تحقيقات

مقومات ضائعة في زحمة التحديات وقلة الدعم.. سياحة طرطوس تنازع!!

كثيرة هي المقومات التي تمتلكها طرطوس، وأهّلتها لتكون محافظة سياحية بامتياز. ورغم ذلك لم تأخذ المدينة ما تستحقه من الدعم، ورغم ما تمّ تنفيذه من مشاريع إلا أن الكثير من العقبات والصعوبات مازالت تشكّل تحدياً حقيقياً أمام التنمية السياحية المستدامة، بما ينعكس بالإيجاب على مجمل القطاعات والخدمات، وبالتالي على الوضع المعيشي لأبناء المحافظة، لاسيما وأن خصوصية الموقع العام وجماليته وغناه بالغابات والمواقع الأثرية تشكّل محطات للجذب السياحي فيما لو أحسنا استثمارها الاستثمار الأمثل.

هذا العام، منُي القطاع السياحي بخسائر تُقدّر بعشرات المليارات من الليرات السورية، وكان هناك فوات منافع بالملايين لخزينة الدولة، نظراً لجملة من الأسباب أهمها جائحة كورونا وما تمّ اتخاذه من إجراءات الحدّ من تفشي وباء العصر، ما أدى لعزوف مئات المجموعات والأفواج السياحية التي اعتادت طرطوس على استقبالها مع بداية كل موسم، فغدت المنتجعات السياحية من فنادق وشقق وغيرها من مواقع تصفر فيها الريح ويغيب عنها النزلاء سواء من المحافظات السورية وحتى الوفود الأجنبية، إضافة لجائحة كورونا وآثارها المدمرة للاقتصاديات السياحية العالمية، كما لم يسلم القطاع من ارتفاع الأسعار الذي طال غيره من القطاعات، إذ ارتفعت أجور الحجز والإطعام عشرات أضعاف ما كانت عليه سابقاً.

رصد وتتبع
في رحلة رصد واستكشاف لواقع القطاع السياحي في طرطوس، وخلال لقاءات “البعث” مع عدد من النزلاء، ومحاولات لم يكتب لها النجاح للقاء أصحاب بعض هذه الفنادق المصنّفة درجة ممتازة وكذلك بعض المنتجعات، كان لافتاً حديث النزلاء، وهم من محافظات أخرى استغلوا فترة العيد وانتهاء الامتحانات الثانوية لتمضية إجازة لفترة محدودة في ربوع طرطوس وبحرها، حيث أشارت السيدة أم أيهم من حمص، والتي حجزت لقضاء ثلاثة أيام في منتجع الرمال الذهبية، إلى أن الغلاء أجبر معظم العائلات على اختصار إجازتها الموسمية والعودة إلى حياتها اليومية العادية، على أمل أن يكون الموسم القادم أفضل للسوريين عموماً وللقطاع السياحي على وجه الخصوص.

بدوره، قال أبو أحمد من محافظة حماة إن قيمة حجز الشاليه السياحي في طرطوس مرتفعة للغاية، حيث تصل في بعض المنتجعات إلى أكثر من 140 ألف ليرة لليوم الواحد مع بعض الخدمات البسيطة، وهذا الأمر يؤثر كثيراً على مجمل الحركة السياحية، ومع ذلك فإن من الضروري الوصول إلى البحر وتمضية لحظات هادئة وسط هذا الزحام والعصف النفسي والذهني الذي يتعرّض له المواطن السوري جراء النتائج الكارثية للحرب المدمّرة والحصار الاقتصادي.

وفي منتجع آخر، كان الإقبال قليلاً، حيث فضّلت السيدة هيام عدم الحديث حول واقع الأسعار والخدمات البسيطة المقدمة، كون الحالة صعبة على الجميع سواء كنزلاء أم أصحاب منتجعات، لافتةً إلى أن “الشغل بالعموم واقف.. والله يعين العباد على كل شيء”.

بدوره، أكد م. علي أحمد من حلب أن الأسعار في المنتجعات السياحية مرتفعة جداً، حيث تصل لليوم الواحد في بعض فنادق المحافظة إلى أكثر من 80 ألف ليرة مع وجبة فطور فقط، داعياً إلى ضرورة أن يكون هناك تخفيضات وحسومات بالنسبة للعائلات التي ترتاد هذا الفندق أو ذلك المنتجع مع زيادة بعض الخدمات، بدلاً من “قنص” الزبون الذي سيتردّد ألف مرة قبل العودة ثانية..!

وبدورها، تساءلت زوجته: لماذا غابت المنتجعات الشعبية التي تناسب جميع الشرائح الاجتماعية التي كانت تمتاز بها طرطوس خلال سنوات خلت؟! مبينة أن هذا النوع من السياحة موجود في كل دول العالم ولاسيما بالنسبة لشواطئ البحر الأبيض المتوسط، معتبرة أن شواطئ الساحل السوري أضحت فقط للأغنياء وميسوري الحال من سوية رجال الأعمال وأكثر، مع أن السياحة حق للجميع.

كما أشار الموظف أبو فؤاد إلى أن العادة جرت في كل موسم أن يتمّ حجز شاليهات للعمال في بعض شركات القطاع العام لقضاء إجازة سنوية، وهي مأجورة بأسعار مناسبة، إلا أنه منذ فترة تمّ إلغاء هذه المزايا وتحوّلت بعض شاليهات القطاع العام إلى “بزنس” من نوع آخر، ولحساب بعض المنتفعين والمستفيدين، ما يدفعنا لوضع الأمر برسم كل من إدارات هذه الشركات  والاتحاد العام لنقابات العمال. منوهاً إلى أن الوضع في السياحة الجبلية ليس أفضل، حيث تغيب الخدمات وترتفع الأجور، وبعضها يفتقر للتدليل والتعريف السياحي بأهمية ما تمتلكه طرطوس من مقاصف ومتنزهات وشقق “شاليهات”، سواء في مشتى الحلو أو القدموس والشيخ بدر وصافيتا وغيرها.

الحاجة ماسة؟
رائد حمود مدير منتجع مشتى الحلو أكد أن المنتجع في مرحلة صيانة لبعض منشآته هذا العام، معتبراً أن الحركة بالعموم  مقبولة، وأن الأسعار – حسب زعمه – أيضاً مقبولة، لافتاً إلى أن معظم الزبائن يرغبون بالسياحة البحرية لعدة أسباب منها قرب المواقع من مركز المدينة والرغبة بالبحر أكثر بغرض السباحة، مع الإشارة إلى أن الكثير من دول العالم تعمل على تنشيط السياحة الجبلية ودعمها بالخدمات والمرافق، بهدف تنمية المناطق السياحية وجعلها قبلة للسياح، كما أن المواقع السياحية الجبلية في ريفنا كثيرة وجميلة، وتحقق جذباً للكثير من العائلات السورية وتعزز التنمية المستدامة لمناطق الريف.

أصحاب الشأن
مدير سياحة طرطوس، المهندس يزن الشيخ، بين أنه وبعد تخفيف الإجراءات من قبل الفريق الحكومي المكلف بالتصدي لفيروس كورونا، عاودت المنشآت السياحية نشاطها باستقبال الزبائن والمرتادين وفق اشتراطات وزارة السياحة، من حيث الملاءة وإجراءات التعقيم وغيرها. مشيراً إلى أن ملاءة الفنادق خلال الأعياد خجولة، إذ لم تتجاوز خلال عيد الفطر الماضي 35% في أغلب المنشآت باستثناء عدد محدود منها وصل إلى نحو 75%. لافتاً إلى أن أبرز التحديات التي تواجه السياحة في ظل الوضع الاقتصادي الحالي تتمثل بانخفاض نسب الإشغال ما ينعكس سلباً على هذه المنشآت، كما أن الإجراءات الاحترازية للتصدي لفيروس كورونا ولاسيما إغلاق الحدود والمطارات، انعكس سلباً على حركة السياح وخسارة القطاع السياحي للسائح الخارجي.

وأشار الشيخ إلى أنه تم، العام الماضي، افتتاح عدة مواقع للسياحة الشعبية الشاطئية شبه المجانية مع تقديم كافة الخدمات وسيتمّ تكرار التجربة هذا العام.

وجع آخر
يوسف مويشة، رئيس غرفة سياحة طرطوس، بين أن الواقع السياحي في المدينة في أدنى مستوى له حالياً وتعرض لعدة ضربات، فهو بالأزمات أول من يتوقف وآخر من يتعافى؛ وخلال فترة الحرب ومنذ أكثر من عشر سنوات تركزت المحاولات بالتعاون مع وزارة السياحة على المحافظة على هذا القطاع، وذلك من خلال طرح عدة أفكار إسعافية تعطي القطاع الاستمرارية، ولكن عند دخول مرحلة الإغلاق بسبب وباء كورونا، بدأ القطاع بالتعب الفعلي، فمنذ 17/ 3 ولغاية تاريخه والقطاع ينازع، وعند السماح بإعادة العمل واجه تحدي تذبذب سعر الصرف الذي أدى إلى ضعف القوة الشرائية للمواطن والسائح الداخلي معاً، والذي يعتمد عليه حالياً، ما أدى إلى انخفاض كبير جداً في الملاءة السياحية، مع الإشارة إلى أنه تم تطبيق شروط صعبة جداً لإعادة الافتتاح، منها تخفيف الملاءة ومنع تقديم الأراكيل ما أدى إلى ضرر كبير لأصحاب المنشآت والمرتادين، إضافة لذلك يأتي تحديد موعد العام الدراسي في أول أيلول المقبل كضربة قاضية للقطاع، وذلك لأن مدة الموسم السياحي في طرطوس عبارة عن شهرين فقط وباقي أيام السنة لا تُذكر سياحياً، إضافة لمعوقات أخرى تتعلق بالالتزامات الكبيرة التي يتعرّض لها أصحاب المنشآت، ومنها الضرائب التي لم تتوقف والرواتب والأقساط البنكية للبعض ما أدى لتوقف عدد من هذه المنشآت عن العمل نتيجة عدم قدرة أصحابها على التشغيل.

حديث في محله
لعل ما سبق ذكره من حالة مادية صعبة، بالتوازي مع ارتفاع أجور الخدمات من مبيت وإطعام وحجز، يضغط باتجاه تعميم ثقافة الحسومات وتخفيض تكاليف الإقامة، فهذه الثقافة متبعة في العديد من دول العالم ولاسيما خلال أوقات معينة ربما تكون – كما يعبّر بعض الرواد – أوقاتا ميتة بالنسبة للذين لا تسمح لهم الظروف بالمكوث في هذه المنشآت، فتكون مناسبة لآخرين للاستفادة من هذه الفرصة، ما قد يفضي إلى تأمين عدد أكبر من الزبائن وتنشط السياحة لتعود بالفائدة على الجميع، إذ لا يعقل أن تصل قيمة الإقامة في بعض المنشآت ليوم واحد فقط إلى أكثر من مئة وأربعين ألف ليرة سورية..!

لؤي تفاحة