دراساتصحيفة البعث

شرقي المتوسط.. ثروات لن تطالها أطماع أردوغان

 د. معن منيف سليمان

تعدّ ثروات شرقي البحر الأبيض المتوسط، واحدة من بين أطماع رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان، بدا ذلك مع توجه أنقرة نحو إثارة المزيد من التوترات الإقليمية، وإعلانها بدء التنقيب عن النفط والغاز في تلك المنطقة، لكن أطماعه تصطدم  بأرضية قانونية صلبة للدول الأعضاء بمنتدى غاز شرقي المتوسط الذي يحظى بمظلّة دولية تمثل عدّة دول أوسطية وأخرى أوروبية، ما يؤكّد أن أطماع أردوغان ستردعها تحرّكات دولية تحت سقف القانون الدولي.

يعدّ البحر الأبيض المتوسط من البحار الغنية بالعديد من الثروات، لا سيما النفط، حيث أكدت دراسة سابقة لهيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية أن حجم احتياطي الغاز فيه يبلغ نحو 345 تريليون قدم مكعب من الغاز، بالإضافة لاحتياطيات نفطية تبلغ 3,4 مليار برميل، فضلاً عن كميات ضخمة من سوائل الغازات، حيث تعوم المنطقة فوق بحيرة من الغاز تكفي لتلبية حاجة سوق أوروبا لمدة 30 عاماً، والعالم لمدّة عام واحد على الأقل. وأصبحت منطقة شرقي المتوسط في بؤرة الاهتمام العالمي مع إعلان قبرص في 28 كانون الأول 2011، عن اكتشاف أوّل حقولها من الغاز، الذي تقدّر احتياطاته بما يتراوح بين 5 – 8 تريليونات قدم مكعب من الغاز الطبيعي أمام سواحلها الجنوبية، ويعدّ هذا أوّل اكتشاف من نوعه في جنوبي الجزيرة، تلاه اكتشاف مصر أكبر حقل غاز طبيعي في 2015.

الاكتشافات الضخمة لمكامن النفط والغاز، فتحت شهية الدول وبخاصة الغربية “أوروبا وأمريكا'” الراغبة بالاستغناء عن الغاز الروسي على المدى الطويل، ما يعني أن حرب الغاز في المتوسط ستجذب أطرافاً دولية أخرى، ولاسيما نظام أردوغان، وسوف تتجه شيئاً فشيئاً نحو تدويل ملف الغاز المكتشف. تعود التدخلات التركية التي تصاعدت حدّتها في 2019 -2020 إلى إخفاق منصّات وسفن التنقيب المحلية عن إيجاد أية مصادر تجارية للغاز أو النفط في المياه الإقليمية التركية، وبدأت تركيا منذ 2019، عمليات تحريك سفن التنقيب عن مصادر الطاقة التقليدية في كل من البحر المتوسط من جهة، وفي المياه الإقليمية بالبحر الأسود من جهة أخرى.

وزحفت تركيا في بداية الأمر للسيطرة على المياه الإقليمية لقبرص التي جذبت أطماعها بعد اكتشاف أول حقولها من الغاز. وتعارض تركيا قيام قبرص بالتنقيب عن النفط، زاعمة أن ذلك يتناقض مع حقوقها. لقد أدّت المحاولات الرامية للاستفادة من الموارد الطبيعية في منطقة شرقي البحر المتوسط إلى إحياء التوترات بين تركيا واليونان، وهدّدت أنقرة، أكثر من مرّة، باستخدام القوة ضدّ سفن كانت متجهة شرقي المتوسط للتنقيب عن الغاز، لصالح اليونان.

وبعد ذلك، اتجه أردوغان إلى تونس، في مساعٍ لبناء علاقات اقتصادية وتجارية من أجل السيطرة على مصادر النفط والغاز، في حين مارس في ليبيا، عدّة انتهاكات، وسارع لعقد اتفاق مشبوه مع فائز السراج، رئيس ما يسمى حكومة الوفاق الليبية، في تشرين الثاني 2019، لإنشاء منطقة اقتصادية من ساحل تركيا الجنوبي على المتوسط إلى الساحل الشمالي الشرقي الليبي، متجاهلاً جزيرة كريت اليونانية الواقعة بتلك المنطقة.

وفي هذا الصدد يقول “سونر جاغابتاي” في معهد واشنطن مؤلّف كتاب “تركيا وسياسة الشرق الأوسط”: “إن تركيا تنظر إلى ليبيا كنقطة جوهرية في سياستها الخارجية التركية، حيث تعدّها مسرحاً تستخدمه لمنافسة خصومها القدامى (اليونان) والجدد (ومن بينهم مصر)، فيما أصبحت حكومة الوفاق الليبية تعتمد بشكل متزايد على أنقرة لأسباب عسكرية، حيث إن أنقرة هي تقريباً حليفها الوحيد”.

يحاول أردوغان النفاذ إلى البحر المتوسط كبوابة يظن أنها سهلة للعبور منها إلى أفريقيا، بالإضافة لمحاولة استنزاف موارد النفط بالبحر، وفي الوقت نفسه كجولة مناورة مع خصومه بالمنطقة العربية والقارة الأوروبية.

لقد فجّرت أطماع أردوغان صراعات كثيرة في المنطقة، والآن يفجر صراعاً إقليمياً خطيراً في شرق المتوسط. وفي تقرير لـ “سايمون هندرسون” مدير “برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة” في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، انتقد ما وصفه بـ”الأسلوب الدبلوماسي التصادمي” الذي يعتمده أردوغان الذي قد يؤدّي إلى مواجهات حتمية، وأن أنقرة – وفقاً لما يرى هندرسون – وجدت نفسها في وضع صعب وسط الأزمة المتفاقمة بوتيرة سريعة بسبب بدء فصل جديد في الحرب الليبية.

ويبدو أن أحلام تركيا وأطماع رئيسها أردوغان تصطدم في الواقع باتفاقيات دولية أخرى موقعة بين أطراف دولية مختلفة. فقد وقَّعت إيطاليا واليونان، اتفاقاً لترسيم حدود البحر الأيوني الذي يفصل البلدين، وينص على أن الجزر اليونانية في البحر المتوسط هي مناطق اقتصادية خالصة، وسبقتهم في تلك الخطوة، مصر واليونان.

ويعدّ ما جرى من تقدّم في العلاقات بين الدول الأخرى لحوض المتوسط من اتفاقيات متعدّدة لترسيم الحدود البحرية متغيرات مهمّة لإعاقة تحركات أردوغان عبر ترابط أقوى بين دول المنطقة، ما يقطع الطريق على أردوغان بالسيطرة على ذلك الجزء من البحر المتوسط.