيمان بقدرتها على تشكيل مسار الصين”. مقابل ذلك قالت بوني جلاسر، مديرة مشروع الطاقة الصيني في مركز الإستراتيجية الدولية: “كانت إدارة أوباما بطيئة بعض الشيء في إدراك كيف ستكون السياسة الخارجية الصينية الحازمة، وإلى أي مدى ستتخذ الصين إجراءات صارمة محلياً”.

تعود علاقات بايدن مع الصين إلى عام 1979 على الأقل، عندما انضمّ كعضو في مجلس الشيوخ إلى وفد أمريكي لمقابلة الرئيس الجديد، دنغ شياو بينغ، خلال الفترة التي ظلت فيها الصين واقتصادها معزولين إلى حدّ كبير عن الغرب. خلال سنوات أوباما، قدم بايدن مقترحات أن شي جينغ بينغ، الذي كان نائباً للرئيس الصيني، سيواصل التحرك نحو الديمقراطية والرأسمالية عندما يصعد إلى الرئاسة، وبالفعل أثبتت تحذيرات النقاد من أن الولايات المتحدة أخطأت في قراءة شي جينغ بينغ بعد فترة وجيزة من توليه الرئاسة في عام 2013.

قبل أيام أمرت إدارة ترامب بإغلاق القنصلية الصينية في هيوستن بحجة السرقة السيبرانية، وهو تصعيد استثنائي في التوتر بين الولايات المتحدة والصين. وردّت بكين وأمرت بإغلاق القنصلية الأمريكية في تشنغدو. وصف ستيفن ك. بانون، المستشار غير الرسمي لترامب والمهندس الأول في حملته الشعبوية لعام 2016، مواجهة الصين بأنها “أقوى قضية فردية” لترامب و”ضعف كبير” لبايدن، وأكد أن بايدن “أحمق مفيد” للحزب الشيوعي الصيني، وتوقع أن موقف بايدن لن تنساه الطبقة العاملة البيضاء.

لكن كل القراءات الأمريكية تبيّن أن ترامب هو الذي سيخسر مكانته مع هؤلاء الناخبين، رغم الإنفاق الكبير على الإعلانات التي تستهدف سجل بايدن الصيني، وإثارة القضية في كل فرصة. يقول دونالد ترامب جونيور في مكالمة أخيرة مع عشرات الصحفيين: إن بايدن “لا يستطيع التراجع عما فعله في الماضي من خلال الكذب على العامل الأمريكي”. لكن مؤيدي بايدن واثقون من أن الناخبين الذين تمردوا في عام 2016 سيعودون في الانتخابات المقبلة، لأنهم يرون نتائج التحالفات الدولية المتوترة والسياسات التجارية الانعزالية وارتفاع حدّة اللهجة العنصرية في أمريكا. ويقول ديفيد لامبتون، باحث صيني في كلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة: “كانت سياسة بايدن الأساسية هي لا تقم بتهديدات لا يمكنك مواصلتها”.

يعزو بايدن استجابة أمريكا غير الكفؤة لـ COVID-19 جزئياً إلى فشل ترامب في العمل مع دول أخرى، بما في ذلك الصين. فقد هاجم ترامب الصين قبل أن يضرب الفيروس الولايات المتحدة، وقام بالتناوب بين مدح الرئيس الصيني للتحكم بالفيروس -وهو تكتيك يعتقد ترامب أنه سيساعده على الفوز بامتيازات تجارية- ولوم الصين على تفريخ “الطاعون”، أو “أنفلونزا الكونغ” أو “فيروس الصين”، حسبما يسميه.

وهنا يعود كتاب بولتون، الذي صدر مؤخراً، ليثبت أنه كان نعمة غير متوقعة لحملة بايدن، حين أفاد بأن ترامب دفع مصالحه السياسية باستمرار على المصلحة الوطنية في التفاوض مع الصين، بما في ذلك “التوسل مع شي لضمان فوزه” في الانتخابات من خلال تعزيز مشتريات فول الصويا والقمح الأمريكي، لهذا يبدو أن ما كشف عنه كتاب بولتون كان له أثر سياسي أكبر على ترامب من هجماته على “بكين بايدن”. وبالفعل في أوائل تموز الماضي، بعد أسبوعين من بدء نشر كتاب بولتون، أظهر استطلاع جامعة سوفولك/ يو إس إيه توداي أن الناخبين يفضّلون بايدن بنسبة 10 نقاط مئوية.