ثقافةصحيفة البعث

وليد العاقل.. أطروحة عشق المرأة السورية لأرضها

يؤكد الفنان وليد العاقل أن المسرح هو العشق الذي يسكن كل فنان، وهو وإن يبتعد عنه أحياناً، عمداً أو قسراً إلا أنه يظلّ ساكناً في روحه، يلجأ إليه كلما علا هذه الروح الصدأُ، وقد كان المسرح في السنوات الأخيرة التي عصفت ببلدنا متنفساً للكثيرين لأن في المسرح حياة لنا وللوطن، وهو يعيد الأمل للجميع، ولأنه ما زال على هذه الأرض ما يستحق الحياة.. من هنا يحضّر العاقل اليوم ككاتب وكمخرج مونودراما “ترنيمة على جدران الوجع” والتي تقدَّم يومياً على خشبة مسرح المركز الثقافي بالسويداء من إنتاج مديرية المسارح والموسيقى–المسرح القومي في السويداء.

زهرة العلي

ولأن النساء أكثر الناس كرهاً للحروب يدفعن ثمنها دائماً جروحاً وفقداً يستمر معهن طوال العمر.. من هنا يبيّن العاقل في حوار “البعث” معه أنه ككاتب سلَّط الضوء في “ترنيمة على جدران الوجع” على شجون المرأة كأخت وزوجة وأم في زمن الحرب من خلال شخصية زهرة العلي أو أم ذيب السورية كما تطلق على نفسها، وهي ابنة هذه الأرض التي أعطت العالم لون وجهه المشرق، وتعيش الوجع بكل صنوفه من فقد وقهر وانتظار ودمار، ومع هذا تتمسّك بإرادة البقاء والصمود والكبرياء والحلم. فزهرة العلي -كما يوضح العاقل- خسرت كل شيء بفعل حرب لم تخترها، لكنها اختارت مواجهتها بالصبر والسخرية من ويلاتها بالعزم والإرادة وثقتها بأنها كمدينتها عصيّة على الموت، منتظرة ابنها المقاتل بورود الأمل والألم وكأنها ترتل الفرح فوق جدران الوجع، لتمسح بذلك غبار الحرب عن الوجوه وأسطح وعتبات البيوت وعن الموائد والوسائد، ولتغني للفرح بثقة المنتصر والواعي لما تحيكه مطابخ سياسات العالم القذر وأذنابه، لتقدم أم ذيب الشاهين أطروحة عشق لفلاحة تعرف قيمة تراب بلدها، عاتبة مشمئزة من كل من استباح شآم العرب، فتتقيأ كل مفردات الحرب من منطق المرأة الأم مع رفضها أن تفرّ خارج أسوار مدينتها لسوريتها المتجذرة فيها.

المونودراما فن صعب

يعي العاقل تماماً صعوبة التجربة في المونودراما، ولا يخفي أنه سبق وأن حاول الخوض فيها مراراً مع أكثر من ممثلة، ولكنه توقف عن المحاولة حتى التقى بالفنانة رانيا الخطيب التي لفته فيها، وبعد أحاديث طويلة، اجتهادها وحماسها لشخصية زهرة العلي التي تماهت معها بعد نقاش مستمر بكل تفاصيل النص، الأمر الذي جعله يخوض المغامرة بعد أن وجد ضالته فيها، مؤكداً أن أصعب ما في المونودراما هو تخليصها من حاملها الأساسي وهو المباشرة، وهذا ما حاول جاهداً العمل عليه، مبيناً أن البروفات قد أثمرت عرضاً مسرحياً، متمنياً أن يكون ملفتاً وصادماً وإنسانياً.

 لماذا المونودراما؟

بقي وليد العاقل في السنوات الماضية في بلده، وكان أكثر ما آلمه صبر أمهات الشهداء وعائلاتهم، ولطالما سجّل بعض الانطباعات الإنسانية مما شاهده عند المرأة السورية.. من هنا أراد أن يسلّط الضوء على دور المرأة في الحروب ودورها البارز في الصمود والتشبث بالأرض، بعيداً عن الشعارات والخطابات، حيث الانتماء هنا بالجينات، والحياد مع الوطن كالحياد بين عصفور وحبة قمح.. ومن غير المرأة الأم برأيه قادرة على تجسيد هذه الحقيقة؟. ويرى أن حالة الكاتب والمخرج حالة صحية بالمسرح، لأن كل ما يقدَّم على الخشبة هو وجهة نظر المخرج ورؤيته الفنية للمادة الدرامية حتى لو لم يكن الكاتب، مؤكداً أن المخرج عندما يكون كاتباً للنص تصبح الأمور بالنسبة له أكثر صعوبة، ويجب هنا على الممثل أن يحذر دائماً بألا ينحاز لأحدهما أكثر من الآخر لأن حالة الفصل هنا ضرورية، ولهذا كان العاقل يحرص دائماً على ألا يتبنى أية فكرة أو قرار أو تغيير بالنص خلال البروفات على الخشبة، وينتظر حتى يعود لمكتبه ليسجل الملاحظات أمامه ويناقشها من وجهة نظر الكاتب فقط، مع تأكيده على أن العملية صعبة، لكن كله أمل بأن يكون قد وفّق بإيجاد معادل فكري وبصري لنص صعب ومعاصر ويحتاج لتركيز عالٍ منه ومن كادر العرض.

أقصى الفرح.. أقصى الوجع

يتوجّه العاقل بالشكر للممثلة رانيا الخطيب على جهودها التي بذلتها، وهي الشغوفة بالمسرح، والممثلة التي تمتلك أدواتها الفنية باقتدار، وأضافت الكثير لشخصية زهرة العلي الصعبة بكل ما تحمله من ذرى انفعالية متنوعة ومتباعدة من أقصى الفرح إلى أقصى الوجع، ومن عتبة اليأس إلى شاطئ الإرادة والقرار.. وها هي اليوم ترسم على خشبه المسرح تفاصيل شخصيتها بريشة فنانة واثقة، مشيراً إلى أنها ممثلة مسرحية وعضو في نقابة الفنانين ولها الكثير من التجارب المسرحية اللافتة، وهي حاصلة على جائزة أفضل ممثلة في أكثر من تجربة مسرحية وفي أكثر من مهرجان.

أمينة عباس